أثرى المكتبة العربية الإسلامية بمؤلفات قيمة

العلامة محمد الخضر حسين الحزائري قامة فكرية

جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية 1944 بعد توقف جمعية تعاون جاليات إفريقيا الشمالية، وقبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، بادر العلاّمة محمد الخضر حسين، رفقة مجموعة من الوطنيين والمناضلين المخلصين من شمال إفريقيا بتأسيس جبهة جديدة، تجمع شتات جاليات أقطار المغرب العربي المقيمة بالقاهرة، لتكون أشدّ وطأة على المحتل الفرنسي، الذي عبث بتراث وقيم ومبادئ وثروات الجزائر وتونس والمغرب الأقصى، إلى جانب الجزء الأكبر من ليبيا ( فزّان ) وكان ذلك بتاريخ 01 ربيع الأول 1364 هـ الموافق18 فبراير 1944 م ( 13).
ولذلك فقد عمل على جمع شرائح واسعة من الجالية المغاربية في مصر حول مشروعه التحرري الجديد (جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية) وقد كتب المجاهد الجزائري الأستاذ الفضيل الورتيلاني ــ أحد مؤسّسي الجبهة ــ يقول:»ولما جاء عام 1944 تألفت هيئة عامة لجمع الشمل، وتوحيد الرأي والكفاح، سميت (جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية) تحت رئاسة العلامة الجليل شيخ الأزهر سابقا الأستاذ الأكبر محمد الخضر حسين وسكرتارية الأستاذ الفضيل الورتيلاني، وضمت أعضاء من جميع أقطار المغرب العربي، ومن جميع الهيئات والأحزاب، ووضعت لها قانونا أساسيا استهدفت فيه بالدرجة الأولى؛ استقلال هذه البلاد، استقلالاً تاما لازَيْف فيه، ووحدة كاملة شاملة لانقص فيها، فأبلت هذه الجبهة بلاءً عظيما في سبيل تنمية روح الاستقلال والوحدة في نفوس أبناء المغرب العربي»(14).
جمعية الهداية في الميدان
وقد اتخذت هذه الجبهة من دار جمعية الهداية الإسلامية في القاهرة مقرا لها، والتي كان الخضر الحسين رئيسا لها ورئيسا لتحرير مجلتها (الهداية الإسلامية). وفي الاجتماع التأسيسي الأول الذي عقد في ذي الحجة 1363هـ1944، تمّ انتخاب الشيخ محمد الخضر حسين رئيسا لها.
وقد تشكل المكتب من السادة:
-الشيخ محمد الخضر حسين، عضو مجمع فؤاد الأول للغة العربية (رئيسا).
-الأمير مختار الجزائري، من عائلة الأمير عبد القادر الجزائري ورئيس لجنة الدفاع العليا عن الجزائر(نائبا للرئيس)
-نجيب بك برادة، عضو مجلس الشيوخ المصري (نائبا للرئيس)
-الأستاذ الفضيل الورتيلاني، سكرتير لجنة الدفاع عن الجزائر (سكرتير عام)
-الأستاذأحمد بن المليح (سكرتير مساعد)
-الأستاذ محسن مصطفى بيرم (سكرتير مساعد)
-السيد السعيد أفندي عمر فايد، من كبار التجار (أمين المال)
-السيد أفندي السعدي، من التجار(سكرتير مالي)
-السيد مصطفى بك بيرم، مستشار بالمحكمة المختلطة سابقا(مستشار)
-السيد محمود بك الطوير(مستشار)
-الدكتور محمد عبد السلام العيادي(مستشار)
ومن أعضائها المستشارين:
-الشيخ إسماعيل علي، المدرس بمعهد القاهرة
-الشيخ السعدي محمد، المدرس بمعهد القاهرة
-الشيخ إبراهيم اطفيش الجزائري، موظف بدار الكتب المصرية
ـ الحاج حسن التلمساني، تاجر.
وبعد تأسيس الجامعة العربية عام 1945، انتَخَب أعضاء الجبهة بالإجماع للتمثيل والاستشارة في هذا التنظيم العربي الآتية أسماؤهم:
-فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين
-الأستاذ الفضيل الورتيلاني
- الأستاذ نجيب بك برادة
ــ الدكتور محمد عبد السلام العيادي
وقد أصدرت الجبهة نـداءها الأول فبيّنت من خلاله جرائم فرنسا الاستعمارية في الأقطارالأربعة: (الجزائر، تونس، المغرب الأقصى، ليبيا). ومما ورد في هذا النداء».. وما ارتكبته ــ أي فرنسا ــ من فظائع التنكيل والتقتيل، مما زاد الوطنيين حماسة لقضيتهم وقوّى اتجاههم إلى العمل لتحرير أوطانهم، وقد عَرَفَ صدق عزيمتهم جاليات في مصر من أبناء تلك البلاد، فانشؤوا جبهة تدعى (جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية) لتكون عونا لتلك الشعوب على بسط قضيتهم للعالم الإسلامي، وتتولى الدفاع عنها بيقظة وحزم، وتعمل لهزّ العواطف النبيلة في نفوس الأمم الإسلامية، حتى يشدّوا أزرها في العمل لتحرير وإسعاد خمسة وعشرين مليونا من العرب المسلمين، وإنقاذهم من الاندماج في الجنسية الفرنسية، وانقلابهم إلى الديانة النصرانية وهما الغرضان اللذان تعمل لهما فرنسا ليلها ونهارها»(15 ).
  وقد انظم إلى هذه الجبهة العديد من السياسيين والمصلحين المقيمين في مصر، على غرار المناضلين في الحزب الحر الدستوري التونسي، وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وحزب الشعب الجزائري، إضافة إلى العديد من السياسيين، كـ: مُحي الدين القُليبي، وأحمد تيمور باشا(16).
من إنجازات جبهة الدفاع من إفريقيا الشمالية:
من أبرز الأعمال والإنجازات التي قامت بها جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية؛ تحرير العديد من البرقيات، والمذكرات والرسائل والنداءات، التي كان العلامة الخضر حسين يوقّعها باسمه، وفي أحايين كثيرة تكون مقرونة بإمضاء سكرتير الجبهة الأستاذ الفضيل الورتيلاني، وقد وثّقت لنا مجلة(الهـداية الإسلامية) التـي كان الشـيخ الخضر يصدرها بالقاهرة، العديد من هذه المذكرات، ومن ذلك:
ــ برقية أرسلت إلى كل وزراء خارجية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، عام 1364 الموافق 1945.
ــ نداء وبيان حول الحالة المزرية التي كانت تعيشها أقطار المغرب العربي بسبب الاحتلال الفرنسي، وكذا الإسباني بشمال المغرب الأقصى.
ومما جاء في البيان: «فالفرنسيون بشمال إفريقيا كالإسبانيين ــ طبعا المتواجدين بشمال المغرب الأقصى ومازالوا إلى اليوم بمدينتي سبتة ومليليةــ يسيؤون إلى الإنسانية والعروبة والإسلام بالاعتداء على أموال تلك الشعوب وأعراضهم ودينهم، وتقتيل عشرات الآلاف منهم واعتقال عشرات الآلاف من الذين قاموا يطالبون بحقوقهم «(17)
ــ مذكرة إلى مؤتمر الجامعة العربية والتي أرسلت إلى سعادة عبد الرحمن عزام بك الأمين العام للجامعة، وقد عرضـت المذكرة ما يعانيه سكان تونس والجزائر والمغرب الأقصى (مراكش) من ألوان الاعتداء على الأنفس والأعراض والدين والأموال، وهنا يتضح جليا غلبة الجانب الشرعي الأصولي على فكر العلامة الخضر حسين، مستنبطا من مقاصد الشريعة الإسلامية كلياتها الخمس، وهي حفظ: (الدين، النفس، العقل، النسل، المال).
لم تكتف جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية بالمذكرات والنداءات التي توجهها إلى الجمعيات والمنظمات المحلية والعربية، بل عمدت كذلك إلى إرسال برقية إلى هيئة الأمم المتحدة، وبالرغم من قصر هذه البرقية التي لم تتعد صفحة واحدة إلا أنها استطاعت أن تصور بشاعة الاحتلال الفرنسي، آملة من هذه الهيئة تخليص أقطاره من الاعتداء الفرنسي ومما جاء في هذه البرقية التي وقّعها رئيس الجبهة الشيخ محمد الخضر حسين: «احتلت فرنسا تونس والجزائر ومراكش منذ عشرات السنين وجرت إلى احتلالها على أفظع ما يُتخيل من الاستبداد، ومازال سكانها وهم وارثو الحضارة العربية الأندلسية يطالبون بحريتهم فتزداد فرنسا إمعانا في اضطهادهم وتلجئهم إلى الثورة عقب الثورة»(18).
ــ بيان حول مجازر08 ماي 1945 بالجزائر، وقّعه سكرتير الجبهة الأستاذ الفضيل الورتيلاني معتبرا هذه المظاهرات العارمة بمثابة(ثورة الجزائر العربية)(19).
ــ وفي نفس السياق أرسلت الجبهة برقية إلى الجامعة العربية ودول الأمم المتحدة حول هذه المجازر الرهيبة وقّعها معا الشيخ محمد الخضر حسين والأستاذ الفضيل الورتيلاني، ومما جاء في البرقية «في بلاد الجزائر ثورة دموية واسعة النطاق، إنما هي وليدة العسف والاضطهاد الذي تصبُّه الحكومة الفرنسية على الوطنيين في غير رحمة، وإنّ مثل هذه الثورة لشهادة صدق على أن السلام العام الذي تلهج به الدول الديمقراطية، وتعقد له المؤتمرات وتبذل في سبيله ما تستطيع من المجهودات، لا ينتظم في شمال إفريقيا إلا أن تتخلص شعوبه من ذلك الاحتلال» (20)
ــ مذكرة مرفوعة من الجبهة إلى حضرة الملك عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، عند زيارته إلى القاهرة، وقد افتتح العلامة محمد الخضر الحسين هذه المذكرة بقوله: «إن فرنسا ــ يا صاحب الجلالة ــ هجمت على بلاد الجزائر منذ مئة وسبعة عشر سنة، ودافعها أهلها بحروب نظامية استمرت نحو سبع عشرة سنة، ولما تغلبت عليهم بكثرة الجند ووفرة السلاح بسطت عليهم سلطانها، وانتزعت منهم جميع حقوقهم الحيوية والسياسية، بل اعتبرت ذلك القطر قطعة من فرنسا» (21)  ليواصل في تشريح أوضاع بقية الأقطار.
ــ مذكرة إلى جامعة الدول العربية في بداية عام1946.
ــ نداء إلى كل من سلطان المغرب الأقصى، وملك شرق الأردن.
ــ رسالة في سبيل طرابلس، في 05 جوان 1946، وقّعها الأستاذ الفضيل الورتيلاني.
كما نشر المجاهد الفضيل الورتيلاني سكرتير للجبهة العديد من المقالات التي نشرت في الصحافة المصرية، ضمّنها كتابه (الجزائر الثائرة) المشار إليه آنفا (22)ومن ذلك مقال:
-سيتّحد أبناء إفريقيا الشمالية رغم أنوف المستعمرين، رداً على مقال لموريس فير نشر بيومية(لوموند) الفرنسية في 12/10/1946.
- إفريقيا الشمالية باستيل القرن العشرين، دولة الحرية والإخاء والمساواة تحارب الحريّة والإخاء والمساواة وتعتدي على الأديان والأعراض والأموال، في 28 سبتمبر 1946.
- يوم إفريقيا الشمالية بعد يوم فلسطين.
من نشريات الجبهة:
كما أصدرت جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية العديد من المطبوعات والنّشريات المختلفة، إلا أنها كانت صغيرة الحجم على غرار:
- نشـرة صغيـرة أبـرزت السيّـاسة الإجرامـية في تـونس، مـن خـلال حديث السفير الفرنسي بتونس ( 23)
- إصدار مذكرة في شكل رسالة صغيرة الحجم عام1948تحت عنوان ( تونس67عاما تحت الاحتلال الفرنسي 1881ــ 1948) وقد صدرت عن مكتب الدعاية والنشر التابع للجبهة، وهذا في ذكرى  احتلال تونس .

لقاءات جوارية وحفلات:
لم تكتف الجبهة بالنداءات والمذكرات والرسائل والمطبوعات، بل كانت تعقد اللقاءات والحفلات بالقاهرة وبغيرها لشرح مبادئها وأهدافها، ومن أبرز هذه الحفلات:
ــ حفل بفندق الكونتنتال بالقاهرة عام 1365هـ الموافق أواخر 1945، ألقى فيه العلامة الخضر حسين خطابا مطوّلا، استطاع من خلاله إبراز الأساليب الخبيثة للاحتلال الفرنسي، وتشريع الأوضاع المزرية التي تعيشها شعوب بلاد المغرب، في ظل احتلال استيطاني، مذكرا « ؤنّ شعوب إفريقيا الشمالية قد نفد صبرها، ولم تتمالك أن أصبحت تلح في طلب استقلالها وتتحفز للجهاد في سبيله ما استطاعت»( 24 ).
ــ حفل تكريم جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية للتونسيين اللاجئين إلى مصر في بداية 1946.
ــ حفل بدار الاتحاد العربي بالقاهرة في بداية 1946.
ــ حفل أقامته بتاريخ 05 أفريل 1946 تكريما للوفود العربية، وقد ألقى السيد عبد الرحمن عزّام باشا الأمين العام للجامعة العربية خطابا استجابة للأستاذ الفضيل الورتيلاني سكرتير جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية .  
^ للموضوع مراجع
«انتهي»

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024