قارتنا مطالبة بمواجهة الاستعمار المعرفي والاستلاب الرقمي بشجاعة ومسؤولية جماعية
استغلال منصّات رقمية لتشويه الرموز الوطنية وخلق حالات من الاستقطاب الحاد
دعت كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج المكلفة بالشؤون الإفريقية، سلمة بختة منصوري، أمس، إلى ضرورة التصدي الجماعي والممنهج لظاهرة المعلومات المضللة، التي وصفتها بأنها «ليست مجرد ظاهرة إعلامية أو تقنية، بل واحدة من أخطر أشكال التهديدات غير التقليدية التي تواجه إفريقيا المعاصرة».
أكدت منصوري خلال أشغال الورشة الإقليمية لشمال إفريقيا، لجنة أجهزة الاستخبارات والأمن الإفريقية «سيسا»، أن الحروب المعرفية والمعلوماتية باتت تستهدف استقرار الدول من الداخل، من خلال بث الشك وتقويض الثقة بين الشعوب ومؤسساتها، وزرع الفتـن باستخدام أدوات رقمية لا ترى ولا تسمع، ولكنها فعالة بشكل مدهش في إرباك المجتمعات وتوجيه الرأي العام نحو أجندات مشبوهة، تحت غطاء حرية التعبير والانفتاح الرقمي.
وأشارت المتحدثة، إلى أن إفريقيا أصبحت، للأسف، ساحة نشطة لهذا النوع من الحروب الصامتة، مستندة إلى تقارير مستقلة أفادت بأن أكثر من 20 دولة إفريقية شهدت خلال السنوات الأخيرة حملات تضليل منسقة، استهدفت العمليات الانتخابية، وزرعت الشكوك في شرعية المؤسسات، مما أدى إلى الفوضى والانقسام. وذكرت منصوري، بكيفية استغلال المنصات الرقمية لتشويه الرموز الوطنية، وخلق حالات من الاستقطاب الحاد، خصوصا في بعض دول الساحل التي تمر بمرحلة انتقالية حساسة، وأخطر ما في هذه الحملات، بحسب المتحدثة، هو اعتمادها على أساليب نفسية معقدة، تستهدف الذاكرة الجمعية والهوية الوطنية، ضمن ما يمكن تسميته بـ «حرب على الإدراك». وهذه الحرب لا تدار دائما من قبل دول، مثلما قالت، بل من قبل جهات وشبكات إعلامية غير حكومية وأخرى ذكية مزيفة، تعمل أحيانا بالوكالة.
ولم تتوقف كاتبة الدولة في كلمتها بالمناسبة عند حدود التشخيص، بل قدمت خارطة طريق ثلاثية المستويات لمواجهة هذا التهديد؛
أولها، مستوى اليقظة والتنسيق المعلوماتي من خلال إنشاء آلية إفريقية لرصد المعلومات المضللة، تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتحلل البيانات الضخمة، بالتنسيق مع غرف العمليات الأمنية في الدول الإفريقية. ثانيا، المستوى القانوني والمؤسساتي عبر المطالبة بميثاق إفريقي لمكافحة التضليل الإعلامي، وربط منظومة الأمن السيبراني بالتعاون مع شركات التكنولوجيا العالمية لمراقبة المحتوى الموجه نحو زعزعة الاستقرار.
ثالثا، المستوى الوقائي والمجتمعي بتبني برامج تربية إعلامية تبدأ من المدرسة إلى الجامعة، وتمر عبر الإعلام العمومي والمجتمع المدني، لبناء وعي مجتمعي قادر على تمييز الحقيقة من الزيف.
وأكدت منصوري، أن المعركة اليوم ليست فقط معركة «مستقبل»، بل معركة «حاضر»، تدار على شاشات الهواتف ومنصات التواصل الاجتماعي، وتهدد سيادة الدول، شرعية الأنظمة ووحدة الشعوب. وعلى إفريقيا، التي قاومت الاستعمار الكلاسيكي وواجهت الإرهاب والهيمنة الاقتصادية، أن تستعد اليوم لمواجهة «الاستعمار المعرفي والاستلاب الرقمي»، بشجاعة ومسؤولية جماعية.