مرحبا بكم في تطور جديد للكيفية التي نعيش بها، ونعمل، ونلعب، ونعبر عن أنفسنا. تخيلوا عالما نتفاعل فيه عبر أفاتارات (Avatars) في واقع افتراضي مشترك، راهن ومتزامن، ومتواصل يمتد على مدار الكوكب؛ فيزامن حياتينا الرقمية والجسدية، ويخلق تجربة متصلة في الكون الفائق.. سوف يكون هذا العام أخاذا وشخصيا وودودا، وممتعا إلى أبعد الحدود. وسوف يقدم تشكيلة واسعة من الفرص للأفراد والمنظمات في التواصل والخلق والابتكار في فضاء افتراضي، فيطلق إمكانات جديدة للنمو والتفاعل الاجتماعي والتواصل. لكن، أهو موجود أم سيوجد لاحقا؟
أجرى معهد كوبنهاغن للدراسات المستقبلية درسة لاستكشاف إمكان وجود الكون الفائق بطريقة دلفي، من منظور ستة وستين خبيرا رائدا في مجال الكون الفائق من أرجاء العالم. هدفت الدراسة إلى تقويم سلسلة من الفرضيات والأطروحات المتعلقة بمستقبل الكون الفائق وصولا إلى عام 2030، من بينها: ما الكون الفائق؟ وما الذي سيكون عليه؟ ومتى سيدخل حيز التنفيذ؟ وما الذي سيكون عليه مدى تأثيره؟ وفيم سيستخدم؟ وسوى ذلك كثير من الأسئلة. كما قال أحد المشاركين: “نحن الآن بصدد ضبط دقيق لمخططات الكون الفائق؛ ذلك أن القدرة الحاسوبية التي تفسح المجال أمام عدد غير محدود من المشاركين ليست موجودة حاليا، ولا القدرة على الانتقال السلس بين العوالم أو على نقل الأصول بسلاسة عبر العوالم/ الفضاءات الافتراضية؛ فهذه المزايا الأساسية التي نفتقر إليها حاليا هي أسس الكون الفائق.
هل الكون الفائق موجود على نحو ما؟ نعم، بحسب 63 في المائة من المشاركين. فهو يحيا في عوام افتراضية مثل (Life Second)، و(of World Warcraft)، و(Minecraft)، و(Sandbox The). ويمكن البشر أن يزوروا هذه العوام الافتراضية باستخدام أفاتار، وأن يتفاعلوا مع الأفاتارات الأخرى. والأمر أشبه بالعيش في عالم آخر من دون أن تغادر غرفتك. وهو ليس مجرد تفاعل اجتماعي، بل اقتصاد أيضا حيث يبيع البشر ويشترون منتجات وخدمات افتراضية وحتى واقعية باستخدام عملات افتراضية، ومن ثم يمكن تبديل تلك العملات الافتراضية إلى عملة واقعية، في بعض الحالات. يضاف إلى ذلك، أن الكون الفائق هو أيضا منصة للتعليم والترفيه والعمل.
على الرغم من أن أسس الكون الفائق قائمة بالفعل، لا يزال الطريق طويلا قبل أن يبلغ إمكانه التام. ويشير الاستطلاع الآنف الذكر إلى اعتقاد 47 في المائة من المشاركين أن الكون الفائق سوف يستغرق بين خمس وعشر سنوات كي يبلغ النضج. وذلك يعني أنه لا تزال هنالك فرص كثيرة للمبدعين كي يساهموا بأفكارهم، ويتعاونوا مع الخبراء التقنيين لضمان أفضل تجربة للمستخدم.
سوف تستخدم الكون الفائق الناضج، الأجيال الشابة في المقام الأول، لا سيما الجيلان “زد” و«ألفا” (Gen Z and Alpha)، تلك الأجيال التي يتوقع أن تحقق النقلة العقلية المطلوبة تمام التحقيق. فالجيل “زد” هو أول جيل يشعر بتحقيق ذاته في الكون الفائق أكثر منه في الحياة الواقعية. ولذلك، من الجوهري أن نواصل تطوير تقنيات ومعدات جديدة تكون متاحة على نطاق أوسع، تسمح للجميع بأن يشاركوا في الكون الفائق. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا اللازمة للنفاذ إلى الكون الفائق لا تزال غير متوافرة على نحو واسع، يبقى المستطلعون متفائلين بأن ذلك سوف يتغير في المستقبل القريب؛ فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في تسريع تطور الكون الفائق.
ما تأثير الكون الفائق الممكن في المجتمع؟ كان المستطلعون “متفائلين نوعا ما” في هذا الصدد. فالشركات تبتكر بالفعل في هذا المجال، وتستخدم أجزاء الكون الفائق لتوفير تجارب علاجية للمصابين بالخرف أو الزهايمر.
من نظرة خارجية، قد يبدو الكون الفائق أشبه بفكرة ديستوبية لن تتجسد قط. ولذلك، لم نوظف كل ذلك الجهد في مستقبل قد لا يؤتي يماره أبدا؟ لقد ظن كثيرون - في بادئ الأمر - أن أنترنيت مجرد موضة عابرة، فانظروا أين نحن الآن. وبعض التطورات الحالية القائمة على بادرات رقمية أو كتلية متسلسلة بسيطة غامرة تتشابه مع أجزاء مما يمكن أن ندعوه “الكون الفائق”. ويمكن أن تفضي إلى ما نشير إليه بالتمويه الفائق (Metawashing).
أوضحت صوفي فيدت، الباحثة المستقبلية في معهد كوبنهاغن للدراسات المستقبلية، أنّ “ما يشكّل تحديا في التمويه الفائق هو إمكان أن نختار أن نتجاهله بسبب غياب النجاح القصير الأمد، فنهدر بذلك التوجه الطويل الأمد صوب دمج حيواتنا الجسدية والافتراضية”. تسفر هذه العقلية عن نقص في التنظيم والإبداع في تطوير معايير موثوقة، ومتركزة على الإنسان، وأخلاقية لتحسين المجتمع.
تكشف دراسة دلفي أن معظم المستطلعين يؤمنون بوجود نوع ما من الكون الفائق بالفعل، لكن ما زال هناك اختلاف حول الإطار الزمني للكون الفائق الناضج. وتريد الأغلبية أن يكون الكون الفائق متاحا للجميع وديمقراطيا، لكنهم يخشون أن تستحوذ عليه المصالح التجارية وتتحكم فيه. يضاف إلى ذلك أن ثمة مخاوف تخص أمان المستخدم والإدمان والفرص المتساوية، وبمسائل أخرى.
لمعالجة هذه المخاوف، علينا أن نثقّف المستخدمين والمنظمين بالكون الفائق وأخطاره الكامنة. وثمة نوع جديد من التثقيف يدعى “التثقيف الفائق”، أساستي لتحقيق ذلك، وهو يوفر إطارا لفهم الديناميات الجديدة والحاجة إلى التفكير النقدي في العصر الرقمي.
قد يبدو مفهوم الكون الفائق فكرة بعيدة المنال قد لا تؤتي ثمارها، لكن التاريخ يظهر أن ما بدا يوما مستحيلا أصبح واقعا. ويوفر بزوغ الكون الفائق إمكانات جديدة الآن وفي المستقبل، لكن من الجوهري مقاربته بأخلاق وحذر ومسؤولية. ويمكن بالمعايير الصحيحة والتنظيم والتعليم، أن نخلق كونا فائقا يخدم المجتمع بأكمله، بدلا من أن يكون ملعبا لقلة من الموسرين.