دعوة لإبراز الإسهامات الـنسائية في مختلف المجـالات الـفكرية والعلميـة
نظّمت الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، بالتعاون مع مخبر الجماليات والفنون ومخبر إشكالية البحث العلمي في بناء المجتمع العربي، ندوة فكرية حول كتاب “تاريخ النساء الذي لم يُكتب بعد: دراسة حول الكتابة والجندر في الثقافة العربية” للدكتورة فيروز رشام، شهدت حضور نخبة من الباحثين والأكاديميين، حيث تمت مناقشة إشكاليات كتابة التاريخ النسائي في ظل الهيمنة الذكورية على السرديات التاريخية والثقافية.
أشارت الدكتورة خديجة زتيلي، خلال عرضها للكتاب، إلى أن قراءة عمل فكري تهدف إلى تثمين الإبداع وتشجيع صاحبه على مواصلة العطاء، مع فتح المجال للنقد والتحليل بعيدًا عن إصدار أحكام مسبقة.
وأضافت أن اللقاء الفكري الذي جمع الحضور تأطّر بالعقل النقدي الذي يسعى إلى كشف المغلق والمسكوت عنه في تاريخ النساء. كما أوضحت أن الاهتمام الأكاديمي بالكتاب يعكس قيمته العلمية، حيث تم اعتماده في حلقات دراسية بأقسام الدراسات العليا والجندر في جامعات عربية عدة، مما يدل على مضامينه التجديدية.
وأوضحت زتيلي، أن الكاتبة فيروز رشام تسعى في هذا الكتاب إلى تفكيك الأسباب التي جعلت مساهمات النساء في الكتابة خجولة مقارنةً بالرجال، مؤكدةً أن الثقافة العربية ساهمت في تغييب صوت المرأة، مما جعل الكتابة النسائية فعل مقاومة ضد “وأد مستمر”. فالنساء لم تتح لهن الفرصة للتعبير عن ذواتهن بحرية، بل غالبًا ما كُتِب عنهن من منظور الرجال، مما أدى إلى تقديم صور سلبية عنهم.
وقالت المتحدثة، إن رشام تتناول في الفصل الأول العلاقة بين الكتابة والجندر، متسائلةً: “لماذا لم يُكتب تاريخ النساء بعد؟ هل لأنهن لم يقدمن إنجازات تستحق الذكر، أم لأن السلطة الذكورية احتكرت هذه المهمة لنفسها؟”.
وترى رشام أن التاريخ الذكوري تعمّد تغييب النساء، مستشهدةً بكتب مثل “الإصابة في منع النساء من الكتابة” الذي حذّر فيه مؤلفه، الرجال من تعليم النساء القراءة والكتابة، معتبرًا ذلك خطرًا على المجتمع.
وأشارت خديجة زتيلي، إلى أن رشام تتناول في الفصل الثاني كيفية تصوير “المرأة” في الثقافة الذكورية، واختتمت عرضها بالتأكيد على أن الكتاب يمثل خطوة هامة في تفكيك التصورات النمطية حول المرأة، مشيرةً إلى أن إعادة النظر في تاريخ النساء من منظور أكثر إنصافًا بات ضرورة ملحّة. ودعت إلى تشجيع البحث الأكاديمي في هذا المجال، مؤكدةً أن التاريخ لا يمكن أن يكون مكتملًا دون إبراز إسهامات النساء عبر العصور.
جـــزء مـــن مـــشـــروع فـــكـــــري
بدورها، لفتت الدكتورة إيمان كاسي موسى إلى أن الكتاب يتعامل مع مفهوم “المرأة الكاتبة” بوصفه جزءًا من مشروع فكري يسعى لإعادة كتابة التاريخ الثقافي. موضحة أن رشام تستعرض كيف كُتبت النساء من قِبَل الرجال في الأدب والفقه، وتُبرز الفرق بين أن تكتب المرأة عن نفسها، وأن يُكتب عنها وفق تصورات ذكورية.
كما تناولت كاسي موسى قضايا تمثيل المرأة في النصوص الأدبية، وناقشت أيضًا أهمية النقد الجندري في كشف هذه التمثيلات، وإعادة الاعتبار للكتابة النسائية بوصفها فعلًا تحرريًا يتجاوز التصورات النمطية.
واختُتمت الندوة بنقاش مفتوح بين المشاركين، حيث أكد المتدخلون على أهمية هذا النوع من الدراسات في إعادة قراءة تاريخ النساء من منظور أكثر إنصافًا. واتفق الحاضرون على أن كتاب “تاريخ النساء الذي لم يُكتب بعد”، يمثل إضافة نوعية إلى النقاش الأكاديمي حول الجندر والمعرفة، ويفتح المجال أمام مزيد من الأبحاث التي تركز على دور المرأة في إنتاج الفكر والفقه والتاريخ.
وأجمع المشاركون على ضرورة توسيع النقاش حول هذه القضايا، ودعم المشاريع البحثية التي تساهم في إبراز الإسهامات النسائية في مختلف المجالات الفكرية والعلمية، بهدف تحقيق قراءة أكثر شمولية وعدالة لتاريخ الإنسانية.