«الشعب» تستطلع آراء النخبة المثقفة في شرشال مسقط رأس الفقيدة

آسيا جبار.. بريق ساطع أكثر من 5 عقود

علاء.م

أجمعت الفعاليات الثقافية الناشطة لشرشال التي شهدت مولد ونشأة الكاتبة الراحلة “أسيا جبار” على أن الجزائر فقدت فعلا أيقونة متميزة، بأن بريقها ساطعا طيلة أكثر من 5 عقود من الزمن من خلال إنتاجها الفكري والأدبي الغزير، الذي أهلها لنيل عدّة جوائز عالمية، مع اقتراحها لنيل جائزة نوبل للأداب سنوات عدّة وتحدثت الفعاليات لـ«الشعب» عن مكانة آسيا جبار وجهودها في التعريف بالأدب الجزائري بالخارج، وهي التي كانت احدى قاماته.

تحولت مدينة شرشال طيلة اليومين الماضيين إلى دار كبيرة للنعي والمواساة في رحيل الفقيدة التي مكنتها جرأتها الأدبية من تمثيل المدينة التاريخية، بأكبر المحافل الأدبية العالمية، وتمكنت بفضل رغبتها الجامحة في تخليص المرأة من الظلم والاستعباد، من جلب مزيد من التعاطف والموالاة لخطها الأدبي، قال الكاتب “العربي هواري” لـ«الشعب” كانت أول طالبة مسلمة تلج أروقة المدرسة الفرنسية العادية قبل أن تقرّر بمحض إرادتها تلبية نداء الواجب الذي أطلقه الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، والمتعلق بالإضراب العام سنة 1956 فرفضت المشاركة في امتحانات آخر السنة وغادرت مقاعد الدراسة ليتم بعدها طردها من المدرسة، وحينها فكرت في تأليف أول كتاب لها بعنوان “العطش” واختارت له اسما مستعارا، قبل أن تلتحق بجامعة الرباط بالمغرب لتدريس مادة التاريخ سنة 1959.
الكاتب والشاعر “محمد ساري” الذي عايش عن قرب نشاطات الكاتبة من خلال اتصالاته الدورية مع أقاربها وأهلها، فقد أشار لنا إلى أنّ الجزائر فقدت فعلا وجها متميزا من رواد الادب الجزائري الحديث الذي أسس له نخبة من الأدباء على غرار محمد ديب ومالك حداد مولود فرعون ومولود معمري وكاتب ياسين وغيرهم ـ و كانت الكاتبة قد أثارت اهتمام وسائل الاعلام منذ أول نشر لها لرواية “العطش” سنة 1958 و تمّ تصويرها حينذاك على أنّها أضحت متمردة على التقاليد و باحثة عن موطن الحرية و ذلك من خلال تقليد الأوربيات، وزاد الاهتمام بفكرها باعتبارها كانت الطالبة الجزائرية الوحيدة التي درست بثانوية البليدة بمعية طلبة أوروبيين قبل أن تنتقل إلى المدرسة الفرنسية العامة بباريس عشية اندلاع الثورة التحريرية . وواصل ساري في شهادته في روايتها الثالثة “أطفال العالم الجديد” التي صدرت سنة 1962. تحدثت الفقيدة عن الكفاح والنضال خلال الثورة إلا أنّ همها الأكبر كان دوما يرتبط بكفاح المرأة ونضالها من أجل رفع الغبن المسلّط عليها، وأشارت بالتحديد إلى فكرة رفض الرجل التحاق زوجته بالمجاهدين بالرغم من كونه مثقفا في الكثير من الحالات، وحين كتبت رواية “نوبة نساء جبل شنوة” سنة 1978 والتي تحولت إلى فيلم فيما بعد فقد أعطت الكلمة للنساء للحديث عن بطش المجتمع وظلم الرجال لهن مثلما أشارت الى مقاومة النساء لبطش الرجال خلال الفترات الإسلامية الغابرة في رواية “بعيدا عن المدينة المنورة”.
 أتاحت جبار لنفسها فرصة النبش في تاريخ الأمة الإسلامية باعتبارها أستاذة لمادة التاريخ بكل من المغرب والجزائر على امتداد عدة سنوات، وحينما تحدثت عن طفولتها في آخر إنتاج أدبي لها “بوابة الذكريات” الذي ترجمه الى اللغة العربية الكاتب “محمد يحياتن” خلال العام المنصرم، فقد ذكّرت برفض أبيها ركوبها الدراجة خوفا من انكشاف ساقيها، كما أشارت إلى كونها كانت ترتدي لباس الحايك للحاق بالثانوية قبل أن تنزعه وتكشف عن وجهها أمام زملائها الطلبة وهي إشارات تدل جميعها على حاجة المرأة للتحرر والتمرّد على التقاليد التي ألفها المجتمع، وبالرغم من كون الجزائر لم تعط الأديبة حقها من العناية والرعاية بالنظر إلى إنتاجها الأدبي الغزير فإنّ هذه الأخيرة تمكنت من فرض أسلوبها وطريقة كتبتها عالميا من خلال حصولها على جائزة السلم للأدب الألماني وولوجها أروقة الأكاديمية الفرنسية سنة 2005 كأول امرأة عربية تتبوّأ هذا المنصب الراقي.
وفي سياق ذي صلة، أحصى رئيس المكتب الولائي لاتحاد الكتاب الجزائريين بتيبازة الكاتب “عبد الرحمان عزوق”، في تصريح لنا أكثر من 20 مؤلفا للكاتبة الراحلة “آسيا جبار” ترجم بعضها إلى أكثر من 25 لغة عبر العالم ما يترجم قيمتها الأدبية ومستواها العالمي، وعن أسلوبها الأدبي يقول “عبد الرحمان عزوق” بأنه غني ومتنوع، وأن الكاتبة تعرض كثيرا من القيم بشكل جيد، مع اسنادها عدّة أشكال حسية، الأمر الذي يسهل على القراء الوصول إلى معانيها الدقيقة والخروج بانطباعات صحيحة عنها وباعتبار الوصف وحده لا يكفي في تكوين مفاهيم دقيقة، لأن القارئ لا يمكنه فهم كلمات تمثل خبرات لم يمرّ بها من قبل، فقد ارتأت الكاتبة أنه من اللازم أن تتوفر الخبرات الحسية اللازمة والمناسبة لكي يتهيأ له الإدراك والفهم بشكل صحيح، سواء أكان هذا الفهم، أو التعلم، يعنى  باكتساب الحقائق والاتجاهات أم المبادئ أم المهارات.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19842

العدد 19842

الأربعاء 06 أوث 2025
العدد 19841

العدد 19841

الثلاثاء 05 أوث 2025
العدد 19840

العدد 19840

الإثنين 04 أوث 2025
العدد 19839

العدد 19839

الأحد 03 أوث 2025