يتواصل برواق محمد راسم في قلب العاصمة، المعرض التشكيلي المشترك الذي يحمل عنوان “لقاء ودي”، والذي انطلق في 5 جويلية الجاري ويستمر إلى غاية 17 جويلية. المعرض يجمع بين أعمال الفنانين نادية قاني وعبد المجيد ڨمرود، في تجربة بصرية تسافر بين عوالم المرأة والهوية، والطبيعة والرمز، عبر تنويعات لونية وتقنيات متعددة، في حوار فني مفتوح على التأويل والقراءة.
في فضاء المعرض، تُطل لوحات نادية قاني كمرايا داخلية للذات الأنثوية، حيث تعتمد الفنانة على تقنيتي الأكريليك والكولاج، أو تمزجهما في أعمال تحمل أبعادًا رمزية وتعبيرية مركبة. لا تكتفي غاني بطرح الشكل، بل تتلاعب بالصورة والملمس والتكوين لتبني بورتريهات نسائية نصف تجريدية، تنبض بالحيرة والقلق، وربما الحنين.
الوجوه التي ترسمها ليست واقعية، بل مشوّهة أحيانا، أو خالية من الملامح في أحيان أخرى، كأنها تبحث عن هوية ضائعة أو تصرخ بصمت. تختار الفنانة ألوانا صارخة أو دافئة، ما يُضفي على العمل توترا داخليا، ويمنح المتلقي إمكانية الانغماس في عوالم شعورية متضاربة.
في أعمال الفنانة قاني، يُصبح الوجه مساحة روحية تتقاطع فيها الذات الفردية مع الجماعية، ويتحوّل اللون إلى أداة تعبير عن الانفعالات، حيث تمتزج الظلال وتتناقض التدرجات، لتعكس تحوّلا نفسيا أو اجتماعيا متأصلا. الكولاج في لوحاتها لا يُستخدم كتزيين، بل كأداة لإعادة تركيب المعنى، وترميز المشاعر من خلال تركيب الصور والخامات.
من جهته، يقدّم الفنان التشكيلي عبد المجيد ڨمرود مقاربة تشكيلية تعتمد على الأسلوب شبه التصويري، من خلال لوحات يطبعها الزخم الرمزي والبصري. في أعماله، تستحضر العناصر الطبيعية ـ كالنباتات، الحيوانات، والأشكال البحرية ـ إلى جانب الرموز الأمازيغية والخط العربي، لتتداخل وتتشابك في تكوينات ديناميكية وملونة.
ما يميز لوحاته هو الحضور القوي للتفاصيل والخطوط الواضحة، إلى جانب الاستخدام الذكي للألوان الحارة والمضيئة، والتي تمنح المشاهد إحساسًا بالحركة والحياة والانفتاح. يتعمّد ڨمرود خلق مساحات مرحة، لكن دون أن يتخلى عن البعد الفكري، حيث تحضر في أعماله دعوة إلى الحوار والتواصل بين الشعوب والثقافات.
وفي بطاقة تعريفية مرفقة بالمعرض، يشير الفنان قمرود إلى أن مواضيعه تعكس رؤى إنسانية تحمل قيم التضامن والتشارك من أجل مستقبل مشترك. وهي رسالة يترجمها بصريًا من خلال المزج بين الثقافات، وانفتاح اللوحة على موروثات متعددة، تتعايش في تناغم لوني وبصري.
وفي حديثه، صرّح عبد المجيد ڨمرود قائلا: “أشتغل كثيرا على التباينات: بين البارد والدافئ، المضيء والباهت، فهي التي تمنح اللوحة حركتها وديناميكيتها. كما أنّني أركّز على العمق والمنظور، وأولي أهمية خاصة للرسم والخط. اختياري للأسلوب شبه التصويري يمنح الزائر مساحة للتأويل والانخراط في المعنى. أعمالي تعبّر عن رغبة في الحماية داخل عالم هشّ، وأحاول عبرها خلق فقاعة من الأمان، دون أن يعني ذلك الانعزال أو الانغلاق”.
يجسّد المعرض الثنائي تفاعلا فنيا بين مدرستين بصريتين: الأولى تستنطق المرأة وتجسّد قلقها الداخلي بلغة الكولاج والتجريد، والثانية تحاكي الطبيعة والرمز في تركيبات شبه تصويرية، غنية بالألوان والمعاني.
وعلى الرغم من اختلاف الأسلوب والموضوع، إلا أنّ المعرض يبدع في خلق تجانس بصري وروحي، حيث يُصبح اللون هو اللغة الجامعة بين الفنانين، واللوحة وسيلة تعبير عن قضايا أعمق من الشكل. لتكون دعوة للتأمل، ولرؤية العالم بعيون مختلفة، تارة حزينة، وتارة أخرى حالمة، لكن دائما مشحونة بالحياة والأمل.