فضاء منتوري يلقي الضوء على “دور التاريخ في مواجهة النسيان”

المـؤرخ عمار بلخوجـة يُحيـي ذاكــرة الشهداء

فاطمة الوحش

شهد فضاء بشير منتوري نهاية الأسبوع المنصرم، لقاء فكريا مميزا، استضاف خلاله الباحث والمؤرخ عمار بلخوجة الذي قدّم عرضًا لأعماله التاريخية بمناسبة اليوم الوطني للشهيد. واعتبر بلخوجة أن هذه الذكرى ليست مجرد محطة رمزية، بل تمثل عهدًا متجددًا للحفاظ على ذاكرة الأمة وصون تضحيات الشهداء من النسيان، محذرًا من أن فقدان الذاكرة التاريخية قد يجعل الأجيال القادمة فريسة سهلة للأعداء.

خلال مداخلته، تحدث الدكتور بلخوجة عن شخصيات منسية من شهداء الثورة التحريرية، مشددًا على ضرورة تسليط الضوء على هذه النماذج الملهمة. ومن بين الأسماء التي ذكرها، الشهيدة زهية خرف الله التي رفضت التوسل لعفو المستعمر الفرنسي رغم حكم الإعدام الصادر بحقها، مؤكدة أن قناعتها بعدالة القضية تغنيها عن أي تنازل، كما توقف عند مسيرة محمد بلوزداد، الرجل الذي سبق الثورة، حيث أُنهك جسديًا وعقليًا بسبب نضاله الدؤوب، قبل أن يرحل عام 1952 متأثرًا بالمرض، تاركًا إرثًا نضاليًا أثرى المسار التحرري للجزائر.
ومن الأسماء الأخرى التي احتضنها الباحث بأنوار محاضرته، الشهيد ديدوش مراد الذي لم يكن أحد مفجري الثورة فقط، إنما كان شخصية استثنائية كرّست كل مواردها لدعم النضال الوطني، حتى لحظة سقوطه في ساحة المعركة عام 1957.

تضحيات لم تنل الحظوة عند المؤرخين

أكد بلخوجة أن التاريخ لم يُنصف المرأة الجزائرية التي ناضلت جنبًا إلى جنب مع الرجل. حيث سرد قصصًا مروعة لنساء واجهن أقسى أشكال التعذيب، مثل الشهيدة فاطمة الزهراء رقي، التي تعرضت لأبشع الانتهاكات بعد اعتقالها، والشهيدة عذاي باية التي أدارت شبكة مقاومة سرية قبل أن تنضم إلى قافلة الشهداء.
كما تحدث المؤرخ عن لعريبي تومية التي انخرطت في صفوف جيش التحرير، لتلقى مصيرًا مأساويًا على يد المظليين الفرنسيين الذين اعتدوا عليها بكل وحشية. وأشار أيضًا إلى المناضلة زهور زراري، التي أُهينت وعُذبت أمام زملائها، في مشهد يكشف وحشية الاحتلال وعظمة صمود النساء الجزائريات.

الـقضية الفـلسطـينـــية.. مـأساة تُـعيد التـاريخ

من جهة أخرى، تحدث عمار بلخوجة عن القضية الفلسطينية، التي رأى أنها امتدادًا للمأساة الجزائرية في حقبة الاستعمار الفرنسي. وقد وثّق في كتابيه “فلسطين: إسرائيل بين الجريمة واللاعقاب” و«جرائم الإبادة الجماعية الإسرائيلية”، العديد من الفظائع المرتكبة بحق الفلسطينيين، رابطًا بينها وبين الجرائم الاستعمارية الفرنسية في الجزائر.وأشار ذات الباحث إلى أن نسيان التاريخ قد يكون أخطر من المأساة نفسها، مستشهدًا بحوادث من فلسطين والجزائر تعكس ذات النمط الإجرامي للمستعمرين. وسرد حادثة مأساوية من الانتفاضة الفلسطينية، حيث أُحرقت يد فتى فلسطيني بوضعها في زيت ساخن، وهو ذات الأسلوب الذي استُخدم ضد الجزائريين خلال إضراب الثمانية أيام.

معـركة الذاكرة الجماعية

أكد بلخوجة في ختام مداخلته، أن مواجهة محاولات تحريف التاريخ تظل مسؤولية جماعية، داعيًا إلى تعزيز تدريس التاريخ في المدارس، وحث الأجيال الجديدة على فهم الماضي لتثبيت الهوية الوطنية. كما شدد على ضرورة التصدي للادعاءات الزائفة التي يروّج لها بعض المحسوبين على البحث الأكاديمي، عبر التأريخ المنهجي الدقيق.
لم يقتصر النقاش على تسليط الضوء على شخصيات وأحداث تاريخية، بل امتد ليشمل آليات عملية لحماية الذاكرة الوطنية. فقد أشار الحاضرون إلى أهمية تطوير المناهج الدراسية بحيث تتضمن سرديات تاريخية موثوقة وموسعة، لضمان عدم طمس الإنجازات والتضحيات التي قدّمها جيل الثورة.كما دعا عدد من المشاركين إلى استخدام الوسائل الحديثة، مثل الأفلام الوثائقية والمنصات الرقمية، لنقل الرواية التاريخية للأجيال الجديدة بطريقة جذابة ومؤثرة. وبرزت مقترحات لإنشاء أرشيف رقمي مفتوح يتيح للباحثين والمهتمين الاطلاع على الوثائق والشهادات التاريخية، مما يسهم في توسيع نطاق المعرفة التاريخية.
وتم التأكيد خلال اللقاء على الدور الحيوي للإعلام في إعادة إحياء الذاكرة التاريخية. ولفت المشاركون إلى أهمية دعم الكتاب والمؤرخين الذين يسعون لتقديم رواية موضوعية وأصيلة عن تاريخ الجزائر.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19707

العدد 19707

الأحد 23 فيفري 2025
العدد 19706

العدد 19706

السبت 22 فيفري 2025
العدد 19705

العدد 19705

الخميس 20 فيفري 2025
العدد 19704

العدد 19704

الأربعاء 19 فيفري 2025