يواصل جامع الجزائر تكريس حضوره كمؤسسة دينية وثقافية رائدة، حيث احتضن اليوم ندوة علمية موسومة بـ “رسالة المسجد في المجتمع المعاصر”، بقاعة المحاضرات “عبد الهادي لعقاب” بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم الإسلامية “دار القرآن”. الندوة، التي ينظمها المجلس العلمي لجامع الجزائر، تعكس إرادة واضحة في تحويل المسجد من فضاء للعبادة فحسب، إلى مركز إشعاع فكري وروحي وثقافي يساهم في صناعة الوعي الجماعي وبناء المجتمع على أسس متينة.
افتتحت أشغال الندوة بكلمة عميد جامع الجزائر الشيخ محمد المامون القاسمي الحسني، الذي أكد على الأهمية الاستراتيجية لدور المسجد في تنشئة الإنسان وترسيخ منظومة القيم. تلتها كلمة ترحيبية لرئيس المجلس العلمي الأستاذ الدكتور موسى إسماعيل، الذي أبرز أن هذه الندوة تأتي ضمن سلسلة لقاءات فكرية تهدف إلى تجديد الفعل الثقافي للمسجد وتعزيز مكانته في الحياة العامة.
وتضمن البرنامج مراسيم استلام مكتبة الأستاذ الدكتور العربي بختي رحمه الله، في خطوة اعتبرت التفاتة علمية لتخليد إرثه الأكاديمي وإثراء رصيد جامع الجزائر بالمؤلفات والمراجع التي تشكل مادة معرفية للباحثين وطلبة العلم.
وعرفت الندوة سلسلة مداخلات أكاديمية تناولت أبعاد رسالة المسجد في زمن التحولات الراهنة. حيث قدّم الأستاذ الدكتور عبد العزيز ثابت، من جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، مداخلة بعنوان “رسالة المسجد في بناء الإنسان وقيم المجتمع”، أبرز فيها الدور المحوري للمسجد في صناعة الإنسان الصالح وحماية النسيج الاجتماعي من التفكك.
أما الدكتور بلال سعيدان، المدير الفرعي لتحسين المستوى وتجديد المعلومات بوزارة الشؤون الدينية، فقد تطرق في محاضرته إلى “الوظائف الحضارية للمسجد والإمام” من خلال النصوص التشريعية والتنظيمية، مبرزاً كيف تشكل المرجعية القانونية إطاراً لتفعيل الأدوار التربوية والثقافية والاجتماعية للمسجد والإمام.
وفي مداخلة ثرية، استعرض الشيخ أحمد بن محمد خليلي، عضو المجلس العلمي لجامع الجزائر، تجربة العلامة محمد بلكبير في إحياء النشاط المسجدي، مؤكداً أن تفعيل المسجد كمحور إشعاع علمي وروحي ساهم في تكوين أجيال من العلماء والمصلحين.
واختتمت الندوة بمداخلة الأستاذ الدكتور عماد بن عامر، مدير القضاء المسجدي بجامع الجزائر، تحت عنوان “جامع الجزائر: إنجازات وتطلعات، الفضاء المسجدي أنموذجاً”، حيث قدّم عرضاً شاملاً عن حصيلة النشاطات العلمية والثقافية التي يحتضنها المسجد الأعظم، والتي جعلت منه فضاءً مفتوحاً للحوار الفكري والتلاقح الثقافي، مع استشراف آفاق تطوير هذه التجربة لتشمل مبادرات أكثر تنوّعاً وانفتاحاً على المجتمع.
وأكد المشاركون أن هذه الندوة ليست مجرد نشاط أكاديمي ظرفي، بل خطوة عملية في سبيل إعادة الاعتبار لوظائف المسجد الحضارية، وجعل جامع الجزائر فضاءً حياً يعكس تنوّع المجتمع الجزائري، ويساهم في ترسيخ قيم الحوار والتعايش والتجديد الفكري. كما شددوا على ضرورة تعزيز البعد الثقافي للمسجد ليكون حاضنة للفنون الفكرية والأنشطة المعرفية التي تستجيب لتحديات العصر وتغذي روح الانتماء والهوية الوطنية.