معاني ودلالات في سياق قانوني وسياسي

مفهوم المواطنة في ظل الحراك الشّعبي العربي الحلـقـــــــــــة 1

الدكتورة وريدة دالي خيلية أستاذة محاضرة بجامعة الجزائر 2

تناقش المداخلة موضوع المواطنة من حيث المصطلح والقضية خاصة في ظل ما يسمى بـ «الربيع العربي».
  سنتعرض إلى معاني ودلالات مفهوم المواطنة من حيث اللغة، ومن حيث سياقه القانوني والسياسي وباعتبارها قيما وسلوكا اجتماعيا ومسئولية، وباعتبارها آدابا وأخلاقا، وتكوينا وذوقا حضاريا، وتراثا مرتبط بقيم وثوابت المجتمع، وفلسفته في الحياة.
يشغل مفهوم المواطنة حيزا كبيرا عند المثقفين منهم السوسيولوجيين والنفسانيين، نظرا لدور هذا المفهوم في تشكيل ملامح بعض الحضارات القديمة كالحضارة اليونانية والرومانية التي اعتبر فيها مفهوم المواطنة ركيزة أساسية لتأسيس مجتمع المدينة الفاضلة والديمقراطية، كما يرجع الاهتمام بهذا المفهوم إلى التطور الذي عرفته المجتمعات الغربية خلال القرنين 18 و19، فمع إعلان استقلال الولايات المتحدة في عام 1786 والمبادئ التي أتت بها الثورة الفرنسية في عام 1789، وبروز دور الفرد داخل المجتمع، وتكريس مبدأ العلمانية. سيعرف مفهوم المواطنة تداولا كبيرا في أدبيات الفكر الغربي.

مفهوم المواطنة في اللغة العربية

كلمة المواطنة في اللغة العربية مأخوذة من كلمة الوطن، أي المنزل أو المكان الذي يقيم فيه الفرد أي أن موطن الإنسان يتحدد بمكان إقامته.
حيث يقال في اللغة العربية: «طن يطن وطناً، أي أقام به، ووطن البلد، أي اتخذ هذا البلد وطناً له ومنه توطن البلد، أي أتخذه وطناً، سواء ولد فيه أم لا».
ويعرف قاموس علم الاجتماع مفهوم المواطنة بأنه «مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي، ومجتمع سياسي - الدولة»، ويعرفه علم النفس بأنه: «شعور بالانتماء والولاء للوطن والقيادة السياسية، وهي مصدر الإشباع للحاجات الأساسية وحماية الذات من الأخطار المصيرية»، وتعرف دائرة المعارف البريطانية المواطنة بأنها: «علاقة بين الفرد والدولة، كما يحدّدها قانون تلك الدولة، بما تتضمنه من حقوق «1»  متبادلة في تلك الدولة.
أما اصطلاحا، فيبنى مفهوم المواطنة على شرطين، يمكن من خلالهما التوصل إلى كشف دلالة مفهوم المواطنة كمصطلح:
١ـ    كون مصطلح المواطنة، قد اكتسب مفهومه في فضاء معرفي محدد ضمن ظروف تاريخية محددة.
٢ـ    أن مصطلح المواطنة، قد تفاعل مع مصطلحات أخرى، ومن ثم توضح اختلافه عن تلك المصطلحات.   
فمصطلح المواطنة، قد تداخل ومفهوم «الوطنية»، الذي يعني حب الوطن «Le Patriotisme»               باللغة الفرنسية. فالمصطلح إذن يحمل في مضمونه:
 أحاسيس متعددة كالإحساس بالحب، والتعلق بالوطن، وكل ما تنتجه تلك الأحاسيس من استجابات عاطفية للمواطن تجاه وطنه.
٣ـ    ويحمل في مضمونه أيضا صفة «المواطن»، بما تحمله الكلمة من حقوق وواجبات وطنية يتعلمها المواطن عن طريق التربية الوطنية، التي يأخذها في الأسرة والمدرسة والمسجد ودور الثقاف والشباب وعبر ما تقدمه وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة إذا التزمت كل تلك المؤسسات بتأدية وظيفتها التربوية بوطنية.
لأن مصطلح المواطنة، يتضمن معاني حب الوطن، فهو يتضمن في نفس الوقت التزامات أخلاقية واجتماعية لابد على المواطن أن يؤديها ، تجاه مجتمعه الذي يعيش فيد  وأمته التي ينتمي إليها.

التزامات المواطن الفردية الأخلاقية والاجتماعية، تجاه المجتمع والأمة

حسب نظرية «العقد الاجتماعي« لـ ean jaque rousseau
للمواطن، حقوق إنسانية، يجب أن تقدم إليه  وهو في نفس الوقت، يحمل مجموعة من المسؤوليات الاجتماعية، التي يلزم عليه تأديتها باعتبارها واجبات، يفرضها عليه انتماؤه إلى الوطن.  
قلنا في المقدمة، يعتبر مصطلح المواطنة قيما و سلوكات تحددها شروط تربوية وأدبية وأخلاقية وتكوين وذوق حضاري، وتراث، لكنها جميعا، مرتبطة بقيم وثوابت المجتمع الذي يعيش فيه المواطن.
من تلك القيم نذكر:
١ـ    القيم الأساسية الراسخة في المجتمع، ومثله العليا.
    ٢ـ    روح المشاركة الفعلية في تسيير شؤون المجتمع بصفة عامة، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الخارجي.
ومن ثمة، يمكن أن ينبثق عن مصطلح المواطنة، مصطلح آخر و هو مصطلح «المواطن الفعال» الذي يشارك بصفة فعلية وفعالة رسميا أو تطوعا، من أجل رفع المستوى الحضاري للوطن.
على الرغم من درجة الوضوح التي وصل إليها مفهوم المواطنة في الفكر الغربي المعاصر، إلا الوعي العربي يشهد بعض التداخل بين مفهوم المواطنة مع مفاهيم متعددة كالانتماء و الديمقراطية.
أولا: مفهوم الانتماء وعلاقته بمفهوم المواطنة:
الانتماء مفهوم ذو طبيعة نفسية اجتماعية، فلسفية ، ناتج عن عملية جدلية تبادلية بين الفرد والمجتمع أو الجماعة التي يفضلها المنتمي.
فالمجتمع أو الجماعة ضروريان للعالم الذي ينتمي إليه الفرد، لأنه بحاجة إلى التجمع، والارتباط بالآخرين. فالانتماء هو حاجة أساسية (إنسانية ، طبيعة سيكولوجية) في البناء النفسي للإنسان.
ويعتبر الفرد، أن جماعة الانتماء، هي مصدر فخر واعتزاز له، لذلك يفضل أن تصبح كيانا كبيرا وقويا، لذلك ينبغي أن يكون الفرد متوافقا مع جماعة الانتماء ليحقق التفاعل الإيجابي ضمنها. لكن انتماء الفرد وتوحده مع الجماعة لابد أن يكون ضمن إطار ثقافي مشترك، وعناصر ثقافية معينة كاللغة والفكر والفن.
يشار إلى جماعة الانتماء بـ «الجماعة المرجعية» لأنها تعتبر معياراً لتقدير ذاته ومصدراً لتقويم أهدافه الشخصية لذلك ينبغي على الفرد أن يقتنع أولا بمعايير والجماعة ومبادئها، و التمسك بها، حتى يعمل على نصرتها، والدفاع عنها والتضحية في سبيلها إذا لزم الأمر، مقابل أن توفر الجماعة للفرد حاجياته كالحماية والأمن والمساعدة.
أما إذا فشلت الجماعة أو المجتمع في توفير تلك الحاجيات، نظرا لتأثره بالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة، فإن انتماء الفرد قد يضعف، فيتملكه الشعور بالعزلة، ويشعر أن المجتمع ينكر عليه إشباع حاجاته فيتخذ موقفاً سلبياً و عدائياً للمجتمع، من هنا يلجأ إلى انتماءات بديلة ذات عواقب سلبية على الفرد والمجتمع معا. فكلما زاد عطاء المجتمع لإشباع حاجات الفرد، كلما زاد انتماء الفرد إليه، والعكس صحيح لأن الفرد عندما يتخذ  مواقف سلوكية إيجابية تجاه جماعة الانتماء، فإن هذه المواقف تعبر عن قوة الانتماء، أما إذا اتخذ مواقف سلوكية سلبية، فإنها تعبر عن ضعف الانتماء.
مما سبق يمكن أن نستخلص تعريفاً نظرياً للانتماء بالوطن فنقول: أن الانتماء هو «اتجاه إيجابي مدعم بالحب يستشعره الفرد تجاه وطنه، مؤكداً وجود ارتباط وانتساب نحو هذا الوطن – باعتباره عضواً فيه – ويشعر نحوه بالفخر والولاء ويعتز بهويته وتوحده معه، ويكون منشغلاً ومهموماً بقضاياه، وعلى وعي وإدراك بمشكلاته، وملتزماً بالمعايير والقوانين والقيم الموجبة التي تعلي من شأنه وتنهض به، محافظاً على مصالحه وثرواته، مراعياً الصالح العام، ومشجعاً ومسهماً في الأعمال الجماعية ومتفاعلاً مع الأغلبية، ولا يتخلى عنه حتى وإن اشتدت به الأزمات». والانتماء منه الحقيقي ومنه ومزيف ومنه انتماء لفئة بعينها.
  1 - الانتماء حقيقي: يتمتّع فيه الفرد بوعي حقيقي لأبعاد الموقف والظروف التي تحيط بوطنه داخلياً وخارجياً، ومدركاً لمشكلاته وقضاياه، وقادراً على معرفة أسبابها الحقيقية وطبيعة هذه المشكلات، ويكون المنتمي هنا مع الأغلبية ويعمل لصالحها، ويؤمن بأن مصلحة الأغلبية والعمل من أجل الصالح العام وسلامة المجتمع ونموه وتطوره، هو الهدف الذي يجب أن يسمو على الفردية والأنانية.
2 - انتماء زائف: هو ذاك الانتماء الذي يبني على وعي زائف، بفعل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي قد تشوه حقيقة الواقع في عقول المواطنين، وبالتالي قد تصبح رؤيتهم للأمور والمواقف غير حقيقية وغير معبرة عن الواقع الفعلي، ومن ثم يصبح الوعي والإدراك لهذا الواقع وعياً مشوهاً وبالتالي ينبثق عنه انتماء زائف ضعيف. وهو بذلك يعمل وينتمي لجزء من الكل فقط إذن فهو يعي ولا يدرك ولا يعمل إلا لصالح هذا الجزء وهذا يترتب عليه تفكيكا لبنية المجتمع ويسبب صراعا بين فئاته، إذ تعمل كل فئة لصالحها هي فقط، ولو على حساب مصالح غيرها من الفئات.
إن التأصيل النظري لمفهوم المواطنة والانتماء يبين أن المواطنة هي الدائرة الأوسع التي تستوعب مختلف الانتماءات في المجتمع كما أنها تضع من المعايير التي تلزم الأفراد بواجبات والتزامات معينة تحقق الاندماج والتشاركية في تحقيق مصالح الأفراد والوطن من ناحية، ومن ناحية أخرى تسم المواطنة وسبل تكريسها بالمسؤولية العامة والأهداف الوطنية التي يمكن تحقيقها من خلال أطر رسمية وبنية وعي مخطط لها ويتم الإشراف عليها وتقييمها من قبل أجهزة الدولة والمحاسبة على الإخلال بمبادئها من خلال مؤسسات الدولة كل حسب تخصصها وطبيعة عملها، في حين أن الانتماء يلعب الدور الأساس في تشكيله العديد من القوى الأيديولوجية والثقافية والاجتماعية التي قد لا يمكن السيطرة عليها إذ يتم ذلك في الأسر والقبائل والعشائر. ومن خلال الدوائر الفكرية والدينية الأخرى التي ربما تفضي في بعض الأحيان إلى ممارسات مناوئة لمبدأ المواطنة ذاته..ومن ثم تعد المواطنة هي البوتقة التي تضمن انصهار جميع الانتماءات لصالح الوطن ضمن أطر نظامية ومن خلال الالتقاء على أرضية المصلحة الوطنية العامة، ويتم ذلك بناء على معطيات الفكر العالمي اليوم والتي يروج لها في ساحاتنا الفكرية ومنتدياتنا الثقافية.
الانتماء مفهوم مركب يتضمن أبعاد كثيرة من بينها:

1 - الهوية:
يسعى الانتماء إلى توطيد الهوية، وهي في المقابل دليل على وجوده، ومن ثم تبرز سلوكيات الأفراد كمؤشرات للتعبير عن الهوية وبالتالي الانتماء.
2 - الجماعية:
إنّ الروابط الانتمائية تؤكد على الميل نحو الجماعية، ويعبر عنها بتوحد الأفراد مع الهدف العام للجماعة التي ينتمون إليها، وتؤكد الجماعة على كل من التعاون والتكافل والتماسك، والرغبة الوجدانية في المشاعر الدافئة للتوحد. وتعزز الجماعية كل من الميل إلى المحبة، والتفاعل والاجتماعية، وجميعها تسهم في تقوية الانتماء من خلال الاستمتاع بالتفاعل الحميم للتأكيد             على التفاعل المتبادل
3 - الولاء:
الولاء جوهر الالتزام، يدعم الهوية الذاتية، ويقوي الجماعية، ويركز على المسايرة، ويدعو إلى تأييد الفرد لجماعته ويشير إلى مدى الانتماء إليها، ومع أنه الأساس القوي الذي يدعم الهوية، إلا أنه في الوقت ذاته يعتبر الجماعة مسئولة عن الاهتمام بكل حاجات أعضائها من الالتزامات المتبادلة للولاء بهدف الحماية الكلية.
4 - الالتزام:
حيث التمسك بالنظم والمعايير الاجتماعية، وهنا تؤكد الجماعية على الانسجام والتناغم والإجماع  ولذا فإنها تولد ضغوطاً فاعلة نحو الالتزام بمعايير الجماعة لإمكانية القبول والإذعان كآلية لتحقيق الإجماع وتجنب النزاع.
5 - التواد:
ويعني الحاجة إلى الانضمام أو العشرة، وهو - التواد- من أهم الدوافع الإنسانية الأساسية في تكوين العلاقات والروابط والصداقات. ويشير إلى مدى التعاطف الوجداني بين أفراد الجماعة والميل إلى المحبة والعطاء والإيثار والتراحم بهدف التوحد مع الجماعة، وينمي لدى الفرد تقديره لذاته وإدراكه لمكانته، وكذلك مكانة جماعته بين الجماعات الأخرى، ويدفعه إلى العمل للحفاظ   على الجماعة   وحمايتها لاستمرار بقائها وتطورها، كما يشعره بفخر الانتساب إليها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024