الرواية المتسلسلة

الغــــــبــار

بقلم الروائي : أرزقــــــي ديــــــداني

الفصل الأول1

ينظر للإتجاه المقابل أين يقع المقهى، حيث اعتاد الجلوس وسط أصدقائه أو لوحده مع جريدته. والغريب بأن هذا المقهى، وكما كل مقاهي عين اعلام، ليس عليه لافتة تشير لاسمه ولكنه يعرف بمقهى أحمد نسبة لصاحبه الشاب المهووس بالكرة. ثم، كان يتقدم والحافلة من أعلى الطريق تتجه إلى حيث يوجد في النقطة التي تجعله يقطع المسافة الفاصلة بينه وبين المقهى. وفي كل متر تقطعه المركبة التي تحمل في جوفها عمال مركب الحديد (الحجار) كانت سحابة الغبار تعلو ، تنتشر، لتتوزع في كرم لا مثيل له على رؤوس المارة، الواقفين، وحتى الحيطست. ووجوه الصغار الصاخبين في جريهم وراء كرة مهترئة ولكنها كانت تفي بالحاجة وتجعلهم يستمتعون. تأفف ولعن. ثم مسح عينيه وشعر رأسه الخفيف الذي بدأ الشيب يغزوه دون رحمة. ورغم كل محاولاته إلا أن الذرات كان قد علق منها الكثير واستعصت عليه.. هنا توقف تماما بعد أن اجتاز المسافة الفاصلة بين جانبي الطريق وكأنه يكلم نفسه (لماذا لم تتركها أيهاالأستاذ الشقي تمرّ ثم تواصل سيرك بهدوء؟ - اللعنة! إلى متى وأنت تقرر بعد وقوع الكارثة... إلى متى؟!)
كانت الحافلة قد ابتعدت، ولكن الغبار الذي أيقظته من هدوئه كان قد وصل حتى نوافذ البيوت ونفذ للداخل رغم أنفها. ابتعد عن زحمة الرواد الذين كانوا يجلسون أين يوجد ظلّ جدار المقهى وقصد الشجرة رغم قربها من الرصيف الذي كان قد بلطه صاحب المقهى، وقد أخذ في الاهتراء حيث ظهرت به ما يشبه التشققات وحتى الكسور. وقبل أن يجلس نظر إلى الشجرة.. فقال أحدهم الذي كان يرشف من فنجان قهوته ـ الله يرحم من غرسها، يا أستاذ.. فلولاه لما كنا ننعم بظلها هربا من الضوضاء وجلبة الرواد. والتفت إليه وهز رأسه علامة الموافقة ودون أن يقول شيئا لأنه يريد الاختلاء بنفسه والاستغراق في صفحات جريدته التي لم يستطع تصفحها بسبب يوم تدريس شاق، لم يترك له لا وقتا ولا قليلا من إرادة. وبينما كان يحظر نفسه علت الشتائم من أحدهم وامتزجت مع الغبار الذي كان يثور مع كل سيارة تمر أو حتى هبة هواء.. وهنا انبرى الذي كلمه قبلا قائلا - لم يعد من بشر مهذبين... ضاعت الأخلاق (ويقصد التربية والاحترام)... أجل رحمة الله على ذلك الزمان الجميل أيام (المستطاش)، (يقصد الرئيس هواري بومدين) حيث كنا لا نتخاصم وكلامنا غير بذيء... ومرة أخرى حرك رأسه وهو يلمس أعلى كرسيه ببطء وهدوء يحسد عليه. وجلس. بينما كان الرجل قد اكتسب وجهه سحنة تشي بعدم الرضا منه.. وصمت تماما وكأن شيئا ما قد غيّب صوته. (اسكت أيها الجرذ القارض فأنت حتما لا تقل عنه دناءة -حتما...) وقطع عليه خواطره النادل وهو يضع أمامه كأس الشاي قائلا - أستاذ هذا شايك. فشكره، بينما كان الآخر يدندن بكلمات من أغاني (الراي) في صوت خفيض وكأنه لا يريد إسماع غير نفسه.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024