يعتبر عبد الله بن حامو القصة القصيرة في الأدب الجزائري ليست مجرد فنّ سردي عابر، بل هي ومضاتٌ تختزل تاريخًا من المقاومة والهوّية والبحث عن الذات. فهي من رحم المعاناة الاستعمارية إلى تعقيدات ما بعد الاستقلال، تشكّلت هذه القصص، يقول المتحدث “كحاملٍ لجروح الوطن وأحلامه، وتحوّلت من أداةٍ للتوثيق والاحتجاج في خمسينيات القرن الماضي (مع روّاد مثل محمد ديب وكاتب ياسين) إلى مرآةٍ تعكس تحولات المجتمع الجزائري الحديث بكل تناقضاته: الهوية المزدوجة، التحضر السريع، التطلعات الشبابية، وأسئلة الحرية.
أكد الروائي عبد الله بن حامو في حديثه لـ«الشعب”، أن القصة القصيرة الجزائرية لا تزال حيةً تتنفس، تُعيد اختراع نفسها بلغةٍ جريئةٍ وتقنياتٍ معاصرة، حاملةً إرثًا ثقافيًا هشًّا لا يُسمح له بالاندثار.
يقول صاحب رواية “حلم لم يكتمل” أنه “لم تكتفِ القصة القصيرة بسرد الأحداث، بل غاصت في أعماق النفس البشرية، تصوّر حيرة الشباب بين الأصالة والحداثة، وتكشف معاناة المرأة في مجتمع يتغيّر، وتوثق تحوّلات الريف والمدينة بلمسة إنسانية مؤثرة”. ليضيف “تميزت ببراعة في مزج الواقع بالرمز، حيث تصبح تفاصيل الحياة اليومية البسيطة ـ من حانوت في زقاق ضيق إلى حافلة مكتظة ـ نوافذ تطل على قضايا كبرى كالعدالة والحرية والكرامة. تعددت لغاتها فكتبت بلغة القرآن الفصيحة لتؤكد الانتماء، ونسجت حواراتها باللهجة الدارجة لتعطي مصداقية للشخصيات وتجسد التنّوع، واستمرت مسيرة الكتابة بالفرنسية كجسر ثقافي”.
في السياق، يرى المتحدث أن القصة القصيرة الجزائرية تمكنت من فرض تواجدها بجدارة بين الأجناس الأدبية الأخرى، رغم التحدّيات التي واجهتها. بدأت مسيرتها الحديثة متشبثة بهُوّيتها الوطنية خلال الحقبة الاستعمارية، حيث استخدمها رواد مثل محمد ديب ومالك حداد وأحمد رضا حوحو كسلاح مقاومة ثقافي ووسيلة للحفاظ على الذاكرة الجماعية.
بعد الاستقلال، شهدت طفرة نوعية مع جيل الستينيات والسبعينيات (مثل زهور ونيسي والطاهر وطار) الذين وسعّوا آفاقها لاستكشاف قضايا الهوية، التنمية، والصراعات الاجتماعية في ظل بناء الدولة الجديدة.
ويضيف بن حامو، أن هذه الخطوات أهلّت القصة القصيرة الجزائرية لنحت مكانةٍ متميزة لها على خريطة الأجناس الأدبية، متحدّيةً هيمنة الرواية والشعر. انطلقت شرارتها الحديثة مع روادٍ مثل أحمد رضا حوحو (الذي يُعدّ رائد القصة القصيرة الحديثة في الجزائر بمجموعته “غادة أم القرى”) ومحمد ديب ومالك حداد، محوّلةً الصفحات إلى ساحاتٍ للمقاومة الثقافية ضد الاستعمار، حافظةً للذاكرة وصانعةً للهوية في آن واحد.
بعد الاستقلال، لم تركن إلى المجد، بل انطلقت مع جيل الستينيات والسبعينيات (زهور ونيسي، الطاهر وطار، عبد الحميد بن هدوقة) لاستكشاف تعقيدات بناء الدولة: صراع التقليد والحداثة، إحباطات التنمية، وأسئلة الهوية المتجدّدة، مستفيدةً من مرونتها الفريدة في التقاط نبض المجتمع.
وفي سياق آخر، تطرّق الكاتب عبد الله بن حامو، إلى التحدّيات التي تواجه القصة القصيرة في الجزائر، واصفا إياها بالمتشابكة بدءا من صعوبات النشر الورقي (ضعف البنية التحتية للتوزيع، وارتفاع تكاليف الطباعة) وتراجع الاهتمام بالقراءة الأدبية لصالح الوسائط السريعة، مروراً بغياب النقد الجاد الذي يواكب الإبداع ويسلط الضوء عليه، ووصولاً إلى الانقسام اللّغوي (بين العربية الفصحى، الدارجة، الأمازيغية، والفرنسية) الذي يُجزّئ الجمهور ويُعقّد تواصل الكُتّاب بمختلف أدواتهم التعبيرية.
ليخلص في الأخير إن القصة القصيرة الجزائرية قد أثبتت حضورها الفني والإنساني المميز وحققت اعترافًا نقديًا وجماهيريًا متناميًا، خاصة في الأوساط الأدبية المتخصصة والعالم العربي، مؤكدا أنها قادرة بثراء تجربتها وحيوية أصواتها الجديدة على تعزيز مكانتها العالمية، شرط مواجهة التحدّيات، لاسيما الترجمة والتسويق، بما يليق بإبداعها الذي يجسد عبقرية مكان وتاريخ ممتد.