خرّج علماء أمثال الشيخ مهدي عيسى الثعالبي وبركات بن باديس
يعد العالم عبد الكريم الفكون واحدا من أبرز العلماء في عصره. والمنفرد في منصب مفتي الحنفية والقضاء في قسنطينة في القرن السادس عشر الميلاد.
وأن هذه العائلة كانت تتمتع بنفود وجاه. تعرف العائلة سيدي الشيخ ولايزال إلى يومنا هذا.
ولد سنة 1580م في بيت إشتهر أهله بالعلم. نشأ الفكون في كنف والده الذي كان من أول شيوخه وحفظ على يده القرآن الكريم وتلقى المبادئ الأولية للعلوم في زاوية العائلة.
عكف عبد الكريم على تحصيل مختلف العلوم الشرعية واللغوية، ثم تولاه كبار شيوخ عصره، من أمثال سليمان «القشى» وعبد العزيز النفاتي الذى قرأ عليه الحساب وبعض الفرائض ومحمد بن راشد الزواوي ومحمد الفاسي المغربي.
أخذ العلم من أعلام قسنطينة وغيرهم. وعلى يديه تخرج فحول العلماء، كالشيخ مهدي عيسى الثعالبي وبركات بن باديس. كان محبا للقراءة ويغرد كأنما في علقة غصة يرنم فيبعث الوقور وأنغاما عذبة وبحلاوة.
يعتكف كثيرا على المطالعة وحده. والده الذب كان ينيبه أثناء غيابه رغم صغر سِنّه، أثنى عليه كبار العلماء كالعلامة أحمد المقري في كتابه نفح الطيب وتلميذه العياشي في رحلته ماء الموائد والثعالبي في كنز الرواة.
ظهر عليه النبوغ والذكاء في سن مبكرة، فكان بارعا في فنون اللغة لغة ونحوا وتصريفا وبلاغة مع المشاركة التامة في فقه والأصليين، الحديث والتصوف وذلك دليل على سلامة ذوقه وكمال عقله وبلغ درجة الكمال في أناقتها وأقوالها وطريقة تنظيم أسلوب اللغة. فمروءة المرء في أناقته وجمال حديثه وطهارة قلبه. تعلم في زاوية العائلة وفي مصلى بيته، إنها معاهد العزة يترشف منها حلاوة العلم ويتعلم مجال التربية، وكيف يجب أن نكون عظماء متواضعين في الدراسة وبها يتقدم المجتمع ويصير عظيما.
فالزاوية كانت خلايا نحل دائمة النشاط تخرج للطلبة شُهدا تعلم فيها أسلوب التعامل مع الحياة، إنها منارات على طريق التحرر من العبودية والقضاء على الجهل.
كان يستقبل الطلبة من مختلف الجهات خصوصا من منطقة زواوة والجزائر وما حولها. كان يدرس التفسير، وصحيح البخاري وألف الكثير من مؤلفات الطائفة الأولى من العلماء الذين تولوا المناصب العامة وليس لهم الكفاءة كمنصب القضاء والإفتاء. وهاجم متناولي الدخان ونص على تحريمه.
ورد على من أفتى بإباحته ونشر منظومة المكودي في التصريف يقع في مجلد كان فراغه من تأليفه سنة 1048هـ.
وبعد وفاة أبيه عام 1045هـ خلفه في إمامة المصلين والخطبة أيام الجمع والأعياد والسهر.
كان يخطب خطبا حروفها من نار تلدغ أكباد من يسمعها وكلماتها تهز القلب في معانيها. كان يهذب، ويرسم، يعلم، ينير العقول ويرسخ في القلوب محبة الحياة كنز مخبوء لا نستطيع استخراجه إلا بالعلم وهذا الكنز هو المعرفة التي تدعو أبناء أمتنا إلى التطور وتنشتل الأمة من الضعف وتمنعها من أن تسير إلى مهاوي الردى.
تقلد عبد الكريم الفكون إمارة ركب الحج وحصل على لقب شيخ الإسلام بعد أن بلغ نفوذه العلمي والروحي ذروته. تخرج على يد الفكون مجموعة كبيرة من الطلاب النجباء الذين ذاع صيتهم ومن أشهرهم بومهدي عيسى الثعالبي وأبو سالم العياشي المغربي ويحي الشاوي وبركات بن باديس وغيرهم.
كان الفكون من أعلام عصره في الحديث والفقه والنحو، بارعا فيه، أديبا، حكيما، عالما، عارفا، قويا ومتبحرا بأمور الدين.
عالم قسنطينة وكبير مفتيها
استطاع العلماء أن يخلّدوا أنفسهم بالعلم، فهو المصباح الذي يبدد حلكات الظلام، وبالعلم تسمو الأمة وتتسم معارج الرقي وتشاد الحضارات وتبنى الأمجاد.
جمع العالم الفكون بين علم الظاهر والباطن وقد تحدث عنه علماء عصره وتلاميذه. ونوهوا بمكانته المتميزة في العلم فقال عنه المقرى: «عالم قسنطينة وصالحها وكبيرها ومفتيها».
وما نستنتجه من خلال أعماله وإنجازاته المتواترة ومشاركته العلمية في إمامة، ترعرع في هذه المحطة العلمية وكانت أبرز المناطق التي شهدت مواكبة من تلاميذه ينهلون العلم على يده.
تابع الشيخ جميع مراحل دراسته في مدينة قسنطينة، وكان يحب المطالعة كثيرا إذ أكمل دراسته في زواية العائلة.
تغلغلت في نفوس طلبته وطريت لها القلوب، لأنها نابعة من روح صادقة ومبدعة.
اللغة نسيم ينساب إلى النفوس فيحرك الجوارح بسكونها.
تحصل على العلم بأقدام ثابتة وبنفس هادئة مطمئنة تعرف حقها وتؤدي واجبها، لقد ذاق حلاوة العلم وازداد شوقه إلى البحث عنه.
توفي عشية يوم الخميس 27 ذي الحجة 1037هـ الموافق لـ3 أوت 1663م عن عمر يناهز خمس وثمانين سنة.