وقّع الدكتور توفيق ذبّاح في معرض الكتاب الدولي “سيلا 2024” كتابه “جماليات السينما الوثائقية ـ إضاءات فكرية ودراسات سيكولوجية” الصادر عن دار “خيال للنشر والترجمة”.
يرى الكاتب توفيق ذبّاح والذي يشغل حاليا منصب أستاذ في علوم الإعلام والاتصال، منذ جويلية 2023 على مستوى كلية العلوم الإنسانية بجامعة أبو القاسم سعد الله الجزائر 2، يرى أنّ الفنّ، في جوهره، يتجاوز حدود اللغة والمنطق ليخاطب الروح الإنسانية بمفاهيم أعمق من الإدراك العقلي السطحي. وفي هذا الإطار يأتي كتابه، كدعوة إلى قراءة جديدة للسينما، السيميولوجيا، من خلال عدسة الجماليات.
وأشار المؤلّف في تصريحه لـ«الشعب”، إلى أنّ هذا الكتاب ليس مجرد دراسة عن السينما الوثائقية من حيث التقنية أو الشكل، بل هو محاولة لفهم البنية الجمالية التي تتحرّك في خلفية الأفلام الوثائقية، متجاوزة ما نراه على الشاشة، لتكشف عن قوّة الفن في التأثير على وعي الجمهور. إنّه رحلة فكرية تأخذ القارئ إلى عمق المفاهيم الجمالية، حيث تتلاقى الفلسفة والفنّ في مساحة تسمح بتجاوز التقاليد الجمالية المألوفة، نحو آفاق جديدة من التحليل والتفسير.
ويطرح الكتاب، أسئلة حول طبيعة الجمال في السينما، وكيف يمكن للأفلام الوثائقية أن تعبّر عن الواقع بأسلوب يتحدّى الخيال، ليمنحنا فهمًا أعمق للعالم من حولنا. هنا، يبقى السؤال حول طبيعة الجمال وتأثيره على الإنسان محورًا رئيسيًا للنقاش الفلسفي والفنّي. ومن بين الفنون التي استطاعت أن تجمع بين الجمال والتعبير عن الواقع تبرز السينما الوثائقية كأحد أكثر الأشكال الفنية تأثيرًا وعُمقًا.
لا يُعتبر هذا الكتاب، مجرد دراسة أكاديمية حول الأفلام الوثائقية، بل هو رحلة فكرية عميقة في مفاهيم الجماليات وكيفية تداخلها مع السرد السينمائي.
وينطلق الكتاب من تأصيل نظري لمفاهيم السينما والجماليات، حيث يتمّ وضع السينما الوثائقية في إطارها التاريخي والفلسفي.
ويعالج الفصل الأول المأسسة المفاهيمية، مستعرضًا الأبعاد المختلفة للسينما كفنّ، بما في ذلك تطوّرها منذ بداياتها وحتى العصر الحديث. كما يناقش التمييز بين السينما الروائية والسينما الوثائقية، مع توضيح الخصائص الفنية والجمالية التي تميّز الأفلام الوثائقية عن غيرها.
ويركّز هذا الفصل أيضًا على مفهوم الجماليات، ليس فقط كتعريف فلسفي، ولكن كأداة تحليلية لفهم الجوانب الفنية في السينما الوثائقية. كيف يمكن لفيلم وثائقي أن ينقل حقائق الحياة اليومية بأسلوب يجعل منها تجربة جمالية فريدة؟ هذا التساؤل يمثل نقطة انطلاق للكتاب في استكشاف العلاقة بين الواقع والجمال الفنّي.
ويتناول الكتاب في فصوله التالية جوانب الجماليات السينمائية من زوايا متعدّدة، بدءًا من الفكرة والعنوان، مرورًا بالصوت والموسيقى، وصولًا إلى الديكور والإضاءة والألوان. هنا يظهر تداخل الجماليات السينمائية مع العناصر الفنية التي تُشكّل الفيلم الوثائقي، وكيف يمكن لهذه العناصر أن تتضافر لخلق تجربة حسية وجمالية متكاملة. هل يمكن للصورة أو الصوت في فيلم وثائقي أن يعبر عن أكثر من مجرد تسجيل لحظات عابرة؟ الكتاب يجيب على هذا التساؤل من خلال تحليل مفصّل للأفلام الوثائقية وإظهار كيف أنّ التفاصيل الصغيرة، مثل زاوية الكاميرا أو نغمة الموسيقى، يمكن أن تكون حاسمة في توصيل رسالة الفيلم.
لينتقل الكتاب بعد ذلك إلى دراسة جماليات السرد السينمائي. ويعالج هذا الفصل كيفية استخدام السينما الوثائقية للسرد كأداة فنية، حيث لا يُنظر إلى السرد على أنّه مجرد تسلسل للأحداث، بل كعملية جمالية تساهم في تشكيل التجربة السينمائية. كيف يمكن للسرد أن يتحوّل إلى لغة جمالية، وما هي الأدوات التي يستخدمها المخرجون لتوصيل هذه اللغة؟ هذه الأسئلة تطرح أمام القارئ لتوسيع فهمه لجماليات السرد في الأفلام الوثائقية.
كما يُولي الكتاب اهتمامًا كبيرًا لجماليات المونتاج. فالمونتاج لا يُعتبر هنا مجرد عملية تقنية لتنظيم اللقطات، بل هو عملية جمالية تُسهم في تشكيل بنية الفيلم وتحويله إلى عمل فنّي متكامل.
يناقش الكتاب كيفية تأثير اختيار اللقطات وترتيبها على بناء الجمال السينمائي، وكيف يمكن أن يكون المونتاج أداة لنقل الإحساس بالواقع بطرق تتجاوز ما هو مرئي.
كما يُبَررُ الكتاب العلاقة بين السينما الوثائقية والروائية، ويعرض التداخلات والتقاطعات بينهما، موضحًا كيف يمكن للأفلام الوثائقية أن تستخدم أساليب روائية لخلق تأثير درامي وجمالي أعمق. هذا التداخل بين الواقع والخيال، بين الوثائقي والروائي، يشكّل جزءًا مهمًا من النقاش حول السينما والجماليات.
أخيراً، يفتح الكتاب بابًا للتأمّل في مستقبل السينما الوثائقية من منظور جمالي. كيف ستتغيّر مفاهيم الجماليات مع تطوّر التكنولوجيا واستخدام التقنيات الرقمية في السينما؟ وكيف سيستمرّ المخرجون في استكشاف الجوانب الجمالية للأفلام الوثائقية في ظلّ هذه التغيّرات؟
كتاب “جماليات السينما الوثائقية إضاءات فكرية ودراسات سيميولوجية” هو دعوة للقارئ، سواء كان باحثا في حقل الإعلام والاتصال أو مخرجًا أو ناقدًا أو عاشقًا للفنّ، إلى إعادة النظر في الأفلام الوثائقية من زاوية جديدة. إنّه دراسة عميقة للعناصر الجمالية التي تميّز هذا النوع من السينما، وتحليل لكيفية استخدامها لتقديم الواقع بطريقة تتجاوز حدود التسجيل العادي للأحداث. ويشكّل الكتاب مرجعًا هامًا لكلّ من يسعى إلى فهم أعمق للعلاقة بين الفنّ والواقع، وبين الجمال والحقيقة.