نظرية الأدب في حاجة إلى تجديد..الدكتورة خديجة باللودمو لـ”الشعب”:

الأديـب أكـبر مـن أن ينسب لنفسه “كــلام” آلـة..

محمد الصالح بن حود

الاعتمــاد على الذكـاء الاصطناعــي يضيـع عبقريــة الكتابـــة

ترى الأستاذة الجامعية خديجة باللودمو، أن الإبداع الأدبي في عصر الذكاء الاصطناعي يعرف بعض الإشكالات التي تكاد تعصف بنظريته الأدبية، لأننا مع الآثار البيّنة التي نراها على الكتابة الأدبية وهي تتفاعل مع الذكاء الاصطناعي تجعل من عنصري العملية الأدبية الرئيسيين في خطر، إن صح التعبير..


تؤكد الدكتورة خديجة باللودمو في حديثها لـ«الشعب” أن العملية الإبداعية الأدبية وجدت نفسها على مستوى الكاتب/المؤلّف تكتسب آليات جديدة في الكتابة، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على متلقّي هذا الأدب مرورا بهذا الأخير في حد ذاته، فلا يمكن تصور إنتاج أدب بنفس اللغة والصور والمخيال الذي ألفته الذائقة الأدبية التقليدية، لأن الذكاء الاصطناعي المزود بجملة من الإمكانات الإبداعية عبر خوارزمياته المتجددة والمحدّثة، يجعل من المؤلف الذي يعتمد عليه أسيرا لما قد يبهره به من أساليب وعبارات تحمل من الجمالية الأدبية الكثير، فيجد المؤلف نفسه منساقا لهذه الإبداعات المجانية التي يصعب اكتشافها ونسبتها إلى صاحبها الحقيقي الذي هو الآلة لا الإنسان.
وأشارت باللودمو أن أهم التحديات التي تواجه الأدب والكتابة الأدبية في عصر الثورة الصناعية الرابعة وما سيعقبها هي الثبات أمام المتغير، قائلة “ليس لأن الثبات هو الحل الأسلم بل لأنه نوع من التعبير عن موقف إبداعي واضح في زمن الفوضى، تمكّن الكتابة عبر الذكاء الاصطناعي صاحبها من توليد المئات بل الآلاف من العبارات المشبّعة بالجمالية المغرقة في المعاني المحلّقة في أفضية البوح، وهو ما يجعل منها ملاذا لمن لا ملاذ له في عالم الأدب”، وأضافت “لكن الفيصل هنا هو قضية الانتماء الحق، إن الكتابة هي أول وآخر خيار يتّخذه المبدع ليحقّق ذاته، لهذا فما ينتجه ينتمي إليه والعكس ثابت، لنا أن نتساءل هنا: هل يرضى الأديب الحقيقي بأن ينسب لنفسه ما ليس من بوح روحه ونزف أحلامه وصلصلة أنّاته؟ وهنا ندرك أهمية أن يكتب المبدع وهو يغرف من قلبه أمام هذه العبارات التي تتولّد باردة باهتة فاقدة للنبض ناتجة عن ملامسة أزرار لوحة المفاتيح مهما بدا جمالها وقدراتها الإبداعية المغرية”.
وتضيف المتحدثة: إذا بحثنا في قضية إمكانية أن يلغي الذكاء الاصطناعي والآلة الكاتب ليصبحا هما الكاتب، فإننا سنحتاج إلى جملة من الإثباتات لتجاوز هذا التصور، إذ يدرك كل مستغل للذكاء الاصطناعي قدرته الفائقة على التجاوب الآني مع أية إشكالية تُطرح عليه، واستطاعته الكبيرة على توليد آلاف العبارات في وقت وجيز، وهو ما قد يجعلنا نتصور إمكانية حلول هذا المعطى التكنولوجي الجديد محل الإنسان/المؤلّف وأدائه لوظيفته الإبداعية بدلا عنه وعلى أكمل وجه، لكن بتأملنا للنصوص الإبداعية المُنتَجة عبره سندرك عدم إمكانية تحقّق هذا المقترح، لأن هذه النصوص تتفق وتتحد في رؤيتها الإبداعية وتفتقر إلى روح الأدب الفياضة المعطاءة لصنوف الأحاسيس الصادقة التي تلامس شغاف القلب وتتغلغل في رحابه، كما أن توقع تجاوز الآلة لصانعها يبقى تصورا غير مقبول بحكم أن الإنسان سيظل يملك ما لا تملكه هذه الآلة التي قوامها البرمجة، فإمكاناتها محدودة تسير وفق مسار معدّ سلفا.
وفي سياق آخر، ترى المتحدثة أن تهديد الذكاء الاصطناعي للكاتب والكتاب الورقي، يقودها إلى التطرق لقضية راهنة أسالت الكثير من الكلام، فقد أنتج التقاء الأدب بالرقمنة وتمظهره عبر الوسيط الرقمي ما اتّفق على تسميته بالأدب الرقمي، ولعل أدب الذكاء الاصطناعي هو أحد أشكاله في مرحلة من مراحل تشكّله، والسؤال الذي أربك المشتغلين في هذا المجال الأدبي الجديد يصحّ طرحه هنا أيضا، والمتمحور حول أن يكون الأدب الجديد (الرقمي/الذكاء الاصطناعي) بديلا للأدب الورقي والمبعد الورقي والمتلقي الورقي، أي الأدب بصورته التقليدية المتعارف عليها، لكنني أصّر بالقول “على أن الإجابة على هذه الإشكالات مبكّرة جدا، لأننا نعيش أوليات هذه الصنوف الأدبية الجديدة التي يحتاج التأقلم معها وتقبلها وقتا إضافيا، كما تحتاج النصوص المُنتَجة من خلالها إلى تراكمية فعلية تجعل من معالمها واضحة وقابلة للنقد والتقييم”.
وخلصت أستاذة النقد الأدبي الحديث والمعاصر بجامعة الحاج موسى أخاموك تمنغست، إلى أن تناول قضية أدب الذكاء الاصطناعي أمر ضروري ووارد في الأدب المعاصر، لكن الوقوف عند إشكالاتها والبحث عن نقائصها وعيوبها يجعل منها خطرا على الأدب وعناصره الإبداعية، لهذا فمن المفيد جدا أن نتعرف على كل شكل إبداعي جديد والاقتراب منه يجعل من التأقلم معه ممكنا ويحدّ من خطورة عدم فهمه، وإطلاق العنان له ليركبه كل من هب ودب، مضيفة أنه عندما تلتقي الآلة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من الإنسان الذي أصبح آليا (السايبورغ) بالإبداع الذي يتعلق بروحانية هذا الإنسان، لا بد من النظر في المسألة لا كبتها وغلق الباب عليها، حتى لا نضع الأدب في مواجهة مع الذكاء الاصطناعي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19799

العدد 19799

الثلاثاء 17 جوان 2025
العدد 19798

العدد 19798

الإثنين 16 جوان 2025
العدد 19797

العدد 19797

الأحد 15 جوان 2025
العدد 19796

العدد 19796

السبت 14 جوان 2025