الحلقة 2 والأخيرة
الأنس الليلي يستصحبنا لكي في النهار تكبت الإغراءات الجنسية، ونفكر بما يجري حولنا من أشياء جوهرية فلابد البحث عنها، كما يستنبط في السطر التالي بجوهرية النهار لكن من دون حكمة، لست أدري كيف تكون من دون حكمة أو أنه بمجمل مفرداته يزيل ويمحو النهار لأجل رغباته الليلية، وحينما يوجه نداءه بأنهم ليسوا من أهل الملكوت ( طالما أنكم لستم من مشتاقي الملكوت ) يبرز صراع آخر بين الجدلية المادية والفكرية، لكان غايته ملكوت الحب والجمال لأستطرق الى فروديت ( فينوس )، والسطر الذي يليه يدل لنا بأنه يتعمق عند جدلية تكوين الكون والألهة، لأن الشمعدانات الكريستالية لئن كسر لأوزيل المسقبل البراق والزاخر بالصحة والسعادة وتحل محله التشاجر والصراع والجدل مابين الملكوث أي آلهة الارض وأفكار الانسان، ويرد بقوله أنتم مبتعدون عن الألهات، ويتسرع فلما تخافون من زعل الطاووس، طاووس بحد ذاته هنا دليل على الملك طاووس والذي يعبدوه اليزيديين، حتى وان دل على نفس الطاووس كطير وانه دلالة على الجمالية، جمالية المخلوق، ولكن برأينا يعبر عن الأول، إذن التخاصم الشعري والجوهري يبدأ
من هنا في القصيدة، صراع إجتماعي ثقافي متفرع الاتجاهات ((الذات كحركة اجتماعية إنها لا تتكون في وعي النفس وإنما في النضال ضد – الذات المضادة – ضد منطق الأجهزة ولاسيما عندما تصبح الأجهزة صناعية ثقافية)) في الواقع هنا ثقافة الذات حركة انفرادية وليست اجتماعية رغم أنها يتكتم الجميع بها ألا شمولية الإنسان منزلق نحو الهاوية، الأكثرية منحاط باعتبارات مادية، و غياب الفكر والفلسفة والتي تستنتج من الثقافة تعم الجميع، الشاعر حسب ما بجعبته من القدرة يحاول ويجاهد إبرازه عن اتجاه معين، وخطابه الشعري ينعكس مفردات حياته المتلبس بمجهولية الكائن الأنثوي وتحت وطأة الأنثى نجد كل ذلك، فمثلا الأرض والحياة أنثى المرأة أيضا أنثى هذا هو التناسب بينهم، تقع الانشغالات هذه ضمن نظم البحث الفكري، افكاره المنشغلة بوجود الآلهة والانخراط وقسم الأنعزال بحسب رأيه يظهر الأديان والأنقسامات البشرية فيما بينهم وعدم التحقق من بداية تكوينه والمراحل التي قطعها عبر الملايين من السنوات، لذا نجد الحياة والارض بعبارة صريحة مجمدة عند الانسان لأن يقول لنا الشاعر ( تحنطت أنوثتكن كالمومياء) .
افرنقعوا... قبل أن يجن جنوني
لو أعصموا عيوني من غبائي وقوامة الرجال
ان كنتم نورا إلهيا او شعاعا منه
ان كنتم لهب شرارة جدي الخافتة
تستمرون حينا بعد الآخر
أحرقوا ما كتب على جبيني
أن كنتم دراويش في أقاصي الأفلاك
حطموا عداد زمني وأحتفظ بصورتي
كآخر ورقة في الهدنة
الهدنة التي ترتجفون حيالها
خوفا من الهزيمة
أنا ذا ... من خسر ...
لا أحبذ أن أكتب على فساتينكن
فيا أيتها السيدات
حين تعدنا الليلة أكشن بألسنتكن
كلمة في وجه الريح
طالما أنكن لموقات ذات أرواح منفردة
وقلوب متحجرة.
من خلال قراءة هذا المجتمع من الهزيمة نحس باستدراك الأبستمولوجي عند الشاعر، ويكشف أروقة جعبته في القصيدة، نستطيع القول حقا تمكن من أداءه المبدع و انقاذ نفسه مابين ابستمولوجية علمية وابستمولوجية فلسفية، أو بالأحرى ابستمولوجية علمية فكرية وأبستمولوجية الفلسفية، أذن أين النظرية العلمية حينما يستصحبنا لسطر ( أو أعصموا عيوني من غبائي وقوامة الرجال) هنا يريد أن يبقى ذات اطلالة العبثية ويستمر بها، ولما يذكر لنا (نحتفظ بصورته كآخر ورقة للهدنة) وهنا يطرح معرفة فكرية ذات دلالات و أبعاد علمية، يتمكن القارئ لمس هذا الشيء حينما يذكر بمقولة أخرى من شعره (أن كنتم دراويش في أقصى الأفلاك) هنا يوسع أفق أفكاره نحو الكون والغيب إذن يتعمق وبجسارة في الوقت ذاته يشرد من ضوضاء المعمورة، ويسير باتجاه رغم أنه يتعرض لمخالفة حظه، لكونه يعتبر نفسه إنسان ذو موهبة خاصة في هذا المتمع الذي يعيش فيه، يجد نفسه بين الخسارة والمراة والأشياء الغير ملموسة كالريح والهواء الطلق والسماء بكامل هيكليتها وفراغاتها، لذا يستعصي في نقطة نظامه وهي متحجر القلوب .
لم تقلن أذن
ذات زمان كنا ملائكة الأرض
ذوات قدود مرجانية البياض
وآية من الأمل
كنا زينة فاكهات الجنة ومدللات كالغزلان
وعيوننا كزجاجات مائية لازوردية
أتذرع لكن ... لن تقلن شيئا
أسرن لنا سرا... بكلمة حق تبيض سماهكن
لتتعافى روحي أيضا
أشمرن ذراعكن .. الأكثر بياضا
وخذن مني طل ماعندي من ثروات الروح
خذن مني ماتريدن بالمئات
من صوتي .. مائة
من لوني ... مائة
من أعدادي .. مائة
من أوراقي .. مائة
من نبضات قلبي .. مائة
ليس أقل من مائة زاوية
أستبحنني ... ولا تفكرن بأنني وحيد والدي
وقد يجرفه الماء عاجلا
لا أود الذوبان في نوركن
انما أرغب في أن أكتب على فساتينكن
لما الشاعر يذكر الزمان والمكان يريد أبراز الصدق اليقين وينهي مغامرة اليقين الفاسد من هنا يتوجه نحو الوجودية لأن أفكار الموجودة لدى سمكو محمد أفكار يقينية، بحد ذات الزمان والمكان الذين تلمسهما في المقطع المشار إليه أعلاه، وهذه دلالة بأن الإنسان يؤمن بالوجود ويهرب من التخيل والغيب، لا أريد أن أدرج هذا بشكل شمولي المطلق عندالانسان وأن الأكثرية يؤمن بهذه الأفكار، وعندما تكون الأرقام جزء حيوي من قصيدته وأعادتها عدة مرات ( المائة ) هذا هو يجسد ويرسخ روح اليقين لديه « الحديث عن – جوهر – الشيء هو الحديث عنه كأنه بالضرورة كائن كما هو، يسير كما يسير بالفعل، فالموجودات الواعية لا جواهر لها، فعوضا عن اللب الجوهري تنطوي على لاشيء، والموجودات بحد ذاتها لا تملك امكانيات؛ أو أن امكانياتها جميعا تتحقق معا في لحظة الخلق» كلما نتعمق بالقصيدة نملك جوهر حيوي منها نجد أفكار وجودية أكثر تماسا مع قراءتنا هذه، وهذه تدل على خلفية أبستمولوجية فكرية علمية بحتة لدى الشاعر يشرح الشكل كثيرا لكن الناقد والمحقق يتعمق بآفاق أفكاره ويتضح شخصيته مابين الجدلية الفكرية المادية والفلسفية إذن نجد من قصيدته الفكر المادي أكثر من الفلسفة، الإسان الصادق يواجه العدم ويعاني :»الغثيان» وهذا عنوان لرواية سارتر، سمكو محمد يبحث عن الملموس لكي يكون صادقا مع القاريء ، ولا يرغب أن يكون في الغثيان أو بالأحرى أننا نقول في الهذيان وهو يبتعد عنهما، برأينا لئن أصر الشاعر بالتوجه نحو التخيل لقولنا أنه بزمن انهياره العقلي كما هو
الحال في عنوان قصيدته هذه ، وهنا يبنغي أن نطرح شيئا آخر ألا وهو حقا أن العنوان مطابق تماما مع جوهر القصيدة من معانيها ودلالاتها، وأن لن تكن ذلك لقلنا له ستحتاج الى معرفة كثيرة وقراءات بعمق حول الكتابة ، اننا نلمس تماسك جاد في ذهن الشاعر بين فوضى العالم والبارز بقصيدته وما يعانيه بعقلانية فكرية .
فيا أيتها السيدات ان عدتن في الليل
أحلف بجمالكن أسرن للماء شيئا
لكريات ثلج الحكايات
لأناعات حليب الأساطير
اذ أنني لا أعلم
أي منهم قد حرق حسراتي وأناتي
هل كانت رغبة العاهرات قد فترت
حيال المزهريات
أو رغبات كليوباترا وشهريار
قد تفيرت تجاه علب وزجاجات
في معارض محلات الشوارع
بياتريس
يا بياتريس
يا حاملة شمعة الرحمة في يدها
لا أقدر على تقطيع تفاحة في حضورك
لا أقدر على أحتياز عتبة مضجعك
وأقتحام ستيانك أذهب وأنشري شراشفك في واجهات البيوت
أمسح رذاذ صوت الشيطان من وجنتيك
وأملأي شفتيك ضبابا
لأنام أنا أيضا
الى الأبد
رغم أنه يتكلم عن اليقين والا أنه بصيغة الراوي يكتب ويطرح أفكاره وأحيانا نجد في الأنا التعبير عن الآخر أو عن المجتمع بهذا المعيار من الانطباع الفكري المباشر للأصلية ( اليقين أو الحقيقي ) والمفردات الموجودة تمنع المباشرة التحليلية وعند جمع المباشرة الأصيلة، ومرات هنا وهناك نقرأ العودة الى الفلسفة حينما هنا يحلف بجمالية المرأة، هنا قدرة الصورة الشعرية الجميلة على التواصل مع الملتقي هي واقعة ذات دلالة انطولوجية كبيرة، في الوقت ذاته الجمال ليس شيئا ملموسا لذا تحتاج الى تعمق أكثر، لأنه من خارج الوجود والغيب ربما يجسد ويحاول ترسيخه في تعمق الفكر المادي ويردد لنا اللامعقول كما يخدعنا في ( امسح رذاذ صوت الشيطان من وجنتيك ) المسح بحد ذاته خداعنا للملموس كذلك في صوت الشيطان، صوت من أحاسيس السمع وليس اللمس، وفي بداية قرائتنا ونقدنا هذا أشرنا الى سطر من هذه القصيدة ( لم تخافون من زعل طاووس ) وهنا يريد مسح رذاذ صوت الشيطان نجد تناسب وجناس لاحق، رغم اننا في نهاية المطاف نشاهد استسلام الشاعر للفكر المادي والأبتعاد عن الفلسفة رغم التلاعب بها هنا وهناك وهذه ثقة نفسية بالذات وبجدلية الموضوعية في جوهر مغزى الشعر.
المصــــادر
- الموت مجموعة شعرية للشاعر سمكو محمد / أربيل 2014
- نقد الحداثة – الحداثة المظفرة – القسم الأول – الآن تورين – ترجمة صباح الجهيم م دمشق 1998
• المنطق وفلسفة الطبيعة / المجلد الأول من فلسفة هيجل / بيروت 2007 الطبعة الثالثة .
-• جمالية المكان / جاستون باشلار – ترجمة غالب هليا/ بغداد – 1980
- التصور والخيال / ر. ل . بريت ترجمة د عبالواحد لؤلؤة بغداد 1979 .
- اللامعقول / آرنولد ب هنجلف ترجمة عبدالواحد لؤلؤة بغداد 1979 .
...........
«انتهــــى»