من أكبر المشكلات التي لازالت تواجهها الجزائر، والتي اشتد وقعها مع بداية القرن الواحد والعشرين، هي مشكلة القمامة (الزبالة اليومية)، فقد باتت كالشبح الذي لا يمكن القضاء عليه، وكلّما حاولت بعض الجهات فعل ذلك إلا وازدادت تجبّرا وضخامة.
هي شبح طلع للوجود نتيجة أسباب ما، وعوضا أن نتوجه لعملية القضاء على وجوده، رحنا نحارب ما يفرزه ويدرّه علينا هذا الأخطبوط المارق! حتى بات يستعرض عضلاته أمامنا كأنّه القمقم السّاحر ونحن الأقزام السجناء! بل صار كالمرض الخبيث ينهش الجسم يوميا.
والسؤال المطروح: هل خلت الجزائر من مساحات جغرافية تكمن أهميتها في دفن هذه النفايات؟ أم أنّ السلطات المحلية في كل بلدية عاجزة عن تغطية هذه الظاهرة وتوفير آليات كافية شافية؟ تعمل على الفضلات اليومية ورميها حيثما وجب الرمي بعيدا عن مناخ الإنسان الصحي، حيث يستحيل أن تجد بلدية في الجزائر تخلو من مظاهر النفايات وتراكم الأتربة إلا ما رحم ربك.
فإن نجت واحدة أو اثنتين من ذلك، أكيد أنّك ستجدها تتوفر عليها بمحاذاة الأطراف والمداخل أو المخارج، بل أن العديد من البلديات وشوارع المدن الكبرى تحوّلت إلى ورشات، إذ ليس العيب في هذه الأشغال والإصلاحات في الأعطاب، إنما نحن نتحدّث عن القمامة اليومية وكل ما يتركه المواطن لأشهر وسنوات دون تدخّل جهة من الجهات قصد إبعادها عن الوجه العام.
فهل نملك اليوم نحن الجزائريين ثقافة القمامة؟! أم أنّ أصل الداء يترجمه غياب السلطات التي بدورها تتحجّج عند كل مساءلة بأنّها لا تملك المرافق الضرورية لذلك، وأن ميزانيتها لا تسمح بذلك؟ ثم هل نجد في كل بلدية مصلحة خاصة تسمى مصلحة النظافة اليومية تملك عتادا محترما وفيلقا من العمال؟! أكيد ـ لا ـ فقط كلما في الأمر أنّه كان ولازال هناك مكاتب للصحة، والتي لا تتحرك إلا بصفات دورية سنوية، ولا تخرج لأرض الواقع إلا من أجل رشّ المبيد بداية الربيع لقتل الناموس أو إبادة الكلاب الضالة والمسعورة!
النّظافة فعلا تبدأ من المواطن كما يقال، فغالبا ما تجد بيتا تدخله وتبهرك نظافته وديكوره، لا لشيء سوى أن أصحابه يملكون نظاما منزليا خاصا بالتنظيف. وقديما قال أحد العلماء: «أينما تجد الفوضى لا تجد طعاما»، كذلك الفرد هو نسخة أو مرآة تعكس وتجيب عن سؤال هل هو نظيف أم لا؟! كذلك المؤسسات العمومية، فإذ كانت أي بلدية تعاني من مشكل الأوساخ، فأصابع الإتهام توجه للمجلس البلدي المتقاعس طبعا لأنّه حتما هناك خللا طارئا، لأنّ الجزائر ليست بدولة فقيرة بالمعنى التام، حيث لا تنفع التحججات القائلة بعدم توفر المركبات والشاحنات، والأخرى الخاصة بصرف القمامة والنفايات، فالبلدية التي لا تضع سياسة تنظيفية في المقام الأول ونصب أعينها، أكيد بأنها سوف تعاني الويلات حاضرا ومستقبلا. زيادة على عدم وجود أوجه مقارنة أبدا مع باقي القرى والمدن الأوروبية الصغرى، فما بالك بالكبرى؟! فهل المواطن الأوروبي خُلق كذلك أم أنه يملك عقلا أرجح من عقلنا؟ الأمر كذلك ينطبق على مسؤوليها، لذلك فمسألة القضاء على ظاهرة المشاهد اليومية المقززة تحتاج إلى تخطيط مسبق، وخطة برامجية تعمل بنسق وضبط متواصلين، يومها يمكن تدارك العجز والقضاء عليه نهائيا من تفكيرنا. وقتها تحين العزائم والإرادات الكفيلة بوضع مخطط عاجل ومن الأولويات القصوى لهذه المحنة ـ عفوا ـ المرحلة بالذات لأنّه وجب على القائمين على سلطة القرار في هذا البلد خلق وزارة خاصة بهذا الشأن كحل استعجالي بعدها يمكن الحديث عن دولة ومدن سياحية، وكذلك يحلو الحديث عن صحة المواطن وبيئة خضراء وملاعب معشوشبة. ماعدا هذا فسيأتي اليوم الذي نشتكي فيه من أمراض قاتلة وخطيرة تجلبها لنا قمامتنا اليومية مثلما يحدث في دول إفريقية معروفة كـأمراض الكلاميديا والحُمى القرمزية والسل وغيرها من الأمراض البكتيرية؟!
لهذا وذاك لابد أن نطرد من تفكيرنا ونهائيا ثقافة البريكولاج، ونتحوّل من هذه الأخيرة إلى دولة الاستعجالات؟!