إدراج الملف ضمن أولويات السياسات الأمنية القارية كتحدٍّ وجودي
طالب المشاركون في أشغال الورشة الإقليمية لجنة أجهزة الاستخبارات والأمن الإفريقية «سيسا»، التي احتضنت الجزائر أشغالها، أمس، وتستمر إلى يوم 22 من نفس الشهر، برفع ملف التضليل الإعلامي إلى قمة رؤساء الدول والحكومات في الاتحاد الإفريقي، حتى يتم إدراجه في أولويات السياسات الأمنية القارية، باعتباره تحدّيا وجوديا لا يقل أهمية عن باقي التهديدات الجيوسياسية.
شدّد ممثلو القارة السمراء، في أشغال الورشة الأفريقية، المجتمعون بالمركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحال بالجزائر العاصمة، على أن الفضاء الرقمي في القارة الإفريقية بات ساحة عمليات فعلية، تستدعي مقاربة أمنية شاملة تشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل ممنهج، الانتقال إلى تعاون عملياتي مشترك بين أجهزة الأمن، وتأطير المنصات الرقمية عبر قوانين صارمة تحاصر نشر المحتوى الزائف، توعية المجتمعات، وخاصة فئة الشباب، بخطورة الانسياق وراء الأخبار غير الموثوقة.
وفي مداخلة له بالمناسبة، أبرز ممثل مفوض الشؤون السياسية والسلم والأمن للاتحاد الإفريقي السفير بانكول أديوي، التحديات الأمنية المتزايدة في إفريقيا، حيث أصبحت المعلومات المضللة أداة جيوسياسية تهدد السلم المجتمعي.
وأشار السفير أدوي، في كلمة له خلال أشغال الورشة الإقليمية لشمال إفريقيا، بعد أن أشاد بدور الجزائر في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، إلى أن حملات التضليل تضاعفت أربع مرات منذ عام 2022، وغالبا ما تدار من قبل أطراف خارجية، مما يهدد الاستقرار الوطني ويشجع النزاعات. كما أكد على أهمية بناء قدرة جماعية على الصمود المعلوماتي لمواجهة هذه التحديات.
وأوضح السفير أدوي، أن المعلومات المضللة لم تعد عشوائية، بل تستخدم كسلاح عاطفي، مما يتطلب استراتيجيات متكاملة للتعاون والابتكار السياسي، داعيا إلى إنشاء آليات قارية لرصد وتحليل المعلومات المضللة، وتعزيز القدرات الفنية في التحقيقات الرقمية.
في ختام كلمته، أكد السفير على التزام الاتحاد الإفريقي بدعم هذه المبادرات ودعا الشركاء إلى تقديم الدعم الفني والاستثمار في تعزيز قدرات إفريقيا الرقمية، وأعرب عن عزمهم على تعزيز الوحدة والصمود لمواجهة التحديات الراهنة، مشددًا على أهمية هذه الورشة كنقطة انطلاق لمرحلة جديدة من الحصانة الرقمية في إفريقيا.
من جهته، الأمين التنفيذي للجنة أجهزة الاستخبارات والأمن الإفريقية «سيسا»، في كلمة قرأها نيابة عن رئيس السيسا الحالي، اللواء إتيان مادام ماهوندي، أكد أن المعلومات المضللة والأخبار الزائفة تشخص اليوم كتهديد مباشر لاستقرار الدول الإفريقية. مضيفا، أن آثارها المدمرة على الأمن القومي تلزمنا بتحرك عاجل على مستوى القارة، لأنه مع توسع استخدام التكنولوجيات الجديدة في الإعلام والاتصال، أصبح انتشار هذه الظواهر أكثر تعقيدا وتداخلا وعابرا للحدود، مما يستدعي تعبئة كاملة لأجهزة الأمن والاستخبارات في كل الدول الإفريقية.
وأشار إلى أن نسبة 77% من سكان القارة السمراء هم من فئة الشباب، وهذه الفئة تتشبث بمفاهيم الحرية وحرية التعبير كركيزة أساسية للديمقراطية، غير أن هذا التشبث، بحسبه، قد يستغل في بعض الأحيان من قبل قوى خبيثة لنشر الفوضى والتشكيك في المؤسسات.
وعلى هذا الأساس، شدد على ضرورة أن تعي الحكومات الإفريقية جيدا خطورة هذا التهديد وتعمل على تعديل أنظمتها الوطنية، سواء على المستوى الثنائي، أو الإقليمي، أو القاري، لمواجهته بالشكل المطلوب.
وقال: «علينا أن نعترف أن هذا التهديد ما هو إلا نتيجة جانبية لتهديد أكبر، يتمثل في الطابع الغامض والمتغير باستمرار للذكاء الاصطناعي». ولذلك، يجب أن نكون صريحين في الإقرار بأن الفضاء الرقمي للقارة الإفريقية قد تحوّل إلى ساحة عمليات يجب أن تتفاعل معها الأجهزة الأمنية.
من هنا، اقترح تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتكثيف الجهود، والانتقال إلى تعاون عملي مشترك، يمثل ثلاثية أساسية لصياغة استجابة موحدة وفعالة، مؤكدا أن أمن القارة السمراء هو مسؤولية جماعية. ولهذا فإن السيسا، التي تضم أكثر من 50 جهاز استخبارات، ستعمل على تنسيق الجهود مع مفوضية الشؤون السياسية والسلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، لعرض هذه القضية رسميّا على مؤتمر رؤساء الدول والحكومات، مثلما ذكر.
وأشاد المتحدث، بالمبادرة الطموحة التي أطلقتها المديرية العامة للوثائق والأمن الخارجي في الجزائر، والتي أتاحت الفرصة للجميع لفتح هذا النقاش العميق حول سبل التصدي الفوري للتضليل الإعلامي. معربا عن أمله في أن تفضي أشغال هذه الورشة إلى توصيات عملية وقابلة للتنفيذ، تساهم في تعزيز الأمن والسلام الدائمين لقارتنا الأفريقية.
من جهته ممثل جمهورية ناميبيا سلط الضوء في مداخلته بالمناسبة، على تعقيدات هذا التهديد المتصاعد، حيث بين أن قضية التضليل الإعلامي ليست مجرد تحدّ اتصالي، بل ترتبط بشكل وثيق بالأمن البشري وأسس العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن.
وأوضح المتحدث، أن تطور وسائل الاتصال من التبليغ الشفهي في العصور الوسطى إلى الهواتف والإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي حاليا، ساهم في تسهيل تبادل المعلومات، لكنه في ذات الوقت فتح المجال واسعا أمام استغلال هذه الوسائط لنشر الأخبار الزائفة والتأثير في الرأي العام.
وأضاف، أن هذا التوسع في الوصول والسرعة جعل من الصعب التحكم في نوعية الرسائل المتداولة، مما دفع العديد من الفاعلين، بمن فيهم أطراف غير رسمية إلى استخدام هذه الأدوات لنشر محتويات مضللة، كجزء من استراتيجيات الحرب الهجينة التي باتت تهدد الاستقرار الداخلي للدول.
وفي تحليله للظاهرة، اعتمد المتحدث على مقاربة ثلاثية تميز بين المرسِل، أي من ينشر المعلومات المضللة ودوافعه، الوسيط وهي الوسائل والمنصات الرقمية التي تنقل هذه المعلومات والمتلقي الجمهور المستهدف بهذه المعلومات، وبين أن المعضلة الأساسية تكمن في أثر هذه المعلومات على سلوك المتلقي، مشيرا إلى أن الخطر الحقيقي لا يتمثل فقط في الرسالة نفسها، بل في ردود أفعال الأفراد الذين يتأثرون بها، مما قد يفضي إلى سلوكيات تهدد الأمن والاستقرار.
انطلاقا من هذه الرؤية، دعا المتحدث إلى اعتماد مقاربة متعددة الأبعاد لمواجهة التضليل المعلوماتي، تشمل تطوير الأطر التنظيمية للحد من إساءة استخدام وسائل التواصل، التعاون التقني بين أجهزة الاستخبارات والأمن الرقمي، تعزيز الوعي المجتمعي وتكثيف برامج التربية الإعلامية، وكذا معالجة الأسباب البنيوية لضعف المناعة المجتمعية ضد التضليل، مثل الفقر والبطالة وضعف التعليم.
وأكد في ختام مداخلته، أن أي استراتيجية فعالة لمكافحة المعلومات الزائفة، يجب أن تركز أيضا على تقوية منظومة الأمن البشري، وتحسين العلاقة بين المواطن والدولة من خلال تلبية الحاجات الأساسية وضمان العدالة الاجتماعية.
أما ممثل رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية الوزير حسن رشاد، ونائب رئيس شمال إفريقيا، فأكد أهمية التعاون والتنسيق المستمر لمواجهة التحديات المعاصرة، لاسيما التي تطرحها وسائل الاتصالات والمعلومات.
وأشار إلى انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة التي تهدد استقرار الدول وتؤثر على الثقة بين الشعوب وحكوماتها. وأكد المتحدث، أن حروب الجيل الرابع والخامس تستهدف نشر الشائعات، مما يتطلب رؤية شاملة وتعاونا صادقا بين الدول الشقيقة لمكافحة التضليل الرقمي.
كما دعا إلى التنسيق بين دول شمال أفريقيا تحت مظلة لجنة «سيسا» وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، مشيرا إلى أهمية تحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة.