يعتبر الدفع بعدم دستورية القوانين من قبل الأفراد في الجزائر آلية جديدة استحدثها التعديل الدستوري لعام 2016، يمكن بموجبها لأي مواطن اللجوء إلى القضاء - وفقا للإجراءات المحددة قانونا - لتقرير مدى اتفاق النص القانوني أو التشريع المطعون فيه مع أحكام الدستور.
يعتبر الدفع بعدم دستورية القوانين من قبل الأفراد في الجزائر آلية جديدة استحدثها التعديل الدستوري لعام 2016، يمكن بموجبها لأي مواطن اللجوء إلى القضاء - وفقا للإجراءات المحددة قانونا - لتقرير مدى اتفاق النص القانوني أو التشريع المطعون فيه مع أحكام الدستور.
ولا شك أن هذه الآلية الدستورية الجديدة المخوّلة للأفراد تعتبر وسيلة للدفاع عن مبدأ الشرعية الدستورية من جهة أولى، وكذلك آلية في يد الأفراد للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم التي يضمنها لهم الدستور من جهة ثانية.
فقد جاء في المادة 188 من التعديل الدستوري لعام 2016 أنّه يمكن إخطار المجلس الدستوري بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة عندما يدعي أحد الأطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق و الحريات التي يضمنها الدستور.
لذا، فإنّ المؤسّس الدستوري قطع شوطا كبيرا في تعزيز منظومة الحقوق والحريات المعترف بها للمواطن الجزائري من خلال تمكينه من هذه الآلية المهمة قصد الحماية الدستورية لحقوقه وحرياته العامة عن طريق دسترة حقه في الدفع بعدم دستورية القوانين بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة.
كما أنّ المؤسّس الدستوري أسّس للرّقابة القضائية على دستورية القوانين وهي رقابة لاحقة وبعدية، وهذا خلافا للرقابة السياسية التي يضطلع بها المجلس الدستوري باعتباره هيئة مستقلة تكلف بالسهر على احترام الدستور، والتي تكون قبلية أو بعدية.
غير أنّ الدستور أحال هذه المسألة على القانون العضوي الذي ينظّم بموجبه كيفيات وإجراءات تطبيق الدفع بعدم الدستورية، وذلك خلال فترة انتقالية مدّتها ثلاث سنوات قصد توفير الظروف اللازمة لتطبيق حق الأفراد في الدفع بعدم دستورية القوانين.
وعليه سنتناول من خلال هذا المقال موضوع حق الأفراد في الدفع بعدم دستورية القوانين، وهذا تطبيقا لأحكام التعديل الدستوري لعام 2016، مع الاستئناس ببعض التجارب الدستورية المقارنة.
أولا: الرّقابة على دستورية القوانين من خلال المجلس الدّستوري
تعد الرّقابة على دستورية القوانين إحدى الآليات الجوهرية التي لا يمكن التغاضي عنها لبناء أي نظام ديمقراطي تعددي، وهي وسيلة تضمن الأطر والأسس اللازمة لتشييد دولة القانون، وقد برزت مسألة إنشاء المجلس الدستوري في النظام الدستوري الجزائري منذ دستور 08 سبتمبر 1963 بالنص على إنشاء هيئة تدعى المجلس الدستوري مهمتها الفصل في دستورية القوانين والأوامر التشريعية بطلب من رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الوطني، ومع ذلك بقيت هذه الهيئة حبرا على ورق ولم يتم تفعيلها، إلى غاية صدور دستور 1989 الذي أقرّ إنشاء مجلس دستوري مهمته الرقابة على دستورية القوانين والتنظيمات ومراقبة الانتخابات التشريعية والرئاسية وتقديم الاستشارة لدى لجوء رئيس الجمهورية تطبيق بعض التدابير الدستورية، كما تم الإبقاء عليه في دستور 1996.
إنّ الرقابة على دستورية القوانين نتيجة منطقية لإحترام تدرج القوانين وسمو الدستور، سيما أن سيادة القانون هي أساس المساواة والحكم في أي دولة، وهي تستوجب عدم خروج القوانين والتشريعات على أحكام الدستور بإعتباره القانون الأساسي الذي يضمن إلتزام سلطات الدولة بأحكامه.
كما أنّ الرقابة على دستورية القوانين في الحقيقة، قد تأخذ العديد من الصور يمكن تحديدها انطلاقا من عدة أوجه، فيمكن أن تتم الرقابة بواسطة هيئة سياسية أو بواسطة هيئة قضائية، كما يمكن أن يكون نظام الرقابة الدستورية مركزي أو غير مركزي، عن طريق الدعوى الأصلية أو عن طريق الدفع، أو من خلال الرقابة السابقة أم الرقابة اللاحقة.
بالرجوع إلى نص المادة 186 من الدستور الجزائري، نجد أنّ المجلس الدستوري هو الذي يفصل في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات، حيث يبدي رأيه وجوبا في دستورية القوانين العضوية التي يصادق عليها البرلمان، كما يفصل في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور، وذلك بعد إخطاره من قبل رئيس الجمهورية، مع الإشارة إلى أنه يمكن كذلك لكل من رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني إخطار المجلس الدستوري، وقد أعطى التعديل الدستوري لعام 2016 الحق لكل من الوزير الأول، خمسين (50) نائبا بالمجلس الشعبي الوطني أو ثلاثين (30) عضوا بمجلس الأمة الحق في إخطار المجلس الدستوري.
ثانيا: حق الأفراد في الدّفع بعدم الدّستورية في النّظام الدّستوري الجزائري والأنظمة المقارنة
يختلف نظام الرقابة على دستورية القوانين من طرف الأفراد في مختلف الأنظمة الدستورية المقارنة، حيث يتميز نظام الرقابة على دستورية القوانين في النموذج الأمريكي بأنه نظام لامركزي تمارسه كل المحاكم، والقاضي يفصل فيها عن طريق الدفع حين تطبيق قانون ما على شخص معين، وتتميز هذه الرقابة بأنها رقابة لاحقة بإعتبارها تنصب على قانون ساري المفعول، مع ملاحظة أن النموذج الأمريكي لم ينص عليه دستور الولايات المتحدة الأمريكية ، ولم يتقرر دفعة واحدة و إنما جاء نتيجة إجتهاد القضاء وتأييد الفقه له.
كما أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعرف ثلاثة أساليب للرقابة على دستورية القوانين، وهي أسلوب الدفع الذي يعني ممارسة القضاء للرقابة على دستورية القوانين، بمناسبة دعوى مرفوعة أمامه، ويطلب فيها تطبيق قانون معين، ليدفع أحد أطراف الدعوى بعدم تطبيق هذا القانون في الدعوى لعدم دستوريته.
وكذلك أسلوب الأمر القضائي والمقصود به طلب أحد الأفراد من المحكمة لتصدر أمرا بوقف تنفيذ قانون معين ضدَّه على أساس أنه غير دستوري، وفي هذه الحالة إذا رأت المحكمة أن الطلب مؤسس تصدر أمرا بعدم تنفيذ القانون على الشخص.
إضافة إلى أسلوب الأحكام التقريرية الذي يعنى به حق الشخص في أن يطلب من المحكمة عدم تنفيذ قانون ما عليه بحكم أنه غير دستوري، وفي هذه الحالة يتوقف تنفيذ ذلك القانون على الشخص المعني إلى غاية صدور حكم المحكمة، وإذا قررت المحكمة عدم دستورية القانون، يمتنع الموظف عن تطبيقه.
أما بالنسبة للوضع في الإمارات العربية المتحدة مثلا، فقد قرَّرت المادة 99 من دستور 1971 المعدل، أن المحكمة الاتحادية العليا تختص بالفصل في دستورية القوانين والتشريعات واللوائح عموما، إذا ما أحيل إليها هذا الطلب من أية محكمة من محاكم البلاد أثناء نظر دعوى منظورة أمامها وعلى المحكمة المذكورة أن تلتزم بقرار المحكمة العليا الصادر بهذا الصدد، وهو ما أكّدته كذلك المادة 33 / 4 من القانون الاتحادي رقم 10 لسنة 1973 المتعلق بالمحكمة الاتحادية العليا المعدل بنصها على أنّه “تختص المحكمة العليا دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين والتشريعات واللوائح عموما إذا ما أحيل إليها هذا الطلب من أية محكمة من محاكم الاتحاد أو الإمارات الأعضاء أثناء دعوى منظورة أمامها.
هذا، وقد تقرَّر حق الأفراد في الدفع بعدم دستورية القوانين في النظام الدستوري الفرنسي، بموجب تعديل المادة 61 من الدستور الفرنسي، الذي تم في 23 جويلية 2008، فقد جاء في المادة 61 / 1 من الدستور الفرنسي أنه إذا ثبت أثناء النظر في دعوى أمام جهة قضائية، أن نصا تشريعيا يمثل اعتداء على الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور، جاز إخطار المجلس الدستوري - بناء على إحالة من مجلس الدولة، أو محكمة النقض - بهذه المسألة التي يفصل فيها في أجل محدد، غير أن هذه المادة أحالت إلى القانون الأساسي ليحدد شروط تطبيق هذه المادة، وقد صدر القانون الأساسي رقم 1523 لسنة 2009 المتعلق بالمسألة الأولية الدستورية، حيث حدّد شروط وإجراءات الدفع بعدم الدستورية من طرف الأفراد.
يتبع