بلحسـن أسس للقصّـة الجزائريــة وبوطاجــين سيّــد المرحلــة دون مُنــازع
هيمنـة الروايـة.. عــزوف النقــد وصعوبـة النشـر.. عقبـات الكتابــة القصصية
يرى القاص والأديب بلخير عماري أن القصة القصيرة، بالرغم من جذورها العميقة في المشهد الأدبي الجزائري، لم تحظ بالحفاوة نفسها التي نالتها الرواية أو الشعر أو حتى المسرح، بسبب صعوبة هذا الفن من جهة، و«تهميشه نقديا” من جهة أخرى. ورغم التحدّيات، يعتقد أن العصر الرقمي يمنح هذا الجنس الأدبي فرصة جديدة، معتبرا أن “القارئ المستقبلي لا يلتفت إلى النصوص الماراتونية، بل يكتفي بالقراءات الخاطفة”، ويرى أن الرواية نفسها “قد تحاول أن تتقاصر أكثر لتتدارك الانقراض”.
في حديثه لـ«الشعب”، يوضّح الأستاذ عماري أن القصة القصيرة مرّت في الجزائر بثلاث مراحل رئيسية، بدأت مع البدايات التأسيسية “التي برزت مع رائد القصّة الجزائرية الأديب الشهيد أحمد رضا حوحو، وإن لم يختص في القصة القصيرة وحدها، حيث مارس الكتابة المسرحية إلى جانبها”.
ويشير إلى أن “غادة أم القرى” أثارت جدلا بين النقاد حول تصنيفها، مثلما حصل مع رواية “الشيخ والبحر” للكاتب الأمريكي “إرنست همنغواي” معلقا “جميل في أدبنا الجزائري أن توجد مثل هذه الإشكالات الإبداعية المثيرة للدهشة أو الحيرة”. ثم ما يسميها بـ«مرحلة الاحتراف” ويقول إنها “مرحلة اتخذها كتّاب كثر كمطية للكتابة الروائية أو في أحسن الأحوال مارسها بعضهم مزاوجة بينها وبين الرواية”، ويضرب مثلا بالراحل الطاهر وطار صاحب “دخان من قلبي”، وسار على نهجه كل من كتب الرواية بعده والأسماء كثيرة، يقول: أخص بالذكر من اكتسحوا الساحة إعلاميا مثل “واسيني الأعرج” صاحب “وقع الأحذية الخشنة” و«جغرافية الأجساد المحروقة” وغيرها”، ويضيف: “في هذه المرحلة لم يخلص للقصة القصيرة وحدها سوى الكاتب الراحل عمار بن لحسن.. وكان في روعة العطاء وقمة الإبداع، ولولا مفاجأة الموت له لكان له فيها شؤون عالمية، فهو لم يترك إلا ثلاث مجموعات أوّلها “حرائق البحر” وأوسطها “أصوات” وآخرها “فوانيس”. وصولا إلى المرحلة الثالثة التي - في رأيه - جمعت بين “التألق والانتشار”، وحملت على عاتقها الرصيد الإبداعي للذين سبقوهم وعلى رأسهم فقيد القصة الجزائرية، عمار بن لحسن. حيث توالت الكتابات فمنهم من تركها نحو الرواية ومنهم المخلص لها”، ويخص المتحدث بالذكر القاص السعيد بوطاجين، واصفا إياه بـ«سيد هذه المرحلة الراهنة للمشهد القصصي الجزائري دون منازع”، كما يذكر مسعود غراب صاحب “رؤوس ممسوخة”، ويشير إلى أن المرحلة “مفتوحة براهنيتها على الجديد أسماء ونصوصا”.
ويرى عماري أن القصة القصيرة لم تحظ بالحضور اللافت، ويقول “بصراحة ثقافية، لم يكن للقصة القصيرة حظ الرواية ولا الشعر ولا حتى الأدب المسرحي”، ولولا تلك الإطلالة الجميلة لها من رضا حوحو وتلك الوثبة القوية بدخانها من قلب وطار وحرائق بحرية من قلم عمار بن لحسن واستفزازات بوطاجين وإرباكاته، ما وجدنا لها حضورا إلا بعض الحضور”. موضحا أن “هذا الجنس الأدبي صعب على الأقلام، لكونه فنا تشكيليا عبر الكلمات.. لا تتسع لوحته للثرثرة والهدر اللغوي”.
كما ينتقد من يستسهل كتابة القصة القصيرة، معتبرا أن “بعضهم يرى بأنها أسهل الحقول السردية، فقد يكتب أحدهم خواطر سردية أو اعترافات ذاتية ويصفها بالقصة وما هي بالقصة”، مضيفا “ومنهم من يتخذها مطية للرواية.. وكان له أن يمر دون غباء فيكتب الرواية دون الحاجة إلى التقصص الذي لم يحسنه ولن يحسنه لكونه ليس أهلا له”.
وعن غياب القصة الجزائرية عن العالمية، يرى عماري أن “لو قدر لأحدهم أن يرتقي إلى مصاف العالمية لكان عمار بن لحسن أقدر في هذا الجنس الأدبي، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”. ويضيف “توجد نصوص ترقى إلى نصوص عالمية، حتى من الجيل الأخير، كقصة “رؤوس ممسوخة” لمسعود غراب إذا قدرت لها الترجمة”.
ويعتبر القاص عماري بلخير أن من بين التحديات التي تواجه القصة اليوم هي “هيمنة الرواية، وعزوف النقد، وصعوبة النشر”، لكنه متفائل بالمستقبل الرقمي للقصة القصيرة، قائلا “القارئ المستقبلي لا يلتفت إلى النصوص الماراتونية، بل يكتفي بالقراءات الخاطفة وتحقيق المتعة السردية السريعة” ويرى في هذا السياق “أن الرواية قد تحاول مستقبلا أن تتقاصر أكثر لتتدارك الانقراض”.