شهدت قاعة مصطفى كاتب بالمسرح الوطني الجزائري، تقديم العرض الأول لمسرحية “غدوة يا من عاش”، للمخرج إبراهيم بركاتي، في عمل ينبش في تراجيديا الحرب بلغة عبثية سوداء، مقتبسة بحرية من نص “نزهة في الريف” للكاتب المسرحي فرناندو أرابال، أحد رواد المسرح اللاعقلاني في القرن العشرين.
يأتي العرض بعد ندوة صحفية احتضنها المسرح الوطني، خُصصت لتقديم العمل أمام وسائل الإعلام والجمهور، وقدّم خلالها طاقم المسرحية مشاهد مختارة، كشكل تمهيدي لما سيكون عليه العرض الكامل في اليوم الموالي. وقد أبدى المخرج إبراهيم بركاتي، خلال مداخلته، حرصه على تقديم اقتباس حرّ مرتبط بالواقع المعاصر، وصرح أن المسرحية تسائل الحرب وتعرّي عبثها، في ضوء ما يحدث اليوم في مناطق مثل غزة وغيرها.
العرض المسرحي، الذي استقطب جمهورا متنوّعا، قدّم تجربة فنية مركزة، تنطلق من موقف بسيط: جندي، يتلقى زيارة مفاجئة من والديه إلى الجبهة، وقد حملا معهما طعام نزهة، في مشهد سريالي تتخلله حوارات مع الجندي الذي يبدو مرهقا من تجاربه القتالية المتكررة. وبين لهجة عامية جزائرية، وسينوغرافيا بسيطة وثابتة، ينفتح النص على تأملات وجودية، تُمزج فيها السخرية باليأس، والضحك بالألم.
المخرج بركاتي، في أول عرض له داخل الجزائر بعد سنوات من الاشتغال في فرنسا وروسيا، اختار طاقما متنوّعا يجمع بين أسماء معروفة مثل إبراهيم شرقي وفائزة آمال، وممثلين شباب منهم عماد الدين سياح، محمد نور الدين، محمد رباني ومختار بوصوف.
وقدّم هؤلاء أداء متوازنا تماهى مع رؤية المخرج، القائمة على التعبير عن لا معقولية الحرب عبر مفارقات يومية غير متوقعة.
وفي تصريح له، قال إبراهيم شرقي، الذي تولى أيضا مهمة المساعد في الإخراج، إن المسرحية تسير على خيط رفيع بين الكوميديا السوداء والمأساة.
ما يلفت في العرض هو اعتماده على لغة بسيطة، أقرب إلى المتلقي، لكنها محملة بدلالات عميقة. فالمشهد الذي يجتمع فيه الجنود مع أسرة الجندي وسط الرصاص، لا يُضحك فقط، بل يثير أيضا تساؤلات موجعة حول ما بقي من معنى في هذا العالم الذي يحيا على إيقاع القنابل.