قانون جاستا (JASTA) هو اختصارٌ لقانون «العدالة ضد رُعاة الإرهاب - The Justice Against Sponsors of Terrorism Act»، وقد أقرّه الكونغرس الأمريكي بتاريخ 30 سبتمبر 2016، على الرغم من محاولة إبطاله عن طريق الفيتو الرئاسي< للرئيس الأمريكي باراك أوباما.
يعتبر قانون جاستا تعديلاً على القانون الصادر عام 1967، والذي يُعطي الحصانة لبلدانٍ أخرى من الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة. ويأتي قانون «جاستا» بالتزامن مع الذكرى الخامسة عشر من الهجومات الإرهابية 11 سبتمبر/ أيلول 2003 خاصة تلك التي طالت برجي مركز التجارة العالمي وأسفرت عن مقتل نحو 3 آلاف شخص.
يتيح قانون جاستا للمتضرّرين توفير أوسع نطاقٍ ممكنٍ لمقاضاة ورفع دعاوى مدنية ضدّ الأشخاص أو الجهات أو الدول التي قامت بأعمال إرهابية، أو قدّمت دعما جوهريا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر إلى منظمات أجنبية أو أشخاص ضالعين في أنشطة إرهابية ضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الغرض المأمول تجسيده من وراء سنّ القانون المذكور. طبقا لنص المادة 2 / فقرة ب وفقرة أ بند 7.
وقفة مع تسمية القانون بالعدالة ضد رُعاة الإرهاب:
ما يُثير الانتباه بشأن عنوان قانون جاستا؛ أنه جاء بهدف تحقيق العدالة على من لهم صلة بدعم الإرهاب أو الضلوع في أنشطته. وهذا يتطلّب إحقاق حقوق المتضرّرين من الإرهاب والأخذ على أيدي مُرتكبيها. وهنا نتساءل: ما هي معايير العدالة ومن يتولى تحقيقها ؟. ويأتي الجواب سريعا: العدالة بتفاصيل ومقاييس أمريكية وتحقيقها بيد الإدارة الأمريكية الحامية لمصالحها وفقط.
تساؤل آخر: هل هذه العدالة التي يضمنها هذا القانون تتمتع بالاستقلالية الكافية، أم أنها عدالة مُوجّهة لتحقيق مشروع العولمة الأمريكية من بوابة قوانين على المقاس، وتعزيز مصالحها الآنية والاستراتيجية؟. والجواب بلا تفكير لا عدالة يستهدفها قانون جاستا سوى تعزيز مشروع الأمركة العالمي وفق متطلبات الواقع ومقتضياته المرتبطة أساسا بالمصالح الأمريكية.
من وما المستهدف بقانون جاستا؟
استنادا إلى هذا القانون واضح أنه يستهدف حماية المصالح الأمريكية وتعزيز مركزها السيادي والريادي العالمي، ضدّ كل خطرٍ أو تهديدٍ قد يحيق بها. وبحسب قراءاتٍ استراتيجية، فإن حكومة المملكة العربية السعودية تأتي على رأس الدول الراعية للإرهاب العالمي، بالرغم من أن القانون لم يُسمّيها صراحة.
هي حجة يستند إليها اللوبي السياسي في الولايات المتحدة لتبرير فشلها في إدارة عدد من من الملفات الأمنية الساخنة على غرار حربها الخاسرة على الإرهاب، وما يحصل في سوريا من صراع مسلح والموقف الروسي والإيراني إزاءه، وأيضا التوتر الذي تشهده العلاقات السعودية والإيرانية الذي بلغ مستوياتٍ خطيرة...
في سياق متصل، واستنادا إلى قانون جاستا، يحق مثلا لأسر ضحايا هجوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001، مقاضاة حكومة السعودية من غير جريرة أو دليل يُثبت تورّطها، فقط ذنبها الوحيد أن 15 شخصا من منفذي الهجوم على برجي التجارة العالمي سعوديي الجنسية من مجموع 19، فضلا على أنها تستند إلى ذات القانون من أجل الضغط على حكومات الدول الراعية للإرهاب، بحسبها، تحقيقا لمشروعها العالمي الاستراتيجي لأمركة العالم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ودينيا...والإبقاء على تواجدها كأكبر قوة عالمية مُؤثرة في مشاهد الواقع الراهن والمستقبلي.
قانون مُعولم بامتياز
كما أن للعولمة تجلّيات ومظاهر على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإعلامي...فإن لها تجلّيات ومظاهر أخرى على الصعيد القانوني أو ما يُعرف بعولمة القانون في بعدها الدولي تحديدا. فقانون جاستا أجده مظهرا يُعزّز من عولمة القانون الدولي بحسب التصوّر الأمريكي للعولمة التي تُرادف مصطلح الأمركة. وواقع الحال يُصدّق ذلك ويُؤكّده.
وبمراجعة نص قانون جاستا يتضح أن الولايات المتحدة تسعى صراحة لتعزيز مفهوم العولمة وفق تصوّراتها وفي نطاق ما يخدم مصالحها. فالقانون يهدف أيضا لتوفير أوسع نطاق ممكن لجميع الأشخاص من داخل التراب الأمريكي أو من خارجه للمطالبة بحقهم في التعويض ومقاضاة من ألحقوا بهم أضرارا نتيجة نشاطات إرهابية طبقا لنص المادة 1/ فقرة 1/ بند 7 والمادة 2/ فقرة ب. مع ملاحظة ما يطرحه هذا الحق من إشكالات ترتبط بإثباته وتقديره وإجراءات المطالبة به، خاصة إذا تعلّق الأمر بأشخاصٍ من خارج الولايات المتحدة الأمريكية أو مواطنيها بخصوص أحداثٍ ارتكبت عليهم من خارج التراب الأمريكي.
قانون تطرّف وكراهية
عندما يُجيز هذا القانون للمواطن الأمريكي دون غيره مُقاضاة أيّة جهة أو منظمة أو دولة تُوصف بأنها داعمة للإرهاب، أو ارتكبت نشاطا إرهابيا بشكل مباشر أو غير مباشر، وألحقت في حقّه ضررا، فيحق له مقاضاتها؛ فإنه يفتح المجال لتهديد سيادة الدول على تصرفاتها المشروعة قبل غيرها، ويُتيح للأفراد تحريك دعاوى مدنية ضد حكومات الدول التي ترعى أو تضطلع، بحسب ما جاء في القانون، بأعمال إرهابية حتى وإن قامت بذلك من منطلق حقها في الدفاع. وكأنّ الولايات المتحدة الأمريكية بريئة من الإرهاب الدولي، أم أنها تناست تاريخها الدموي القريب الذي عُرفت به منذ كانت ولاياتٍ مستعمرة وقددا متناحرة يسود علاقاتها منطق القوة والحرب حتى بعد انتظامها وتأسيس اتحادها، والحرب الأهلية التي قادها أبرهام لونكلن عن ولايات الجنوب الأمريكي الإحدى عشر على اتحاد ولايات الشمال شاهدة على ذلك...والولايات المتحدة الأمريكية معروفة بشهوة الحرب.
إن قانون جاستا يطرح إشكالية نظرة الإستعلاء من صناع التشريع الأمريكان نحو الآخر، نظرة الاستصغار والاحتقار التي تأبى بسببها الولايات المتحدة الأمريكية أن تنْظمّ إلى عديد الاتفاقيات الدولية الحيوية على غرار اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية...وغيرها، والانتصار لقضايا حقوق الإنسان العادلة، وتبقى جرائم الحرب التي ارتكبها النظام الأمريكي على مرّ العصور شاهدا على إرهاب أمريكا، وغزوها الأخير للعراق وغيره دليلٌ على ذلك، هذا كله فضلا عن دعمها للأنظمة الإرهابية على غرار النظام الاسرائيلي الصهيوني المتطرّف.
بحسب قانون جاستا يُصبح المواطن الأمريكي مواطنا من الدرجة الأولى، ومن ثمّ فإنه يحق له ما لا يحق لغيره، طالما أن هذا القانون يُخوّل له مقاضاة دول وحكومات، هو حق يحتكره المواطن الأمريكي دون غيره من مواطني الدرجة الثانية من غير الأمريكيين. مع أن هذا القانون لم يُصرّح بهذا التصنيف لكن مجرّد إقراره من الكونغرس الأمريكي يُعتبر خطوة في طريق الاعتراف بتميز المواطن الأمريكي على غيره، وهذا أمر ليس بغريب عن دولة انتهازية تستغلّ القانون لبث ثقافة الكراهية بين الدول شعوبا وحكومات.
في سياق متصل، إن المصلحة الأمريكية تطرح خيارا آخر أمام الإدارة الأمريكية لحماية مصالحها أينما كانت، وذلك من خلال توسيع حق التقاضي ـ كما تقدّم ـ لجميع الأشخاص من غير مواطنيها داخل أراضيها أو خارجها، ما يُؤكد رغبة الولايات المتحدة في توسيع مجال تدخلها في سيادة الدول ومسؤوليتها على تصرفاتها المرتبطة حتى بمواطنيها، فضلا عن الأجانب من المواطنين الأمريكيين أو غيرهم.
قد يُقال إن الولايات المتحدة لا تجعل من حق التقاضي حق امتياز لمواطنيها دون غيرهم طالما أنه حق متاح لجميع الأشخاص المقيمين على أراضيها أو خارجها؟. والجواب في منتهى البساطة: طالما أن قانون جاستا يهدف لرعاية المصالح الأمريكية، فهذا يعني رعاية مصالح مواطنيها من خلال الإبقاء على تميّزهم باعتبارهم مواطني أقوى دولة في العالم (دركي العالم وراعي مصالحه وضامن أمنه وسلامه). وهذا كله يدعم فكرة العولمة كوجهٍ للأمركة.
لكن...
يتعين على الولايات المتحدة أن تنتبه إلى أن قانون جاستا يجعلها في مرمى الإتّهام من المتضرّرين من حروبها، وبموجبه يحق لهم هم أيضا مقاضاتها بتهمة الإرهاب والترويع، وهو ما يُبرّر تدخل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورفضه إقرار هذا القانون الذي يُعارض حق الدول في السيادة، وينسف ما أقرّته المواثيق والاتفاقيات الدولية واعترفت به، بل وقد يُهدّد مصالح الأمريكان في قابل السنون.
هل الجزائر مستهدفة بقانون جاستا؟
مع أن الجزائر ليست دولة راعية للإرهاب وهي التي عانت منه طيلة عشرية كاملة، ولا تزال تعاني منه نسبيا، كما أنها لا تدعم أيّ نشاط يمثل تدخلا في شؤون دول أخرى، فضلا على أن يكون عملا إرهابيا، وهي التي تأبى على نفسها أن تتدخل في أيّ شأنٍ داخلي لدولة شقيقة أو صديقة، إلا أن الازدواجية في السياسة الأمريكية لا تجعلها في منأى عن مخاطر ومضار هذا القانون؛ فيمكن لمواطني أيّة دولة من دول العالم إستغلال هذا القانون في المطالبة بما يتصوّرونه حقوقا مشروعة لهم أو لذويهم، واتّهام الدولة بارتكابها تجاوزات غير مشروعة في فترة من الفترات.
هوليود الأمريكية تُجيبنا أيضا
عن التساؤل المطروح أعلاه «هل الجزائر مستهدفة بقانون جاستا؟». عندما تُوظف الحكومة الأمريكية إعلامها السينمائي لتمرير رسائلها الاستراتيجية بعيدة الأهداف، والتي ترسم معالمها وتخطّط لمسار سيرها وتجسيدها من خلال عديد السيناريوهات الاستشرافية؛ فإننا نعلم علم اليقين أن الجزائر مُستهدفة قبل اليوم، وأن الأمريكان قاب قوسين أو أدنى من إيجاد مُبرّر لتكريس عولمتها الكونية وأمركتها العالمية بواسطة الخيارات العسكرية وغيرها على دولة ظلّت قوية رغم العشرية السوداء وثورات الربيع العربي التي لم يُحرّك لها الشعب الجزائري ساكنا وظلّ مُتمسكا بخيار السلم والمصالحة وإن كان لا بد من التغيير وهو ضروري بلا ريبٍ، فلا تغيير إلا بالطرق السلمية بعيدا عن إزهاق الأرواح المحرّمة وإهراق الدماء البريئة التي حرّمها الله تعالى إلا بحقها.
إن المسلسل التلفزيوني الأمريكي
«Designated Survivor» الذي يُبث على قناة ABC الأمريكية، وفي إحدى حلقاته يستهدف قصف الصحراء الجزائرية، فيه إشارة واضحة إلى رغبة الحكومة الأمريكية في تأمين الصحراء من التواجد الإرهابي المسلح، ووضع يدها على أهم مصادر الإقتصاد الوطني (النفط والغاز)، وكذا الطاقات البديلة التي تستهدف الجزائر الاستثمار فيها بهدف تخليص الاقتصاد الوطني من تبعية البترول، هي أطماع الأمريكان في تطويع الصحراء الجزائرية واستزاف ثروات 2 مليون كلم مربع.
من إشكالات تنفيذ
- مساسه بحقّ الدول في المساواة في ممارسة حقوقها والمطالبة بها، على غرار حقها في حماية مواطنيها ومقاضاة المتورّطين في أيّة أعمال من شأنها التدخل في شؤونها الداخلية أو المساس بأمنها القومي أو بكرامة مواطنيها أو وحدتها الوطنية أو أعمالها السياسدية داخليا وخارجيا.
- يُهدّد سيادة الدول وقراراتها السيادية، ولعلنا نسوق هنا كمثال: الموقف الجزائري السيادي والقرار الحاسم الذي اتخذته الحكومة الجزائرية بضرب الإرهاب بيدٍ من حديد في حادثة تيقينتورين الشهيرة.
- إشكالية تكييف الأعمال المادية التي تمثل موضوعا للدعوى القضائية المدنية، وإشكالية إثباتها وتقدير التعويض المناسب.
- تحديد الجهة القضائية المعنية بالنظر في الدعوى والقانون الواجب التطبيق إذا طالت الأعمال الموصوفة بالإرهاب مواطنيها أو غيرهم خارج حدود إقليم الولايات المتحدة، فليس من العدالة في شيء أن ينفرد القضاء الأمريكي بالاختصاص الموضوعي في جميع القضايا.
حذاري..
إن الولايات المتحدة الأمريكية بإقرارها لهذا القانون تكون قد ارتكبت خطأً فادحًا لن تكون في منأى عن تداعياته لاحقا، وإن كنت شخصيا أشكّ في التزامها به إنْ كانت كدولة أو كمواطنين محلّ اتهام ومتابعة؛ بدليل أنها صاحبة القانون، وأن المقاضاة في عمومها تتمّ أمام القضاء الأمريكي. ثم إن الولايات المتحدة لا تترك المجال لمقاضاة مواطن أمريكي أمام هيئة قضائية أخرى غير أمريكية، وهذا يطرح مرّة ثانية إشكالية تسيّد الولايات المتحدة على سيادة القضاء الوطني الداخلي لدول العالم، ومساسها باستقلاليته وحياده، وهذا لا يليق أخلاقيا ولا يصح قانونا.