يسعى الشاب الجزائري عماد جقام إلى إرساء صناعة كرتونية محلية تعكس هوية الجزائر وتراثها. من خلال سلسلته الشهيرة “أنا وجدي”، التي استطاعت لفت الأنظار محليا وعربيا، ويطمح الآن إلى إيصال تجربته إلى مستوى عالمي.
يرى جقام أن الحديث عن أفلام التحريك في الجزائر ليس جديدا، فقد نوقش هذا المجال بالتوازي مع السينما والبرامج التلفزيونية لعقود، غير أن الإنتاج الكرتوني ظل محدودا، مقتصرا في الغالب على الشعارات وحملات التوعية، دون أن يصل إلى مستوى المسلسلات أو الأفلام الطويلة.
ويؤكّد في حديثه لـ “الشعب”، أن السبب الرئيسي لهذا الغياب هو عدم وجود صناعة اقتصادية حقيقية للكرتون، إذ تتطلب هذه الصناعة عدة شروط، أبرزها توزيع فعال محليا وخارجيا، ودعم مالي مستدام من خلال الرعاة والإعلانات، وهي عوامل أساسية لضمان نجاح أي مشروع كرتوني.
وقال جقام إن صناعة أفلام التحريك في الجزائر تواجه عدة تحديات، أبرزها العتاد المتخصص، حيث تتطلب هذه الصناعة أجهزة متطورة وبرامج احترافية لإنجاز العمل بجودة عالية. لكن التحدي الأكبر، برأيه، هو الوقت، حيث يمكن أن يستغرق إنتاج لقطة واحدة مدتها خمس ثوانٍ يوما كاملا من العمل.
أما الدعم، “فالمعنوي منه متوفر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الدعم المادي محدود، خاصة بالنسبة للمواهب الشابة”. وفي ظل غياب مستثمرين أو جهات رسمية تتبنى المشاريع، “يجد صانع المحتوى نفسه مضطرا للعمل بمفرده، مما يجعل عملية الإنتاج بطيئة ومرهقة للغاية”.
كما يرى جقام أنّ الجمهور الجزائري متعطّش للمحتوى الكرتوني، سواء بالفصحى أو باللهجة المحلية، بسبب الحنين إلى الطفولة والماضي. ويؤكد أن هذا النوع الفني يمتلك جاذبية لكل الفئات العمرية، حيث لا يقتصر على الأطفال فقط، بل يجذب الكبار أيضا، لكن المشكلة تكمن في قلة الإنتاجات الكرتونية، إضافة إلى نقص التكوين الأكاديمي للمواهب، وهو ما يحد من جودة الأعمال المنتجة، ويقترح الجمع بين الموهبة والتكوين الأكاديمي لضمان إنتاج أعمال احترافية.
وأوضح جقام أنّ فكرة سلسلة “أنا وجدي” انطلقت من فكرة بسيطة خلال عامي 2017-2018، حيث قرّر تجسيد العلاقة بين الجد والحفيد، لخلق حوار بين جيلين مختلفين، يعكس نظرتيهما للحياة.
وقال “استوحيت فكرة السيارة كموقع للأحداث، عندما رأيت سيارة قديمة يقودها رجل مسن برفقة طفل صغير، يتبادلان الحديث. هذا المشهد ألهمني لتجسيد الشخصيتين وتحريكهما بنفسي، حيث قمت بأداء جميع الأصوات، مستغلا درايتي بالمونتاج، والرسم، والتحريك وغير ذلك”.
وأشار جقام إلى أنّ خبرته في مجال الإنتاج السمعي البصري، التي اكتسبها من العمل مع التلفزيون الجزائري والقنوات الخاصة، ساعدته على تجاوز الكثير من الصعوبات التقنية. لكنه يؤكد أن التحدي الأكبر كان الوقت، حيث “تستغرق الحلقة الواحدة أحيانا يومين من العمل المتواصل، من كتابة السيناريو إلى التحريك والمونتاج”.
أمّا عن انتشار سلسلة “أنا وجدي” فقد تجاوزت شهرتها الجزائر، حيث لاقت رواجا بين المغتربين الجزائريين في المهجر، إضافة إلى الجمهور العربي.
ويؤكّد جقام أن واقع أفلام التحريك في الجزائر ما يزال متواضعا، حيث تقتصر أغلب الإنتاجات على الومضات الإشهارية وحملات التوعية، في حين أن الأعمال الكرتونية السردية نادرة، مشيرا إلى أن الجزائر تمتلك تاريخا وتراثا غنيا يمكن تحويله إلى أعمال كرتونية قابلة للتصدير، على غرار ما فعلته تركيا التي نجحت في تصدير ثقافتها عبر المسلسلات والأفلام.
ويرى أن الجمهور الجزائري مثقف وواعٍ تماما بصعوبة إنتاج الأعمال الكرتونية، وهو ما يفسر استيراد هذا النوع من المحتوى، لكن رغم ذلك، فإن الجمهور يقدر جهود صناع المحتوى الجزائريين ويدعمهم عند رؤية إنتاجاتهم.
وكشف جقام عن مشروع لتطوير سلسلة “أنا وجدي” ونقلها إلى أماكن جديدة مثل المنزل، السوق، العيادة الطبية، البحر..مما سيسهم في إثراء المحتوى وزيادة تفاعل الجمهور. إلى جانب ذلك، يعمل على سلسلة جديدة بعنوان “حميد”، وهي في مرحلة التجريب، حيث يتم اختبار الحلقة رقم 0 بالتعاون مع استوديو إنتاج في الجلفة متخصص في أفلام التحريك.
جقام يؤكد أنّ الاستثمار في صناعة الكرتون هو مفتاح تطويرها، وأن الباب مفتوح أمام المستثمرين للاستفادة من دعم المواهب والمخرجين، مضيفا أن انتاج أفلام الكرتون أكثر تعقيدا من الأفلام السينمائية، نظرا لحاجتها إلى وقت أطول ومعدات متطورة وفريق عمل متخصص. كما يدعو الجهات الرسمية، خاصة وزارة الثقافة، إلى دعم صناع الكرتون محليا من خلال برامج تكوينية ومنح مالية.
ورغم التحديات الكبيرة، يؤكّد عماد جقام عزمه على مواصلة تطوير صناعة الكرتون في الجزائر، متطلعا إلى تأسيس فريق محترف قادر على إنتاج محتوى بجودة عالية وبإيقاع أسرع، قائلا “إن النجاح لن يتحقق إلا عبر استثمار حقيقي في المواهب الشابة، ودعم الإنتاجات المحلية لتنافس عالميا، وتجعل من التراث الجزائري مصدر إلهام لصناعة كرتونية مزدهرة”.