يتواصل برواق مؤسسة “أحمد ورابح عسلة” بالجزائر العاصمة المعرض الفني “حديث مع الأزهار” للفنانة التشكيلية حميدة شلالي، إلى غاية 7 جوان الجاري. ويضم المعرض حوالي ثلاثين عملا فنيا تنوّعت بين اللوحات التشكيلية، التركيبات الفنية، والصور الرقمية، حيث تنسج من خلالها الفنانة حوارا بصريا وروحيا مع عالم الأزهار والطبيعة، في تجربة فنية تتجاوز الشكل لتغوص في المعنى.
تسعى حميدة شلالي من خلال هذه الأعمال إلى تقديم الطبيعة لا بوصفها موضوعا خارجيا، بل كامتداد للذات ومرآة لمكنونات الإنسان. فالأزهار، كما تعبّر عنها أعمالها، ليست مجرد عناصر زخرفية، بل كائنات تعبّر عن لحظات من الصفاء والقلق، من الحياة والموت، من الثبات والتحوّل. وتستخدم الفنانة مواد متنوعة كالطلاء الأكريلي، الألوان الزيتية، الورق، الألمنيوم، الأغصان الطبيعية، وحتى البلاستيك، لتمنح لأعمالها طابعا هجينا، غنيا ومفتوحا على احتمالات التأويل.
يأتي المعرض كثمرة لمسار طويل في التجريب الفني، حيث استثمرت شلالي خلفيتها في المسرح والسينوغرافيا لتكوين فضاء بصري متكامل. ويبدو أن الحس المسرحي ما زال حاضرا في تفاصيل تركيباتها وأسلوب عرضها، حيث تحضر كل لوحة كمشهد متكامل يحكي قصته الخاصة، وكل زهرة كبطلة صامتة وسط ضوء خافت أو خلفية شفافة.
تؤكّد الفنانة حميدة شلالي، أن مشروعها الجديد انبثق من تأمل عميق في الطبيعة، ومن قراءات وجدانية في أعمال الشاعر والفيلسوف الهندي الكبير، وكذا الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي، حيث استلهمت منهما العديد من العناوين والأفكار التي تطغى على جوّ المعرض. وتقول في هذا السياق: “عملي الفني يقوم على الانفتاح، على ترك الأشياء تأتي كما هي، على التخلي عن العقل والانصياع لما تمليه الأحاسيس والقراءات والذكريات، فالأزهار هنا ليست زخرفا بل رموزا لرحلة داخلية، للمخفي أكثر من الظاهر ».
أعمال شلالي، تنقل الزائر إلى عوالم تتقاطع فيها الطبيعة مع الأسئلة الوجودية، وتستحضر من خلال الألوان الهادئة والنغمات الرقيقة روح التأمل. وتضفي الزهور بتلاتها على الفضاء نوعًا من السكينة والحزن معًا، وكأنها تروي سيرة الحياة بتقلباتها وزوالها. وتقول الفنانة: “الهشاشة في الزهرة تعجبني، هي تشبه هشاشتنا كبشر، قد تكون انعكاسا لصراعاتنا الداخلية. المعرض بالنسبة لي هو تأمل، بل محاولة لتقديم عزاء جمالي لكل من يتألّم ».
إلى جانب بعدها الجمالي، تلامس بعض أعمال المعرض بعدا إنسانيا مؤلما، إذ لم تخف الفنانة تأثرها بالأحداث الجارية في العالم، وبالأخص ما يحدث في غزّة، مشيرة إلى أن “العالم النباتي هناك أيضًا يعاني، الأشجار والزهور تُباد كما الإنسان، وهذا يؤلمنا ويؤثر على وعينا الإبداعي، فالفن ليس بمعزل عن الجرح الجماعي ». وتعتبر حميدة شلالي من الأسماء البارزة في المشهد الثقافي الجزائري، حيث وُلدت سنة 1948 بالجزائر العاصمة، وسبق لها أن اشتغلت في المسرح والسينوغرافيا، كما أخرجت مسرحية للأطفال سنة 1981 بعنوان “السمكة الصغيرة الزرقاء”، وشاركت في العديد من المعارض الفنية داخل وخارج الوطن.
في معرض “حديث مع الأزهار”، تواصل شلالي تقديم تجربة فنية ناضجة تنبض بالإحساس والصدق، حيث تتمازج الألوان مع المعنى، وتتحول الأزهار إلى كائنات تتكلم باسم الجمال، والألم، والتأمل، والروح. هو معرض لا يكتفي بعرض الأعمال، بل يفتح أمام الزائر بابًا للغوص في الذات وفي الطبيعة، وفي ما تبقّى من إنسانية في هذا العالم.