يقول محيي الدين عميمور:« في هذه المرحلة تم الاتفاق على ضبط اتصال متواصل بين القيادتين الجزائرية والمصرية، وكلَّف السادات الدكتور أشرف مروان مدير مكتبه للمعلومات بأن يكون طرف الاتصال المصري، لقد كلفتُ أنا بأن أكون طرف الاتصال الجزائري، وبهذه الصفة كنت أستقبل أشرف مروان».
قال بخصوص الأفلام المرسلة من مصر إلى الجزائر: «التزمتُ مع أشرف مروان بأمر أنور السادات، على أن نتكفل بإرسال أفلام عن القتال في الجبهة للأوروفيزيون، بحكم صلتنا الوثيقة معهم، وعندما راقبتُ الأفلام الأولى قبل إرسالها أحسست بأنها تفتقد _إلى_ حرارة المعركة، وأنها «سينمائية» بشكل واضح، ولم أُخفِ ذلك عن أشرف مروان، الذي اعترف لي بأن الصور التقطت بعد العبور وليس خلاله وذلك لأسباب أمنية، واتفقنا على إعداد لقطات أكثر مصداقية أرسلنا بها إلى _دول_ الغرب، وكانت، على ما أتصور، أول ما جرى بثه عن معارك الجانب العربي، وكل ذلك أكده لي شخصياً فيما بعد الفريق _سعد الدين_ الشاذلي عند استقراره بالجزائر».
يعاود الرئيس بومدين الاتصال الهاتفي مع الرئيس السادات يوم 9 أكتوبر على الساعة 10.25 مساءً. حيث كانت أهم بنود الاتصال كالاتي :
- بومدين: كيف أخبار المعركة اليوم ؟
- السادات: إلى حد الآن دخل المعركة للعدو أربعة لواءات مدرعة، يعني حوالي 500 دبابة.
- بومدين : اعتقلتم قائد لواء؟ (المقصود الجنرال الإسرائيلي عسّاف ياجوري Assaf Yaguri)
- السادات: نعم.. نعم، وسوف أبعث لك أفلام التلفزيون.
- بومدين : نحن نرسل بها للأوروبيين، أنا متذكر الصورة التي قدمها الفرنسيون عن الجنود المصريين_ المقصود من أسرى الحرب_ في 1967. ضروري تبعثوا لنا الأفلام.
- السادات: سأرسلها الآن.
- بومدين : هم ضربوا المطارات المصرية ؟
- السادات: من غير تأثير.
- بومدين : أنتم أخذتم أربعة طيارين (يلاحظ متابعة بومدين الدقيقة).
- السادات: أخذنا أربعة اليوم صباحاً.
- بومدين : كيف إخواننا في سوريا ؟ (يلاحظ اهتمام بومدين بما يجري على سوريا التي كان الضغط عليها شديداً): هم ما لم يستطيعوا أن يخترقوا الحدود السورية ؟
- السادات: لا، لم يستطيعوا، هناك واقفون
- بومدين : فيما يخص حاجتكم من البترول، المطلوب خام أو مكرر ؟
- السادات: نحن نفضل خاماً.
- بومدين : الدفعة الأولى مليون طن، وأخذنا نفس القرار بالنسبة لحافظ (الأسد).
السادات: وذخيرة كذلك يا أخ بومدين.
^ بومدين : أنا أتابع الأنباء، هم يعترفون بأنهم على بعد 7كم من القناة، المهم العدو يخسر.
يقول محيي الدين عميمور معلقاً على هذا ما حدث في حرب جوان 1967: «كانت لقطات إسرائيلية المصدر خبيثة الهدف تصور الجنود والضباط المصريين وهم يسيرون مرفوعى الأيدي وشبه عرايا وحفاة، وهو ما لم ينسه هواري بومدين الحريص على هيبة الجندي العربي، وكان يريد الرد على ذلك بتقديم صور الأسرى الإسرائيليين، عبر التلفزيون الفرنسي نفسه».
كان العبور العسكري رائعًا من كل الجوانب؛ حيث أنهى إلى الأبد خرافة الجيش الصهيوني الذي لا يُقهر، وكان موقف سوريا ممتازا، وهو ما استقطب ثلثي الطيران الإسرائيلي الذي كان يركز على سوريا. يواصل بومدين اتصاله الهاتفي بالسادات، ويجري اتصالًا أخر يوم 10 أكتوبر، كان من ضمن ما جاء فيه :
- بومدين: يقولون إنهم قاموا بهجوم مضاد؟
- السادات: يحاربون في الهواء، وهم غيروا القيادات.
- بومدين : أين موشيه دايان ؟ لم نعد نسمع به.
- السادات: صحيح ونحن لاحظنا ذلك.
- بومدين : وكيف إخواننا في سوريا ؟
- السادات: والله الحال ليس طيبًا، والعراقيون تأخروا قليلا بدون داعٍ.
- بومدين : وحسين (الملك حسين)؟
- السادات: الحمد لله.
بومدين: المهم نكون مطمئنين على أحوال الجبهة الغربية (المصرية).
موقف الجزائر من انتصار 6 أكتوبر:
لا شك أن الشعب الجزائري كان يتابع الحرب بكل جوارحه وخاصة قيادته العليا، وبعد الإعلان عن عبور القناة، ظهرت البهجة على الشعب الجزائري، وقالت صحيفة المجاهد في هذا الصدد: إن الأمة العربية كلها تحس بالفخر العظيم، والشكر العظيم لجيشي مصر وسوريا؛ اللذان حققا للعرب أول انتصار لا رجوع فيه، ومهما تكن النتائج النهائية للمعركة فلسوف تبقى حقيقة أنها أنهت مهانة 1967 وجددت الكرامة العربية.
في الفاتح من نوفمبر 1973 قدم مجلس الثوة الجزائرية التحية الخالصة بتحية خالصة للمقاتلين العرب في مصر وسوريا وهنأهم على البسالة واستعادتهم الكرامة العربية، كما حيا البيان ذكرى شهداء معارك أكتوبر.
يرى البعض أن مصر في عهد أنور السادات لم تكن كبيرة الاهتمام بالإعداد للحرب، ولكن ذلك خطأ فادح للقوات المصرية على الجبهة تزداد عددا وعدة، وتواصل التدريب ليلا نهارا في جميع أفرع وحدات القوات المسلحة، وربما كانت بعض هذه الاستعدادات سرية وخفية وهادئة، بشكل يوحي للعدو أن مصر لن تحارب ولن تستطيع أن تدخل معركة وهو نوع من الخداع، مما تتطلبه الحروب قديما وحديثا.
الدعم الاقتصادي الجزائري لمصر في فترة حكم أنور السادات
مما لا شك فيه أن مساعدات الدعم الجزائري المادي والعسكري لمصر ولحرب أكتوبر 1973 كانت كبيرة، وذات آثار إيجابية كبيرة في صالح معركة العرب مع الصهاينة، ومن المؤكد أن ذلك الدور الداعم للحرب قد كان له آثار سرية على الاقتصاد الجزائري خاصة بعد إقدام الجزائر علي تأميم شركتين أمريكيتين هما مونيل MONIL ونيومنت NEWMINT ، كما أممت الجزائر حقول البترول والنقل البري للشركات الفرنسية وذلك يوم 24 فيفري1971، وكان ذلك جزء كبير من معركة البترول التي دعا إليها العرب في الفترة التي أعقبت النكسة، ومما هو جدير بالتنويه أن حرب 1967 وبعدها حرب أكتوبر 1973 قد ساعدا على ارتفاع أسعار البترول أضعافا مضاعفة مما كان له فعل إيجابي على تطور اقتصادات الدول المصدرة للبترول.
في ماي 1971 نشرت الأهرام خبرا عن الصحيفة البريطانية Business Week: « بأن رجلين من رجال الأعمال الإسرائيليين يقومان ببناء ناقلتي بترول واشتركا في حرب 1967، وهما من بين من وُكِّل إليهما نقل الغاز المميّع (السائل) من الجزائر إلى أمريكا». وكان هدف الأهرام من نشر ذلك الخبر الانتباه إلى محاولات الصهاينة التغلغل والانغماس في أعمال ومشروعات تضّر بالمصالح العربية.
في يوم 25 جوان 1971 م توترت العلاقات المصرية الجزائرية، وصعَّد أنور السادات اللهجة ضد الجزائر على بيعها صفقة غاز لأمريكا، وهذه الصفقة وردت في وثائق الخارجية الأمريكية، ومن المؤكد أن المخابرات المصرية قد اطلعت على مجريات هذه الصفقات والاتفاقيات البترولية مع الدول الغربية.
في حين تراجع الاقتصاد الجزائري بسبب المعركة، فُتحت أبوابه أمام الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تم الاتفاق بينهما على بناء أكبر مشروع في تلك الفترة لإنتاج الغاز الطبيعي السائل بالجزائر وكانت تقدر تكاليف هذا المشروع بملياري دولار وقد بدأ الإنتاج في 1976بطاقة تقدر بـ 200 ألف برميل يومياً.
كانت مصر مهتمة بالجزائر، من الناحية الاقتصادية خاصة بالنسبة لمواد الطاقة خوفاً من أي إجراء يضر بالإعداد للمعركة التي كانت منتظرة في ظل الأزمات التي مرّ بها الجزائر في ضوء السياسة المطبقة على التجارة الخارجية.
لما استشعرت الجزائر بخشية مصر على موقفها بخصوص المواد البترولية اللازمة لمصر إذا انطلقت حرب العبور أعلنت :« إنها مستعدة لتقديم ما تحتاجه مصر من البترول لسد حاجاتها في حالة ما إذا احتاجت إليه».
كان هناك دائما تنبيه للجزائر من جانب مصر من وصول مساعدات أمريكيا لإسرائيل عن طريق الجزائر خاصة بعد ملاحظة زيادة طلب الولايات المتحدة على مواد الطاقة.
في سنة 1973، قال هواري بومدين في المؤتمر الرابع للنقابات الجزائرية: «ليس من الإخلاص أن نحارب إسرائيل بالسلاح من ناحية، ثم نرسل أموالنا إلى الرأسمالية الدولية حليفة الصهيونية من ناحية أخرى».
نستخلص من هذا التصريح العديد من الملاحظات أولها: أن الجزائر كانت لا تعقد صفقات مع القوى الاستعمارية الكبرى بما فيها أمريكا وبريطانيا إلا طبقا لما قررته الدول العربية المنتجة للبترول، ثانياً أن ما نقلته صحيفة الأهرام ربما كان مجانبًا للصواب، وكأنها تريد أن تقول للجزائريين عليكم أن تقاطعوا الدولة الداعمة لإسرائيل، هذا يخالف ما اتفقت عليه الدول العربية المنتجة للبترول.
إبَّان الحرب أصدر هواري بومدين تعليماته إلى وزير التجارة الجزائري بوضع جميع الإمكانات الجزائرية من مواد تموينية ضرورية تحت تصرف مصر وأن تكون جاهزة ومعدة للشحن فور طلبها منها وفي الوقت ذاته شعرت الجزائر بحاجة مصر إلى المواد التموينية فبعثت بما قيمته مليوني جنيه لها خلال الحرب كهدية أولى. وتوالت المساعدات البترولية من الحكومة الجزائرية إلى مصر وسوريا، فقد ورد بجريدة الأهرام في نوفمبر 1973 أن الجزائر قد: «قدمت لمصر مليوني طن، ولسوريا مليوني طن وذلك لسد حاجاتها من البترول». مما هو جدير بالذكر في هذا المقام أن الجماهيرية الليبية كانت من بين الدول الداعمة لمصر بالبترول، وما إن أعلنت مصر وقف إطلاق النار حتى أعيدت ناقلات البترول الليبية إلى مصر خالية، وكانت حجة السلطات الليبية أنه مادام القتال قد توقف فلا داعي لإرسال البترول؛ وهذا ما أثر على حسابات المعركة، ودفع بالجزائر إلى إنقاذ الموقف في مصر وذلك مقدار إمداداتها البترولية من مليون إلى مليوني طن. ثم تطوعت الجزائر بـ750 ألف طن من البوتاغاز لمصر وكان سببها أيضاً امتناع ليبيا عن تزويد مصر بالغاز.
بخصوص مقدار ما قدمته الجزائر كدعم للدول المحاربة ضد إسرائيل في حرب أكتوبر1973 (مصر وسوريا) فقد ورد في صحيفة المجاهد:« أن الجزائر قدمت أكثر من 1000مليون جنيه إسترليني كمعدات عسكرية ومالية خلال حرب أكتوبر». لم يتوقف الدعم الجزائري لدولتي المواجهة ضد إسرائيل حتى بعد وقف إطلاق النار في نوفمبر 1973 ففي الفاتح من نوفمبر 1973 أصدرت الجزائر بيانًا جاء فيه: «أنها تواصل المعركة وتضع جميع مصادر ثروتها وطاقاتها لخدمة المعركة.» إن الناظر في الاقتصاد الجزائري في هذه الفترة يجده قد عانى بسبب الحظر الذي طبقته الجزائر على صادراتها من البترول والغاز لبعض الدول الغربية الكبرى.
مما هو جدير بالذكر أن الجزائر كانت عكس الدول العربية الأخرى المنتجة للبترول، فهي لا تملك احتياطات مالية ضخمة حتى تسد حاجياتها؛ إذ هي في حاجة ملحة إلى المداخيل التي تأتيها من ريع البترول والغاز لشراء المعدات والآلات وتسديد أقساط القروض الخارجية المتزايدة.
واجهت الجزائر مشكلة عويصة في تلك الفترة وهي طرد العمال الجزائريين الذين بلغ عددهم 450 ألف عامل من فرنسا وحدها، ولقد كان لهؤلاء العمال دور كبير في الاقتصاد الجزائري؛ إذ كانوا يرسلون أموالهم إلى أهاليهم في الجزائر؛ فبطردهم هذا فقدت الجزائر هذه المبالغ الضخمة من جهة، ومن جهة أخرى إذ زادت البطالة أكثر مما كانت عليه في الجزائر التي لم تكن تستطيع توفير وظائف لهذا العدد الكبير من العمال.
لقد رفعت الدول المحرومة من البترول أسعار المواد المستوردة منها مقابل رفع أسعار البترول، إلا أن ذلك لم يؤثر على سياسة الجزائر وظلت سائرة في منع تصدير البترول إلى تلك الأطراف المساندة لإسرائيل.
الحلقة (5)