-لِمَ لم يجعل يوم العلم مقرونا بيوم الذكرى بعيد الثورة أول نوفمبر؟ فيكون الفرح بما أحدثته النهضة العلمية من حياة في الشعب الجزائري فاستجابت للنداء بعد أن قال ابن باديس: النصر يأتي من هناك وأشار إلى الجبال.
-و لِمَ لم يجعل يوم 19مارس؟ فيكون الفرح بوقف القتال حين أجبر الاستعمار على التفاوض والاعتراف بأن هناك أمة تسمى الأمة الجزائرية وجعلت الرئيس الفرنسي يقر رغم أنفه: Il y a une nation Algérienne ، وقال قبلها-حين قام الشعب بمظاهرات ضد الاستعمار سقط فيها مئات الشهداء، نادى بأعلى صوته مخاطبا الجزائريين-
je vous ai compris ، نعم قد فهم مراد أبناء ابن باديس، ولو جعلنا ذلك اليوم يوم علم لكان الفرح فرحتين فرح بالفوز، وفرح ببداية مشوار العلم طلبا وتحصيلا.
-و لِمَ لم يك يوم العلم مقرونا بيوم الاستقلال؟ فنفرح بتحقيق المراد الأول وهو التحرر من نير الاستعمار، ونفرح ببداية التحرر من الجهل والعناية بالعلم على غرار الأمم الأخرى؟ على كلّ الأمر لأصحاب القرار، لكن هل نحن حقا نحتفي بالعلم على وجهه الحق والأكمل فيكون الاحتفاء يتناسب وشرف العلم مما يدعو الطلاب يقبلون على تحصيله والعمل به إقتداء بسلفهم الصالح، أم مجرد وقفة تذكارية اعتادها الناس ؟±.
هل أحدثنا جائزة كبرى تشجيعية تمنح لمن قدم خدمة للأمة، ويتنافس من أجلها العلماء على اختلاف تخصصهم بما أفادوا به المجتمع، وجعله يواكب العصر في شتى العلوم والفنون ؟.
1- منزلة العلم: قال الإمام مالك: «العلم نور يجعله الله حيث يشاء، ليس بكثرة الرواية»، إن العلم نور لصاحبه، ودليل لحظه، ووسيلة تنبري إلى درجات السعداء، وصاحب مؤنس في السفر.
-إن العلم نور يقذف في القلب والمعصية تطفئه وكتب رجل إلى أخيه أنك أوتيت علما فلا تطفئن نوره بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم في نور علمهم، ورحمه الشافعي حين قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ...
ونور الله لا يؤتى لعاصي
-إن العلم الذي أتصوره وأدعو إليه ذلكم الذي وصف بأنه نور يلقي ببهائه على حامله فيجعل له نورا يمشي به بين الناس، بعد أن أذاع الله تعالى ذكره بين الأنام كحال ابن باديس-رحمه الله- وغيره من العلماء العاملين.
-إن العلم الذي يجب أن يُحتفى به ليس هو شهادة يحصل عليها الطالب، فيحسب أنه حصل على رتبة عالم، وإنما هو تحصيل لأصوله في كل صنوفه؛ لأن العلم الذي أقصده لا يعني علوم الشريعة فحسب وإنما العلم على اختلاف فروعه: فقها وتفسيرا ولغة وفيزياء ورياضيات وعلوم طبيعية، واختراعات، وإبداعات وغير ذلك من الفنون والعلوم، وبلادنا ليست عقيمة فمن بين أبنائها من له قدرات علمية ما تؤهله للإبداع والاختراع.
ولذلك أدعو طلاب العلم أي: من يريد أن يبارك الله تعالى في وقته وجده وتحصيله فليعرف قيمة هذا العلم، فإذا عرفتم قيمة هذا العلم فتح الله لكم أبواب الرحمة؛ لأن تعظيم شعائر الله مظنة التوفيق والبركة، ولن تجدوا نور العلم، ولا بهاءه حتى تطلبوه من أهله، وتأخذوه من مكانه، ممن ورث العلم وأخذه بحقه، فهذا هو الذي بورك له في علمه، المقصود أن طالب العلم إذا عرف قدر العلم فتح الله عليه وبارك له في وقته وعمره، وكل ما يعانيه، وأكثر ما يعاني طلاب العلم اليوم بل الناس جميعاً، من الجهل بقدر العلم والعلماء.
2-مكانة العلماء: إن العلماء في الإسلام ورثة الأنبياء وهم مصابيح الهدى وهم حراس العقيدة إذا زاغ واحد منهم واتبع هواه ضلت أمة من ورائه.
ومن مقاصد الشرع رفع مكانة العلماء كما قال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، وعطف (الذين أوتوا العلم) – (على الَّذِينَ آمَنُوا) من عطف الخاص على العام تعظيما لهم بعدّهم كأنهم جنس آخر... إن علم العالم يقتضي لطاعته من المنزلة ما لا يحصل للمؤمن، ولذلك فإنه يقتدي بالعالم في كل أفعاله، ولا يقتدى بغير العالم؛ لأنه يعلم من كيفية الاحتراز عن الحرام والشبهات، ومحاسبة النفس ما لا يعرفه الغير، ويعلم من كيفية الخشوع والتذلل في العبادة ما لا يعرفه غيره، ويعلم من كيفية التوبة وأوقاتها وصفاتها ما لا يعرفه غيره، ويتحفظ فيما يلزمه من الحقوق مالا يتحفظ منه غيره، وفي الوجوه كثرة، لكنه كما تعظم منزلة أفعاله من الطاعات في درجة الثواب، فكذلك يعظم عقابه فيما يأتيه من الذنوب، لمكان علمه حتى لا يمتنع في كثير من صغائر غيره أن يكون كبيراً منه.
نحن لا نتحدث عن أدعياء العلم الذين تلمح في سلوكهم ومعاملتهم رفعة وتكبرا، وصلفا هذا الصنف عالة على العلم وأهله، ولا يعدّ منهم في عرف العلماء، -وهنا نسأل ما قيمة علم لا يهذب أخلاقي، ولا يقوّم من حالي، ويجعلني وفق مرضاة ربّي-، نحن نتحدث عمن رُفعت درجاتهم تواضعا وخشية وتحقق فيهم قوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، فهؤلاء ينبغي احترامهم وإجلالهم، وإنزالهم المنزلة التي تليق بمقامهم..
ومعنى الآية الأنفة الذكر يرفع الله تعالى المؤمنين العلماء منهم درجات على غيرهم فلذلك أمر بالتفسح في المجلس من أجلهم، ففيه دليل على رفع العلماء في المجالس والتفسح لهم عن المجالس الرفيعة..
فكل محاولة لإنقاص درجتهم فإنها تجعل في مصادمة مقاصد الشرع، ثم إن الناظر إلى واقع الناس وأحوال المجتمع يجد أنهم يثقون بعلماء الشرع ويرجعون إليهم استجابة لأمر الله تعالى وقد وردت آيات كثيرا تدعو الرجوع إلى العلماء في معرفة الدين إن استعصى على المرء شيء فهم المرجع نذكر آيتين فحسب للبيان لا للحصر:-قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وقوله تعالى: (شهد الله أنه لا أله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط) هذه أجل الشهادات الصادرة من الملك العظيم، ومن الملائكة، وأهل العلم، على أجل مشهود عليه، وهو توحيد الله، وقيامه بالقسط، وذلك يتضمن الشهادة على جميع الشرع، وجميع أحكام الجزاء.
ودلالة الآية على فضلهم ظاهرة بل أخرج ابن المنذر عن ابن مسعود أنه قال: ما خص اللّه تعالى العلماء في شيء من القرآن ما خصهم في هذه الآية - فضل اللّه الذين آمنوا وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم بدرجات-وجعل بعضهم العطف عليه للتغاير بالذات بحمل الَّذِينَ آمَنُوا على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم .
وفي رواية أخرى عنه يا أيها الذين آمنوا افهموا معنى هذه الآية ولترغبكم في العلم فإن اللّه يرفع المؤمن العالم فوق الذي لا يعلم.
أما الأحاديث الدالة على فضل العلم وبيان فضل العلماء كثيرة جدا نذكر منها ما تأتى لنا وعلق بالذهن:
- مما جاء في فضل العلم والعلماء ما ورد عن أبي أمامة الباهلي، قال: ذكر لرسول الله رجلان أحدهما عابد والآخر عالم، فقال رسول الله: «فضل العالم على العابد، كفضلي على أدناكم»، ثم قال رسول الله: «إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير» رواه الترمذي، وأبو داود والدارمي عن أبي الدرداء مرفوعا.
-وأخرج الدارمي عن عمر بن كثير عن الحسن قال : قال رسول اللّه: «من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام فبينه وبين النبيين درجة».
-عن أبي هريرة، عن النبيقال: «لكل شيء عماد، وعماد هذا الدين الفقه وما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد » وقال عمر بن الخطاب: «لموت ألف عابد قائم الليل صائم النهار أهون من موت العاقل البصير بحلال الله وحرامه» وروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما- أنه قال: «إن الشياطين قالوا لإبليس: يا سيدنا ما لنا نراك تفرح بموت العالم ما لا تفرح بموت العابد؟ فقال: انطلقوا فانطلقوا إلى عابد قائم يصلي فقالوا له: إنا نريد أن نسألك، فانصرف، فقال له إبليس: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة؟ فقال: لا، فقال: أترونه؟ كفر في ساعة، ثم جاء إلى عالم في حلقة يضاحك أصحابه ويحدثهم، فقال: إنا نريد أن نسألك، فقال: سل، فقال: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة؟ قال: نعم قال: وكيف؟ قال: يقول لذلك إذا أراد: كن فيكون، قال إبليس: أترون ذلك؟ لا يعدو نفسه وهذا يفسد علي عالما كثيرا» وقال عبد الله بن وهب صاحب مالك: «وكان أول أمري في العبادة قبل طلب العلم فولع بي الشيطان في ذكر عيسى ابن مريم كيف خلقه الله عز وجل؟ ونحو هذا، فشكوت ذلك إلى شيخ، فقال لي: ابن وهب: قلت: نعم قال: اطلب العلم فكان سبب طلبي للعلم » ذكره ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله.
عن عثمان قال: قال رسول الله:«يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء» فأعظم بمرتبة بين النبوة والشهادة بشهادة الصادق المصدوق، وعن ابن عباس «خيّر سليمان بين العلم والملك والمال فاختار العلم فأعطاه اللّه تعالى الملك والمال تبعا له».
وكل عز لم يوطد بعلم فإلى ذل يصير، وعن بعض الحكماء : ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم؟ وأي شيء فاته من أدرك العلم؟ والدال على فضل العلم والعلماء أكثر من أن يحصى، وأرجى حديث في فضل العلماء ما رواه الإمام أبو حنيفة في مسنده عن ابن مسعود قال : قال رسول اللّه: «يجمع اللّه العلماء يوم القيامة فيقول: إني لم أجعل حكمتي في قلوبكم إلا وأنا أريد بكم الخير اذهبوا إلى الجنة فقد غفرت لكم على ما كان منكم».
إن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي ذكرتها تبيّن فضل العلماء وخطورة القدح فيهم؛ لأن لحومهم مسمومة فمن تكلم فيهم فقد هلك بتعريضه نفسه لغضب الله تعالى ففي الحديث القدسي «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب .... »الحديث. رواه البخاري: فإن لم يكن العلماء أولياء الله تعالى فمن يكون أولياءه؟.
الحلـقـة1