القوّال محمد عبد الرحمن لـ “الشعب”

الشعر الشعبي رافد ثقافي يعاني الإهمال

أجرى الحوار: العيفة سمير

 تعرف الأمم من خلال موروثها الثقافي غير المادي، من إبداع الكلمة وسحر المعنى وقوة الاداء، وفق قوانين ثقافية تعكس النسيج الأنثروبولوجي لكل أمة. الشعر الملحون واحد من هذه المقومات الحضرية التي باتت تعاني الاندثار بفعل انحسار هواة هذا النوع من الكلمة، التي تكتنف على معاني تحمل العديد من الدلالات التاريخية والحضارية والانسانية.
سحر الكلمة وما له من تأثير لا يعرف نكهه إلا من يهواه، محمد عبد الرحمن أحد هواة الشعر الملحون بعنابة. هو شخص بسيط في عمر الكهولة، كانت لـ “الشعب” وقفة معه من أجل سبر هذه العلاقة الوطيدة التي ربطته بالكلمات الشعبية وفق نظم لا يعرف خباياها إلا العارفون مثله.
ينقل لنا محمد عبد الرحمن تجربة نادرة نبعت عن عصامية فريدة  صقلها منذ طفولته بالسمع والتعلق وتفهم المعاني، كل التفاصيل في هذا الحوار.

❊ الشعب: محمد اسمكم في عالم الشعر لا يكاد يظهر، لكن أشعاركم غالبا ما يتم تداولها في الأوساط، ما السر؟
❊❊ محمد عبد الرحمن: أولا شكرا لجريدة “الشعب” العريقة على هذه الفرصة التي منحتها لي من أجل الافصاح عن العديد من المكنونات والتي غالبا ما كانت تراودني. قبل كل شيء هاوي الشعر الملحون او الشاعر او ما يعرف بالقوّال عندنا هنا هو شخص ميزته البساطة، له تجارب تنم عن مواقف يبحث لها عن حلول، فهاوي الشعر الملحون هو لا يكتب ويقول الشعر لغيره بل هو يكتب الشعر لنفسه.
يحاول الشاعر أن يضع تفسيرا دقيقا لظواهر وحالات اجتماعية ونفسية استعصى حلها في الغالب، فتراه ينتقي لذلك أدق الكلمات ويضمنها أبلغ المعاني من أجل أن يعرف نفسه لغيره، هو يبدع ولا يسقط المواقف على نفسه، في حين من يستمع للشعر الملحون يقوم بالعملية العكسية يحاول ان يسقط هذه المواقف على نفسه، وهذا هو الاختلاف الجوهري بين من يكتب ويدع في الشعر الملحون، وبين من يستمع له لكي يتذوّقه ويسقطه حالات فريدة على نفسه وفق ما يعترضه في الحياة من مواقف.
❊ هل لكم أن تنقلوا لنا تجربتكم مع عالم القافية، كيف بدأتم؟
❊❊ أستطيع القول أن الشعر الملحون عرفني قبل أن أعرفه، كنت يومها صغيرا أسكن في إحدى القرى المجاورة لعنابة، وكانت قريتنا ذات طابع ريفي غارق في البداوة، حيث كان ككل موسم صيف يأتي أناس ينشدون كلاما غالبا ما كان يروقني ذلك الكلام، هم يأتون بغرض جمع الدراهم والدقيق والأواني لإقامة زردة سنوية كانت تقام على ضريح ولي صالح.
هذه الوليمة يتم الاعداد لها بأزيد من أربعة أشهر أو خمسة، كانت تأتي جماعة معها مزامير واحدهم يقول الشعر، كلاما عذبا يمتع به مسامعنا، لنهب إلى بيوتنا ونحن صغار نستعطف اهلنا أشياء لنمنحها له لكي يغرق لنا من اشعاره، كان اقراني بين القهقهة والضحك لكنني كنت أتأمل دائما في كلام هذا الرجل، واحاول تقليده لما ينصرف مما شجعني على ذلك كلما تقدم بي العمر، فأصبحت أقرأ الاشعار المنظومة في المدرسة، وبعدها انتقلت إلى أطوار متقدمة في دراستي فزادت هذه الملكة نماء عندي، وهي أكبر ما أعتز به في شخصيتي أن أنظم اشعارا اتكلم بها مع نفسي قبل غيري.
❊ وماذا عن واقع الشعر الملحون في عنابة باعتباركم من هواته وأبنائه؟
❊❊ عنابة كغيرها من الولايات الساحلية هذا النوع من الشعر يكاد يكون معدوما لغياب رواده، المدن الساحلية عادة ما تجدها غارقة في طابع حداثي تحاكي آخر صيحات الموضة، وآخر النماذج الموسيقية، كما أن الطابع السياحي للمدينة يفرض مجاراة الحديث من الفنون.
وبحكم أن الشعر الملحون محسوب على كل ما يتعلق بالتراث تجده محدود التداول، لكن في السنوات الاخيرة استبشرت خيرا من خلال إقبال مؤدي الاغنية الشبابية على انتقاء كلمات الشعر الملحون وتضمينها الايقاعات العصرية وهو أمر يجب تشجيعه، خاصة في زمن فقدت فيه الكلمة الصادقة وغطى عليها الاداء الصاخب.
هذا التوجه الحديث نحو انتقاء كلمات الشعراء يجب تشجيعه بكل قوة من طرف القائمين على الامر، خاصة مديريات الثقافة والمسارح الجهوية والمؤلفون، لان إذا أردت أن تقتل شيئا فقلل تداوله، هكذا هو الشعر الملحون يحيا بالتداول ويموت بالهجر.
❊ ماذا يقول محمد عبد الرحمن في كلمة أخيرة يوجّهها إلى المهتمين بالشعر الملحون؟
❊❊ أنا كشخص ليس لي ما أطلبه، لكن أعتقد أن للشعر الملحون في الجزائر الكثير الذي يطلبه، نتمنى من الجهات الوصية أن تعيد الاعتبار لهذا الموروث الثقافي بتدوينه وحفظه ورد الاعتبار لأهله، كذلك سبق وأن ذكرت هناك فرصة من ذهب من أجل التوجه بهذا النوع من الشعر إلى طابع حداثي من خلال تشجيع مؤدي الاغنية الشبابية على استخدام كلمات الشعر الملحون، وتضمينها إيقاعات تتناسب ونوع الكلمات. وليس هذا بالأمر الصعب، بل هو في متناول القائمين بالأمر.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024