العصبية المتجذرة فينا ...كيف نحاربها ـ؟ا

بقلم : جمال نصرالله

لا شك أن علم النفس الإجتماعي اليوم  كان قد حقق تقدما ملموسا في تشخيص ظاهرة العصبية بمختلف ألوانها وأشكالها. دون أن يقدم حلولا شافية مثلها مثل الكثير من الظواهر السلوكية لدى الإنسان المعاصر. وأغلب الظن أن الدارسين ركزوا على البيئة كعامل مهم وأرضية خصبة لنمو هذا الداء العويص ...والمقصود هنا ليس البيئة الاجتماعية أوالأسرية التي تعمل عل تنشئة الإنسان بل المقصود هو البيئة المناخية الجغرافية. ذلك ما أوجد عصبية متنوعة تنوع الأولى. ويحفظ عامة العرب فضل العلامة ابن خلدون في هذا المضمار الذي أحاط بطريقة تلسكوبية مشهدا عاما وليس دقيقا عن تغلغل العصبية في نفوس جعلت منهم مرضى من حيث لا يدرون؟ا وقبل هذا فالأحاديث النبوية نبهت وحذرت من تصرقات القادة والجند وحتى العامة من الناس الذين يطلقون العنان لغرائزهم كي تتصرف وتتحكم في السلوك. ولا يمكن البتة أن نفصلها عن أي مجتمع أو فرد  في أي بقعة من العالم. فهي تمس الجميع وقد أخطأ الكثير من الباحثين عن أنها تلزم الانسان العربي دون سواه ؟ لا فهي تلازم الأوروبي والأسيوي والأمريكي والأسترالي والصيني والألماني لأنها تترجم توجه فكري حصري ومنغلق نتيجة الحب والتعلق بذات نرجسية أو بقوم ما.
ربما الكثير منا يحفظ حادثة الرسول الكريم مع أبا ذر الغفاري يوم نادى أحد الصحابة بابن السوداء كنية بأمه. وحين سمعه النبي محمد أشار له بأنه جاهل. فلجأ أبا ذر إلى معاقبة نفسه غامسا رأسه في الرمل. وحين شوهد قال (والله لن أرفع هذه الرأس حتى تطأها قدم ابن السوداء) وهو سلوك حليم منه أراد به أن يعاقب به نفسه نظير ماشعر به من ذنب في حق هذا الصحابي الذي ناداه بغير اسمه الحقيقي. ومن المؤكد أنها ذرة حصى من مجموع عصبيات تمجد الذات وتحتقر أو تستخف بالأخر وقد تنبه لها نبينا الكريم محمد وخاطب عموم الناس بمحاربتها خاصة في خطبة الوداع يوم بدأ بعبارة يا أيها الناس ولم يقل أيها القوم أو الشعب أو الجنس أوبني كذا؟ا(وهنا دلالة رمزية بأن الإسلام دين العالمين ) حب الذات إذا هو صورة مصغرة لحب العشيرة أو القبيلة أو القرية أو الدولة ولو على حسابات الحق والانصاف المتفق عليها. فإذا فعل هذا التسلسل الهرمي فعله تقوّت العصبية، ورمي بمبادئ التعايش نحو المزبلة. ولم تعد هناك قوانين ضبطية ولادساتير ولا حقوق انسان ولاحريات عامة أو فردية، إنما هناك ذات متجبرة. تتسلل متعجرفة لتؤكد نفسها ولاشيء غير نفسها٫
لأنها كما أشرنا تكونت وترعرعت بين مراحل عصيبة قاسية وخضعت لتنشئة طبيعية وتربوية لاتؤمن بالتنافس الحر ولا بالتعددية في مختلف مجالات الحياة. وعليه فقد شخصها علم الاجتماع بمختلف فروعه وتوجهاته. لكن علاجها لا يحتاج لأقراص أو لمسكنات. إنما علاجها ثقافي حضاري وتنويري. قاعدته الخطابات الموجهة مباشرة وجها لوجه وبحجج وإقناعات دامغة صرفة.

شاعر وصحفي  

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024