يبدو لمن يروم الغوص، والغور، واستبطان، نصوص الشاعر “فلاح الشابندر” بدواوينه (فحم وطباشير - سطر الشارع ) هناك همسات، وتجليات، وطلاسم، ورموز، تفاعل الذات مع الوجود، الأزمات الإنسانية وتفاعلاتها من أعماق الذات الواعيه بالمحيط وتحولاته وتفاعلاته، تجعل من نصوصه عميقة المعنى بمحمولاتها ..ودلالالتها..وإنزياحاتها؛
فلغته الشعريّة تندك بهمومنا الذاتيه الجمعيّة فمركبنا كأنه يُبحر بالبحر المتلاطم الأمواج، يثير قلقنا جميعاً بحثاً عن بر الأمان لِنستقر ويستقر بعد تلك العواصف والأقدار التي أتعبت الوطن والبشر ..نسق النص البنائي لدى “الشابندر” مغامرة وتجريب ورد على مهزلة المفارقات التي نحياها على مضض بإختصار أقول : فلاح لايمضغ الإجترار بل الديوان يعجُ بالتجريب والإجتهاد والكدح غير المألوف من الصور المُبهرة فهو يركل كل مُستنفذ ومُجتر، بنصوص تحمل الصور ودلالاتها الجماليّة، والموسيقى الداخلية الضاجة بجودة الأداء الشعريّ التي تمنح نصوصه شعريّة فائقة التي تُحفز المتلقي على التأمل وربط الصور الشعرية وموضوعاتها الإنسانيّة، تُعبر عن كشوفات للذات الواعيّة عن معاناتنا بين الوهم والحقيقة والفجائع، لمن يُشرع بتفكيك رموزها وسبر أغوار تلك النصوص، لعلّ قيمة الشعر بمعنى مايحمله من عمق ومعنى ودلالات وجوهر ووعيّ؛ على الرغم من صعوبة فك الإشتباك –بعض الأحيان- لدى المتلقى بسبب الغموض والإيهام الذي تجده بدواوينه. في مقدمة ديوانه (فحم وطباشير) التي كتبها قاسم العزاوي، ص7).
(النص الشعري، ومايحتويه من رؤى وأسرار واحتدامات داخلية – خارجية تبقى كامنة داخل النص أو مايطلق عليه (فن التخفي ) ولكنه قابل للبوح والإظهار ويفصح عن غيابه وتخفّيه، وخاصة إذا ماكان يستند على جذوره الأصليّة من تراكمات قرائية ومعرفية التي بدورها شكّلت مخيلة الشاعر الجانح بقوة صوب التجريب والتجديد والمغامرة الشعرية المتجددة...) (.. فنصه الشعري يحمل بصماته هو التي لاتتكرر إلاّ معه ولاتتطابق مع أي بصمة لشاعر آخر، تماما كبصمة إبهامه، التي لا تتطابق إلاّ معه.).. (فحم وطباشير، ص13).
((عذبني الفحم/ أجهدُ أن أرحّلَه /يُباغتني رغما عنّي / يُعاودني ..فصلا في الآخر/ وطباشيري ...كتبت ...تتعذّبُ بذات السرّ بين فحمٍ...... وطباشير /هوَّة الأشياء في عين اللافته/ متاهات ٌ.../ وقبضةُ الصيحةِ/في /أثر المشنوقين غرقاً.../ أتدري ياصاحبي ....؟ علي قيدِ الغيبِ / يمضي البحرُ...! والليل الى سواه /فراغاً / وحيدَ الشكل/ فراغا../ يتناظر...؛/...))
تذكر المترجمة والناقدة الدكتورة انعام الهاشمي بكتابها: (أنا وفلاح الشابندر متابعة وحوارية، ص14)، (....وأعود للترميز والغموض في نصوص الشابندر وذلك ماذكرته في البداية هنا بالإشارة إلى أن هذا هو ماجذبني إلى نصوصه بدءاً والذي أغراني بإطلاق لقب “شاعر الرمز وعرابه “عليه ... ولست أول من وصف نصوصه بالرمزية العالية ولست بآخرهم ولن أكون، ولا أظنه سيحاول أن يغير من أسلوبه إرضاءً لغير مايوحيه له قلمه وفكره.).
رؤية المبدع “فلاح الشابندر” للشعر والحياة في صورها، وتحولاتها، ونكوصها،وشموخها، ومعاناتها .. طاقة الخيال الخصبة تعكس دلالات صورية عبر مشاعر الشاعر والذي يتوجه وينعكس بأغانيمه وترنيماته بنصه: (فما معناكَ..، ص 16)
((ستون نافذة مشرعة/ لمروياتِ الريحْ/تنادو..،/من أقصى المدينةِ المعدومة بانفاسِ أهلها /تنادوا:/لقدْ أظْللتنا..،/فما معناك /في صباح الحديقة..؟ /فرطةُ عصافيرَ تدنو … تدنو … تدنو/ تلتقطُ /مساقطَ حلواه /يصفعُها بسيف الريح..!/
تتقافزْ..،/تتطايرْ/ /يتطايحُ ضحكاتٍ … طفلُ الحديقة /تتلوها ضحكات تعدم سابقتها عصيٌّ هو الثاني/في صباحاتِ الحديقةِ/النسيانُ الباردُ الغارقُ
في/ كرسيِّه الهزاْز…! /وحينَ يطقطقُ/بعكازهِ على البلاط..،/يستفزُ القط الغافي /
القط/ غافٍ /مذ هتف العطش في البرية الخضراء /على ضفة الظل /ميل أن ننسى..،/والأجمل : /أن لا نعرف مالقادم الأتي..! /ذلك ضللنا /فما معناك..؟! / ضياعاتٍ متشابهةٍ /في زرقة الليلِّ الثلجي/يرافقني الشارع مشياً/ثم مشياً … مشياً …مشياً))..
في ديوانه سطر الشارع الصادر عن دار العارف 2014 أرى المبدع “الشابندر “ يختزل حيواتنا بتلك النصوص المُعبره عن وجودنا بكل تحولاتها، ومفازاتها، رؤية بحكمة، يستعير الرفض لِيحتج على قُبح الحرب، يشدو للإنسان للحب للصداقة لخضرة .. في نص بيان هام، ص11). الحربُ ملقاةٌ على الطريق / ظِلالُها ثيابٌ رَثَّة/ ليليان../ ليليان خدُّ الترابِ/ بثوبهاِ القصيرِ الأخير / وبسِرِّها الصغيرِ اللذيذ / في وَسطِ السوقِ تفضَحُ زيفَ الحِكمة/ حين دسست في الخُرجِ المثقوب ِ/
نصفَ تفّاحَةٍ مطبوخَةٍ بالشمسِ/ طاعنةٍ بالعَفَن/ مسروقةٍ من سلة السوق/ تخبئ وجودها في فرار موهوم ٍ/ فرار إلى دائرة/فراغه.
دراسات نقديـة
الرمـز بشعريـة فـلاح الشابندر
بقلم: صبـاح محسـن كاظـم
شوهد:966 مرة