أزاحت الكاتبة الدكتورة يامنة بحيري الستار، أول أمس، بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بتيبازة الستار عن الكثير من التساؤلات حول ارتباط تقاليد وعادات الشرشاليين بفترة العثمانيين ونزوح الأندلسيين الى شمال افريقيا دون أن يتمكن الاستعمار الغاشم من محو آثارها.
وكانت الكاتبة يامنة بحيري قد قدّمت ملخصا لكتابها الموسوم بـ «المعنى الظريف في تاريخ شرشال الحديث»، الذي يعتبر في الواقع نسخة معدّلة من رسالة ماجستير ناقشتها الكاتبة سنة 2008 بجامعة الدكتور أبوالقاسم سعد الله بالعاصمة، بحيث استندت الكاتبة في مجمل بحوثها على وثائق المحاكم الشرعية التي تمّ العثور عليها بشرشال، والتي ترجع الى الفترة الفاصلة بين 1853 و1873، وهي الفترة التي تعكس تقاليد وعادات الشرشاليين خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر في ظلّ الوجود الفرنسي بالجزائر، والذي وافق على مزاولة القاضي الشرعي الجزائري لمهامه بتدوين مختلف العمليات الاجتماعية والتجارية والاقتصادية ضمن عقود خاصة مع ترجمة ملخص لها باللغة الفرنسية حتى تكون السلطات الفرنسية على دراية بما يحصل محليا.
وإذا كان الجانب السياسي والتطور التاريخي عبر مختلف الحقب التاريخية لمدينة شرشال وما جاورها قد تناوله العديد من المؤرخين والباحثين في مؤلفاتهم، فإنّ الذي بقي خفيا وغير مبحوث فيه يكمن في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية لأهل المنطقة، ومن ثمّ فقد ركّزت الكاتبة يامنة بحيري على هذه الجوانب بشكل لافت، وأبرزت التفاصيل والعلاقات الكامنة بين العائلات الشرشالية في تلك الفترة من خلال سرد طبيعة وشكل عقود الطلاق والزواج والميراث والتركات وعقود البيوع والمبادلات التجارية على اختلاف أنماطها وأشكالها، مشيرة إلى كون كلّ هذه المسائل كانت تدوّن بعقود خاصة تحفظ لدى القاضي الشرعي الذي يمثّل المحكمة الشرعية محليا ويتنقل لأسواق والفضاءات العمومية لتدوين القضايا بمعية كاتبه. كما كشفت الدكتورة يامنة بحيري عن جرد 13 حي بمدينة شرشال خلال تلك الفترة تمّت الاشارة اليها من خلال العقود الموثقة المبرمة حينذاك، بحيث كان القاضي الشرعي يدون مجمل التفاصيل المتعلقة بالموقع والجيران وغيرها، إلا أنّ الاستعمار اجتهد في طمس أسماء تلك المواقع التي لم تعد معروفة الآن، وتندرج ضمن التفاصيل المشار اليها بالعقود حينذاك تلك التي تعنى بالزواج مثلا، والتي تشير الى أسماء الشهود ومكونات الصداق ومختلف الأشياء التي تحملها العروس في سفريتها من مجوهرات وأواني ولباس وفراش وغيرها، وهي التفاصيل التي اختفت عن العقود الشرعية المعتمدة خلال فترة ما بعد الاستقلال، والأمر نفسه بالنسبة لمختلف العقود الأخرى، وبرزت المرأة كعنصر فعال في المجتمع الشرشالي من خلال دراسة الدكتورة باعتبارها ساهمت في التطور الاجتماعي المحلي اجتماعيا واقتصاديا وتجاريا.
وأشارت الدكتورة يامنة بحيري الى كون فرنسا ادعت ولا تزال بأنّها جلبت الحضارة للجزائريين خلال فترة تواجدها بالجزائر، إلا أنّ الواقع يشهد بأنّ ما تمّ العثور عليه من وثائق للمحاكم الشرعية التي ترتبط جذورها بفترة ما قبل الاحتلال يؤرّخ لجوانب هامة من البناء الحضاري المتين الذي كان يجمع الجزائريين في تعاملاتهم اليومية والمصيرية، وهي الأسس الحضارية التي اجتهد الاستعمار في محو آثارها وطمسها كلية، إلا أنّه بالرغم من ذلك فقد تمكّن الجزائريون من المقاومة والتحدي معتبرة التمسك بالعادات والتقاليد وعدم الانغماس في المجتمع الفرنسي وجها هاما من اوجه المقاومة الشعبية للاحتلال، الأمر الذي ساهم بفعالية في نجاح ثورة التحرير.