«إذا أردت أن تعرف مكانتك عند الله عز وجل، أنظر إلى مكانته في قلبك»
(مثل عربي)
عيد الأضحى يشكل مناسبة للتغافر إذا كنا نعتبره كذلك، إنها تعطينا الفرصة للرجوع عن التحولات الحاصلة والتي أصبح فيها الدين مجرد طقوس. نقرأ بقلم وليد آيت سعيد: «قبل اليوم كان الناس يساعدون بعضهم بعضا في ذبح الأضحية بل وحتى في سلخها. أما اليوم في عصر السرعة لم يعد لديهم الوقت لفعل ذلك. أصبحوا يفضلون دفع المال لتفادي ما باتوا يعتبرونه عقوبة في حين أن نكهة العيد تكمن في ذلك»، وفي هذا يضاف إلى ذلك التحولات التي عرفها المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة والتي أصبح معها من الصعب أن تجد أحد كبار العائلة أو جارا خيّرا لنحر الكبش، بينما كان يتم ذلك سابقا وسط اجتماع العائلة الكبيرة أو الجيران ومن حينها أصبحنا أمام معادلة «أنا لنفسي والله للجميع»
عيد الأضحى يشكل مناسبة للتغافر إذا كنا نعتبره كذلك، إنها تعطينا الفرصة للرجوع عن التحولات الحاصلة والتي أصبح فيها الدين مجرد طقوس. نقرأ بقلم وليد آيت سعيد: «قبل اليوم كان الناس يساعدون بعضهم بعضا في ذبح الأضحية بل وحتى في سلخها. أما اليوم في عصر السرعة لم يعد لديهم الوقت لفعل ذلك. أصبحوا يفضلون دفع المال لتفادي ما باتوا يعتبرونه عقوبة في حين أن نكهة العيد تكمن في ذلك»، وفي هذا يضاف إلى ذلك التحولات التي عرفها المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة والتي أصبح معها من الصعب أن تجد أحد كبار العائلة أو جارا خيّرا لنحر الكبش، بينما كان يتم ذلك سابقا وسط اجتماع العائلة الكبيرة أو الجيران ومن حينها أصبحنا أمام معادلة «أنا لنفسي والله للجميع» (1)
الرمزية المنسية لعيد الأضحى
بالنسبة لـ إيريك جيوفروي: «حسب الإسلام، يعتبر القرآن النقطة المفصلية في إيمان الإنسانية ويقدم على أنه تلخيص وحوصلة للكتب السابقة فقد اشتمل على العديد من القصص الإنجيلية ومن التنبؤات. إبراهيم عليه السلام اصطفي «كخليل لله» لأنه نجح في اجتياز الكثير من الابتلاءات والتي كان من أشدها على الإطلاق أن رأى في منامه أن الله يأمره بذبح ولده «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102)»
الممتحنة الآية 102
فقدان القيم لصالح العولمة
من الصحيح أن هذا الزمن هو زمن «زعزعة القيم» وهي التي كنا نظنها ثابتة فالكثير من القناعات زلزلتها الليبيرالية الجديدة. رأس المال الرمزي - الديني على وجه الخصوص – إنهار ككتلة واحدة تحت ضربات السوق الليبيرالية سوق إنتجتها عولمة خالية من القيم، وحتى المجتمعات المحصنة والتي كانت قبل وقت ليس ببعيد «بدائية» وجدت نفسها تفقد هويتها تحت ضغط غرب نيوليبيرالي يرسم، يحدد ويملي المعايير على الآخرين فقد وجدت هذه المجتمعات نفسها في مواجهة خطر اضمحلال سريع لرأس مال رمزي لحساب ثقافة «ماكدونالد» وإنتاج إنسان جديد يريده السوق. نموذج مصمم لينفق – مادام لديه المداخيل - وليس ليفكر، الغرب يريد أن يفرض عبر هذه الليبيرالية المتوحشة نظرة لهذا العالم تضعف المجتمعات وتجعلها فريسة التيه والحيرة.(2)
علما أن هذا التقليد المدمر المرغوب والمفروض موجود في تاريخ المجتمعات. وفي زمانه أخبرنا ابن خلدون أن المغلوب مولع بالغالب. مثال عن ذلك، يوبا الثاني الذي حاول جاهدا وبسبب تربيته الرومانية تبنى الأبهة الرومانية إلى درجة أنه سمى عاصمته سيزاري (شرشال) ويحرص على الظهور وهو يضع الرداء الروماني. وليس ببعيد عنا نتذكر زي السادات والذي يرتدي مرات جلابية فلاح مصري من أعلى النيل ويظهر أحيانا أخرى بزي ضابط عسكري. نرى هنا أن التقليد ليس شيئا جديدا وقبل ذلك أخذت الهويات تتآكل أمام الضربات الموجعة للاستعمار أنها تواجه هجمات بطريقة أخرى من حجم أكبر وعلينا الخوف أكثر من هجمة السوق التي لا تنجح إلا في إطار النمط الوحيد.
نحن بكل تأكيد أبعد ما يكون في هذا القرن الـ21 عن الأمور متعددة الأبعاد المتعلقة بمعاني التغافر والتسامح. مثال على ذلك: المسلمون عبر العالم يتقاتلون من أجل السلطة والنفوذ يشجعهم على ذلك غرب مهيمن وواثق من نفسه. (2)
كيف تشتغل الليبيرالية الجديدة ؟
إننا نعيش في زمن أصبحت فيه الشهوات على رأس الأولويات، زمن تقطعت فيه الأوصال على محك الرغبة والحاجة. الحياة قائمة على عقود محدودة المدة علينا تشريفها تحت وطأة مواجهة المصيبة، بالإضافة إلى ذلك يمكننا ذكر اضطراب غير مسبوق وهو ازدهار الفردانية وتراجع دور الدولة، التفوق التدريجي للسلع على كل الاعتبارات الأخرى، هيمنة المال وكذا التحولات الثقافية وانتشار نماذج حياتية جديدة وحب الظهور والمكانة المهمة التي أخذتها التكنولوجيات المتطورة جدا والتي تفلت من الرقابة في الكثير من المرات كالانترنت وما يتعلق بها وهي كلها عناصر تساهم في حيرة الفرد الذي وجد نفسه ضحية هذه الليبيرالية الجديدة.
حاول داني روبرت ديفور في السابق من خلال كتابه «إله السوق» أن يبين أنه بالكاد تخلصنا من سطوة الدين حتى وجدنا أنفسنا تحت وطأة ديانة أخرى منافسة وهي السوق أين توجد وحدانية المال. حاول أن يجعل الوصايا العشر المبهمة لهذا الدين الجديد مفهومة وهي لا تحث على شيء مقارنة باحتوائها على أقل قدر ممكن من المحرمات الشيء الذي يعتبر عاملا قويا للقضاء على الرمزيات كما توحي بذلك الوصية الثالثة: «لا تفكر أنفق فقط» إننا نعيش في عالم جعل من الأنانية والمصلحة الشخصية وحب الذات على رأس المبادئ. عالم مدمر للجماعة والفرد على حد سواء يقودنا إلى العيش في مجتمع شاذ.(...) الحرية لذاتها لا وجود لها: هناك فقط تحررات (...) الظرف الخاص المتولد عن الحداثة بات مهددا.» (5)
كيف توصلنا إلى «صناعة» هذه الضحية برضاها؟ يعتقد داني روبرت ديفور أن عملية مسح ذاكرة الفرد هذا الكائن الاستهلاكي من خلال التأثير بدأت باكرا: «كتب أن التلفزيون عمم منذ الطفولة الخلط بين الواقع والخيال، أنا والأخر، الحضور والغياب. الليبيرالية الجديدة لا تهدف فقط إلى تحطيم البنى الجماعية التي بنيت منذ أوقات طويلة (ثقافة العائلة، النقابات، الأحزاب) ولكن كذلك المتعلقة بالفرد، الموضوع الذي ظهر خلال الفترة الطويلة المعاصرة.
صقل الأطفال من خلال التلفزيون بدأ مبكرا وأولئك الذين يدخلون المدرسة وبين أيديهم في الغالب شاشات صغيرة منذ نعومة أظافرهم. (...) المؤسسات التربوية الجامعات أصبحت تستقبل جمهورا مائعا علاقته بالمعرفة أصبحت صورية. (...) لا شيء إذن يمكنه احتواء رأسمالية مطلقة هي جزء من عالم تجاري: الحقيقي والخيالي.» (6)
العيد في زمن الويب 2.0
إنه من بين الخسائر الكبرى التي ألحقت بسكان الجنوب هي هفوات في الهوية أدخلها استعمال الهوائيات التي سرقت بسرعة خاطفة الخلايا العائلية (...) إنها وسيلة وساطة تسمح لرواد الانترنت الدخول في هذه الخلايا أمام يوميات رتيبة ودون أفق. هناك كذلك نتيجة أخرى لتآكل التقاليد الدينية أخذت حيزا كبيرا وهي تلك المتعلقة بتهاني العيد التي نرسلها عبر الرسائل القصيرة أو عبر الانترنت بجمل اعتيادية «مستوردة» من المشرق العربي. والتي أخذت مكان «صح عيدكم» العبارة المغاربية التي تعود إلى 1400 سنة والتي خلدها المرحوم عبد الكريم دالي.
من منا لا يتذكر تلك الأجواء المفعمة بالفرحة وصلاة العيد جماعة وضحكات الأطفال، وهي ترتدي الألبسة الجديدة والتحيات الحارة للأهل والجيران.
اضمحلال رمزية صلة الرحم سواء بتقاعس أو لحسابات ما بدأت من المدن وأخذت تزحف على الأرياف إننا نساق لكي نبتعد عن الآخر. الحداثة ومنذ البداية كان لها تأثير شاذ فدخول الرسالة كنظام وساطة سمح بالحفاظ على العلاقات دون الالتقاء الفعلي ليأتي بعد ذلك اختراع الهاتف وبعد ذلك بروز تكنولوجيات الإعلام والاتصال وخاصة الانترنت والهاتف النقال الذي يسمح بالرد على تهاني العيد دون تنقل دون رؤية..
الرسالة القصيرة (أس .أم .أس) هي قمة اللامبالاة بالآخر الذي نبقيه بعيدا بالإضافة إلى أنه لا يعلم أين نحن حين نراسله، نبعث مجرد كلمات ونحن نفكر في شيء آخر تماما. في هذه الأثناء تزداد الروابط العائلية بعدا واضمحلت العائلة ولم نعد نعرف أفرادها وخاصة الشباب منهم وفي جنازة ما نكتشف خطر اضمحلال قيم التضامن العائلي ونلقي باللائمة على الآخرين أولئك الذين اعتبرنا مخطئين أنهم لم يتحرروا من وصاية التقاليد. هذا الاسمنت الخفي الذي سمح للمجتمعات على مر القرون من العيش معا قائم على التضامن والعاطفة وبعيدا عن التوجس وشغف حضارة هل من مزيد مزيد هذه الآلة الشيطانية التي تخرجنا عن الطبيعة وتوحد الأنماط وتدخلنا في الخيال... (2).
اشتكى عبد المجيد مسكود في أغنيته الشهيرة «يا دزاير يا العاصمة» وحن إلى الماضي. علماء الاجتماع عليهم الاهتمام بهذه الظاهرة الجديدة المتمثلة في استبدال رمزية التغافر بمناسبة العيد بشيء افتراضي الذي يسمح سواء بتقاعس آو لحسابات ما بأداء «الحد الأدنى من الدين» دون عناء الالتقاء المباشر. أدهى من ذلك فإن المسلمين في الخارج أصبحت الطقوس عندهم خالية من المحتوى نطلع على سبيل المثال أنه خلال العيد يلجأ المسلمون الذين يتمسكون بالتقاليد إلى شراء أضحية عن طريق الانترنت ويأتي للحصول على ذبيحة تحمل رقما تسلسليا يوم العيد. أين هي رمزية النحر التي جاءت في رؤية إبراهيم عليه السلام؟
إذا كان من المسلّم به أن العيد هي فرصة للفرح وللالتقاء فإنه ومع مرور السنوات يفتقد المسلمون هذه الرمزية، هذا الحدث العميق على الصعيد الروحي تم اختصاره في مجرد ممارسة اجتماعية وأن السوق الذي يجرد الروح من محتواها يوحي بهذا «عيد كبش» بمعادلة يصبح فيها مرّبوا المواشي في المقدمة وهو الشيء الذي يختصر هذا الحدث في وليمة لحم.
نرى بأم أعيننا أن حضارة سعره ذهب لها ما يبررها في كل الديانات باسم وحدانية المال الذي يفعل كل ما في وسعه للقضاء على وحدانية الله وهنا وعلى سبيل المثال كيف سيكون شكل المجتمع الجزائري مستقبلا في ظل الاضمحلال الكلي للممارسات والتقاليد والثقافات التي استمرت لقرون، والتي يمكن أن تتلاشى خلال جيل واحد، إذا لم نفعل شيئا لمقاومة هذا التيار الجارف للعولمة التي لا ترحم. قال غارودي إن الإيمان أصابه الفتور واختصر في مجرد طقوس. هل يمكننا أن نترك هويتنا الروحية التي بنيناها بصعوبة على مر قرون تذهب هباءا خلال جيل أو جيلين؟ السؤال يبقى مطروحا.