الدبلوماسيــــــة الجزائريـــــــة تفكك شفرة الاقتصـــــــاد بالسياســـــــة

تسقيـــف الإنتـــــاج وتداعياتـــــه علـــــى التقارب الإيراني – السعودي

بقلم: نور الدين لعراجي

مشاورات مكثفة لتحديد الحصص قبل لقاء فيينا

أثبتت قمة نادي الصنوبر التي انعقدت بالجزائر مابين 27 إلى 29 من شهر سبتمبر المنصرم، وجمعت الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبيك» وبعض من باقي الاقطار المستهلكة للذهب الأسود ، كما عرف اللقاء حضور كبار خبراء ميدان الطاقة ورؤساء كبريات الشركات النفطية في العالم.
المنتدى الدولي للطاقة في طبعته الـ15 جاء عكس كل التوقعات التي رمت بظلالها على انعقاده وأثناء الأشغال وخلالها ايضا ، ما رجح بعض التخوفات الظرفية لبعض دول الاعضاء والمشاركة ، لكن سرعان ما زالت كل هذه المخاوف  ، وباعتباره حدثا مفصليا في تاريخ المنظمة ، فأن الجزائر بدورها كسبت رهان جلوس الاطراف جميعها الى طاولة المفاوضات والنقاش ، قبل ان تكلل الجلسات الرسمية والاستثانية على اتفاق من شانه وضع ميكانيزمات انية تسير وفقها الاوبيك ، وهي خارطة طريق امام الاطراف المنتجة للنفط لكي ترسم من خلال قمة الجزائر ، سياستها النفطية في ما يتعلق بالحصص وهو امر ليس بالبعيد مادامت نتائج القمة بالجزائر رسمت ملامح هده الارضية ولو الى حد بعيد من الاتفاق والتفاهم.
العالم يضبط عقارب الساعة نحو الجزائر.. مفارقة هي أم صدفة
ارتبط شهر سبتمبر بميلاد منظمة الدول المصدرة للنفط في 14 من نفس الشهر سنة 1960 وهي الجزائر ، أنغولا الغابون ، نيجيريا ، ليبيا ، العراق ، الكويت ، الامارات العربية المتحدة ، اندونيسيا ، ايران والمملكة العربية السعودية ، فنزويلا ، الاكوادور،وهو نفسه الشهر الذي يرسم معالم طريق جديدة لدول الاعضاء  لتكون الجزائر فيه صاحبة المبادرة ، وتحاول رفقة الأعضاء إعادة رسم السياسة الطاقوية في سوق النفط ، مع رفع العائدات والتحكم في الاسعار التي شكلت فارقا حقيقيا في العالم ، خاصة لدى الدول المنتجة ، وفي ظل تأثيرات الربيع العربي الذي مازال يهدد انتاج بعض دول المنطقة العربية مثل ليبيا وتحكم التنظيم الارهابي داعش في ابار النفط واستغلاله لعصابات المخدرات والبشر ومقايضته بالسلاح ، نفس الامر يبدوا متعبا وخطيرا وهي التفجيرات التي الاخيرة التي مست السعودية باعتبارها البلد الاكثر انتاجا بمعدل 12 مليون برميل يوميا ، دون ان ننسى التهديدات والأعمال التفجيرية التي تقوم الجماعات المسلحة « بوكو حرام « في نيجيريا .ولا حتى تلك البواخر المحملة بالمادة  الطاقوية ويتم تحويل وجهتها عناصر القراصنة خاصة قرب ايرتيريا والصمام ، دون ان ننسى حالة الحصار الذي تعرضت لها ايران لاكثر من عقد من الزمن ، وحالة الفوضى واللااستقرار ما تعيشه العراق وسوريا .
هذه الاسباب هي الاخرى كفيلة بالمتابعة والمراقبة لضمان الحد الادنى من سلامة وضمان الملاحة البحرية ، ناهيك عن عوامل اخرى انهكت المنظمة مما ربما قد يساهم في التقليل من حصتها المقدرة ب 40 بالمائة وهو ما توفره من النفط العالمي ، إضافة إلى 80 بالمائة من الاحتياطي العالمي وهي تنتج حاليا ما يقدر ب 33 مليون برميل يوميا .
أنظار العالم ضبطت عقاربها بتوقيت الجزائر وتابعت مجريات القمة وما أسفرت عنه من نتائج ايجابية وتاريخية ،في تاريخ  ناهيك عن الاتفاق المبدئي  لرسم هذه الرؤية  وحسب اراء الخبراء سواء من حيث التوقيت او ما يشهده العالم من تحولات خاصة في المنطقة العربية والافريقية ،فان الموعد في حد ذاته هو تحدي بكل المواصفات .
 سعت الدبلوماسية الجزائرية الى تذليل عقبات الموعد التاريخي في مشاورات حملت التصورات الاستشرافية  والمستقبلية للذهب الاسود ،وزيارات قادتها الى عديد الدول الاعضاء المؤثرة  من حيث تواجدها الجيو- استراتيجي  فسبقت القمة ،وهي مفاوضات كانت لبنة سليمة في دفع هذه المنظمة لصناعة قرارها الاقتصادي الممثل في حسم الاشكالات المتعلقة بالعرض الفائق للطلب ، والعالقة منها كالسعر المتدني للبرميل أين وصل ادنى التوقعات ليظل دون الاربعين دولار ما ينعكس سليا على الدول المنتجة ويخلخل ميزانها التجاري ، ويؤثر على سياستها في الراهن.
يتضمن «الانتقال الطاقوي «الذي كان شعار القمة ، كل ما تعلق بسوق المحروقات ورهان الاستقرار اضافة الى رهانات وهيكلة سوق الغاز الطبيعي ، دون ان ننسى أفاق الطاقات المتجددة والرهانات المطروحة حولها ، باعتبارها البديل القادم ، خوفا من التهديدات الايكولوجية التي تهدد المعمورة ووصلت الغلاف الجوي ، ما يعجل بكارثة ايكولوجية حذرت منها العديد من الابحاث والتنبؤات بشأنها ، وان كانت برمجتها في اللقاء ليس من حيث الاثارة وانما من إشعار الاطراف بأهمية الأمر إلا انها في المستقبل القريب ستلقي بظلالها على قمة فيينا.

الدبلوماسية الاقتصادية في الموعد

تبني اجتماع الجزائر إجماع يتوقف على بناء قاعدة قوية لمصالح مشتركة وصلبة بين الدول الاعضاء ، ومجابهة رياح أزمة كان لها الاثر البليغ في اقتصاديات الدول سواء تلك المنتجة للنفط  او المستهلكة  له، في ظل التجذابات التي طفت على السطح منذ الازمة الايرانية - السعودية وتدهور العلاقات الثنائية بين البلدين ما أثر سلبا على حالة الاستقرار وتدهور السوق النفطية بكثير من التشنجات التي رافقت المرحلة وزادت حدتها بعد أعباء إضافية  لم تكن متوقعة ، ترتب عنها زيادة في حجم الانتاج وتدني سعر البرميل الى اسوء مرحلة عرفتها السوق النفطية .
تأكيد تسقيف انتاج الاوبيك بين 32.5 و33 مليون برميل يوميا ، من شأنه المساهمة في استتباب مؤشرالتوازن في لسوق النفطية ، وان كانت المحادثات عكست روح التشاور والتفاهم فقد ضمنت المسار الايجابي للقاء الاوبيك بالجزائر.

وزراء الطاقة لدول الأعضاء يثمنون اتفاق الجزائر وارتياح للنتائج المسجلة

عكس كل الشكوك والتأويلات التي راحت الصحافة الغربية تروج لها وتطلق حولها احكاما مسبقة انتعشت اسعار النفط لأكثر من أثنين بالمائة في الوقت الذي كانت أشغال القمة قائمة ما يعني أن بوادره اللقاء بدأت في جني الحلول الانية المراد الوصول اليها بأقل الاضرار،بل هذا ما يكون حافزا لانتعاشها الاكثر في الايام القادمة الى غاية نوفمبر المقبل ، الامر نفسه عبر عنه كل وزراء الطاقة للدول الاعضاء في المنظمة ، حيث ثمن رئيس «اوبك « محمد بن الصالح السادة وزير النفط القطري  أن ستة  ساعات من المفاوضات التي شهدها الاجتماع تمت كلها بصفة جماعية نافيا وجود أي مفاوضات ثنائية ، معتبرا ان النقاش تم في اجواء ايجابية جدا سادتها روح التعاون ، موضحا في ان تفهما ابدته دول المنظمة تجاه ثلاثة اعضاء بالنظر الى لظروف والأوضاع التي تمر بها وهي ليبيا وإيران ونيجيريا وهو ما سيأخذ بعين الاعتبار في توزيع الحصص
ما عبرعنه كل من وزير النفط الايراني بيجان نمدار زنغنة عن رضا بلاده لنتائج الاجتماع ، هو الارتياح نفسه الذي عبر عنه نظيره النيجيري ايمانويل  ايبي كاشيكوو واصفا الاتفاق بالجد الايجابي ، كما لم يفوت يولوخيو ديلبينو الوزير الفنزويلي للطاقة  الموعد التاريخي ليثني بكل فخر على روح التفاهم والتشاور التي سادت اجتماع الجزائر ، مبررا القرار الذي خرج به الدول الاعضاء في المنظمة سيعمل على اعادة الاستقرار للسوق النفطية ، معتبرا أهمية المشاورات التي ستجريها المنظمة مع الدول المنتجة للنفط والتي هي خارج «اوبيك» من اجل تحسين مستوى هذه السوق يشكل انجع مشيرا الى اجتماع يجمع أعضاء «اوبيك «بلدان منتجة خارج المنظمة قبل الاجتماع العادي المرتقب ل «أوبك « بفيينا .
الطرف العراقي جبار علي حسين اللعيبي ذكر بأن اللقاء توصل الى قرارات ناجحة ومفيدة من اجل ضبط انتاج  أوبيك «معتبرا ان توزيع حصص الانتاج على الدول المنظمة سيتم ضبطه من قبل اللجنة العليا.

إذابة الجليد بين السعودية وإيران والتفتح نحو السوق الإقليمية صمام الأمان

ما من شك أن الجزائر لعبت دورا محوريا في تلطيف الأجواء ما بين الدول الاعضاء وساهمت الى حد كبير في اذابة الجليد المتوارث خاصة تلك الفجوة الموجودة بين ايران والسعودية ، قصد المضي قدما نحو أفق جديد قائم على المصلحة المشتركة بما يخدم مصلحة الشعوب وتطوير بنى الدول في ظل افاق اقتصادية جديدة .
الخطوة وان اعتبرها خبراء الاقتصاد والمحللون تأتي في وقت اقتصادي عصيب يتملكه راهن المستجدات التي طرأت على المشهد السياسي العالمي ، وتفاقم أوجه التوتر بين الجارتين ، حتى وان كانت الاسباب تاريخية تارة ودينية عرقية في الجهة الأخرى ، إلا أن ذلك التوتر ما هو الا مزاجات سياسوية بأوجه مختلفة ، لم يكتب لها ان خطت على سكة التنازلات حتى يطوى  هذا الصراع القائم منذ زمن .
إن ابقاء العربية السعودية على حصتها والمقدرة بـ10.مليون برميل في اليوم خلال جانفي 2016، مقابل ذلك التزام ايران بحصة 3.6 مليون برميل في اليوم ،وعدم المغامرة نحو انتاج 4.2مليون برميل في اليوم ، الأمر الذي راعت فيه الجزائر كل الظروف الخاصة للبلدين محققة اجماعا تاريخيا توافقيا مبني على بروتوكول اتفاق يتم فيه تجميد الانتاج في حدود ما اشرنا اليه سابقا .
امام هذه الخطوة الناجحة تبقى على الجزائر الاستثمار في السوق لافريقية باعتبارها بوابة القارة ناهيك عن دورها في منطقة المغرب العربي ومحاولتها السياسية لإيجاد مخرج سلمي عادل  حول الصحراء الغربية ، بإشراف أممي طبعا في اطار الشرعية الدولية .
السوق الافريقية اليوم في حاجة الى نفس جديد يمكنه ان يخلق منها محطة جديدة بنفس وتوجه مخالف وذلك لعدة اعتبارات ، يمكن حصرها في هذه النقاط .
1 - دور الجزائر المتواصل في اقامة لسلام والحرص على استتباب الأمن في افريقيا.
2 - مرافعاتها الدائمة والمتواصلة على ان افريقيا تملك كل المؤهلات لتكون قطبا اقتصاديا عالميا بعيدا عن مظاهر الحروب والفقر .
3- توفرها على الخط الصحراوي الكبير الذي يشق القارة ما يساعد ها في تنقل السلع ودخولها.
4 امكانية إنشاء منطقة سوق حرة كما هو الحال في السودان.
5- استقرارها السياسي والامني واعتبارها بوابة مفتوحة على الضفة الاخرى من المتوسط.
قد تكون هذه العوامل وغيرها مساعدة جدا للاستثمار في هذا التوجه الجديد نحو السوق الافريقية التي ستكون البديل في منطقة افريقيا امام التخلخلات والهزات التي قد تحدث مستقبلا في الاتحاد الاوروبي خاصة بعد خروج التاج البريطاني من المجموعة ما يهدد استقرارها وتوازنها الاقتصادي كتلة  اقتصادية خاصة بعد تلميحات المانيا وبعض الدول الاخرى بمغادرة السرب الاوروبي.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024