شكّل موضوع “استعمال الذكاء الإصطناعي في التربية والتعليم”، محور ندوة علمية نظمها المجمع الجزائري للغة العربية، تزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي للغة الأم، حيث تطرّق مختصون إلى تأثير هذه التكنولوجيا على أساليب التدريس والتعلم، وأبرز التحديات التي تفرضها على المنظومة التربوية.
افتتحت الدكتورة حدة شرون، أستاذة بجامعة “عمار ثليجي” بالأغواط مداخلتها، بمناقشة العلاقة بين أنظمة إدارة التعلم والنموذج البيداغوجي البنائي الاجتماعي، حيث ركّزت على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أكثر من مجرد أداة تعليمية، بل عنصرًا فاعلًا في إعادة تشكيل طرق التعلم والتفاعل بين الطلبة والمعلمين. وأوضحت أن التعليم لم يعد يقتصر على التلقين التقليدي، بل أصبح يقوم على التفاعل وبناء المعرفة بشكل مشترك، ممّا يعزز مهارات التحليل والاستنتاج لدى المتعلم بدلاً من الاعتماد على الحفظ والاسترجاع.
وأشارت إلى أن أنظمة إدارة التعلم (LMS) أصبحت اليوم أساسية في الجامعات والمدارس، حيث تجاوز عددها 3 آلاف منصة حول العالم، ومن أبرزها نظام Moodle، الذي يعد من أكثر الأنظمة انتشارًا منذ عام 2002، كونه يتيح للمعلمين إمكانية متابعة أداء الطلاب، وتقديم محتوى تعليمي مخصص لكل طالب وفق مستوى تحصيله وقدراته. كما يوفّر هذا النظام خاصية Plug-in، التي تتيح إعداد التقارير التفاعلية حول تطور مستوى الطالب، ممّا يساعد المعلم على تقديم مراجعة دقيقة للمتعلمين، وتحفيزهم على تحسين مستواهم الأكاديمي.
وفيما يخص تعليم اللغات باستخدام الذكاء الاصطناعي، استعرضت حدة شرون تجربة برنامج Vocab AI، وهو تطبيق متطوّر يمكنه تحليل مستوى المتعلم وإنتاج أسئلة تلقائية تساعده على تحسين رصيده اللغوي. وأكّدت أن مثل هذه التطبيقات ليست مجرد أدوات مساعدة، بل يمكنها أن تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز قدرات التعلم الذاتي، وتمكين الطلبة من تحسين مهاراتهم اللغوية بطرق مبتكرة وتفاعلية.
نحو تعليم ذكي وتفاعلي
من جهته، تناول الدكتور أحمد قسوم، أستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي وعضو المجمع الجزائري للغة العربية، في مداخلته “تعليم المعالجة الآلية للغات ونماذج تجريبية في خدمة التربية والتعليم”، حيث استعرض كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تطوير تقنيات التعليم وتحليل اللغة بشكل آلي.
وأوضح قسوم أن المعالجة الآلية للغات هي أحد الفروع الأساسية للذكاء الاصطناعي، وتهدف إلى جعل الحواسيب قادرة على فهم اللغات البشرية والتفاعل معها، عبر استخدام التعلم الآلي (Machine Learning) والشبكات العصبية العميقة. ومن خلال هذه التقنيات، أصبحت الآلات قادرة على القيام بمهام لغوية كانت حكرًا على الإنسان، مثل تحليل النصوص، الترجمة الفورية، التلخيص الآلي، التعرف على الصوت، والتفاعل اللغوي مع المستخدمين.
وأشار المتحدّث إلى أنّ هذه التقنيات بدأت تشهد تطورًا كبيرًا، حيث يمكن للأنظمة الذكية اليوم أن تتعلّم من البيانات المتاحة، وتحسن قدرتها على فهم اللغة والتفاعل معها، واستعرض بعض النماذج التجريبية التي طُورت في المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي، ومنها: تطبيق تفاعلي لتدريس التاريخ الجزائري، يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تقديم محتوى يتماشى مع المنهج الدراسي، بطريقة مشوّقة وتفاعلية، برنامج خاص بقصص الأطفال، يعتمد على أخلاقيات المجتمع الجزائري وقيمه، ويهدف إلى تقديم محتوى تربوي ملائم، تطبيق لتحويل اللهجة الجزائرية إلى العربية الفصحى، وهو مشروع مبتكر يتيح للمتعلم التفاعل مع النصوص وفهمها بسهولة، ممّا يسهم في دعم استخدام اللغة العربية الفصحى في الأوساط التعليمية والمهنية.
كما أكّد الدكتور قسوم، أنّ هذه المشاريع البحثية تعكس إمكانات كبيرة لدى الطلبة الجزائريين في مجال الذكاء الاصطناعي، رغم قلة الموارد وضيق الوقت، مشيرًا إلى أن دعم هذه الابتكارات يمكن أن يساهم في إحداث قفزة نوعية في التعليم، ليس فقط على مستوى الجزائر، بل على المستوى العربي والدولي.
أثارت المحاضرتان نقاشات مهمة حول التحديات التي قد تواجه المؤسسات التعليمية في تبني الذكاء الاصطناعي، حيث تمحورت الأسئلة حول: مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على دور الأستاذ التقليدي، وما إذا كان يمكن للطالب أن يستغني عن التعليم الجامعي ويعتمد على التعلم الذاتي عبر المنصات الذكية، الفجوة بين التقنيات الحديثة والمناهج التقليدية، وكيف يمكن للجامعات والمؤسسات التعليمية تطوير أساليبها لتتماشى مع التطورات الرقمية، التحديات الأخلاقية والخصوصية، حيث يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم تساؤلات حول كيفية التعامل مع البيانات الشخصية للطلاب، وضمان عدم استغلالها بشكل غير قانوني.
وفي ختام الندوة، أشاد الأستاذ شريف مريبعي، رئيس المجمّع الجزائري للغة العربية، بجهود الباحثين والطلبة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة اللغة والتعليم، وأكّد على أهمية دعم هذه الابتكارات والاستفادة منها لتعزيز التعليم في الجزائر. كما استذكر العالم الراحل عبد الرحمن الحاج صالح، الذي كان من أوائل من دعوا إلى دمج التكنولوجيا بالدراسات اللغوية، ممّا يعكس رؤية استشرافية لمستقبل التعليم في ظل التحولات الرقمية.