من الفطنة البحث في ما وراء تصريح المبعوث الروسي الى سوريا الكسندر لافرينتييف والذي طالب فيه اسرائيل « احترام سيادة سوريا ووقف القصف غير الشرعي لآراضي سوريا» وكان المندوب الروسي في الامم المتحدة فاسيلي نيبينزيا قد صرح في سبتمبر الماضي بنفس المضمون.
اعتقد ان عدم الرد السوري على الاعتداءات الاسرائيلية له أسباب عديدة داخلية واقليمية ودولية يطول شرحها، واعتقد ان من ضمنها الضغط الروسي وربما الايراني لكي لا تجد هاتان الدولتان نفسيهما في دوامة تصاعد الردود والتورط في الحرب لا سيما وأن ملابسات اسقاط طائرة روسية عام 2018 وما ترتب عليها من تداعيات بين اسرائيل وروسيا ما تزال حاضرة في الذهن.
لكني اعتقد ان نقاشا خلف الابواب يدور بين دمشق وموسكو حول التعامل مع الاعتداءات الاسرائيلية، ويبدو ان روسيا بدأت تتحسس « ضيق الذرع السوري» لا سيما وأن الثقة السورية بذاتها أضحت مختلفة كثيرا عن الفترة بين 2011 الى 2018، بعد أن استقر لها الامر داخليا بشكل لا لبس فيه.
لذا يبدو أن روسيا وجدت نفسها أمام خيارين أحلاهما مُر، فإما ان تستمر في الضغط على سوريا بابتلاع مرارة استمرار الغارات الاسرائيلية لكي لا تتورط روسيا في الصراع مباشرة مع اسرائيل، أو ان تترك اسرائيل تعربد مما يفقد روسيا بعضا من وزنها النوعي في استراتيجيات التحالف معها وفي استراتيجيات الصراع الدولي على المنطقة.
ويبدو أن تصريحات المندوب الروسي الأممي والمبعوث الروسي لسوريا بعده فيها انذار هادئ لاسرائيل بأنه في القادم من الايام ستكون سوريا أكثر تحررا في قرار الرد على الاعتداءات الاسرائيلية، وقد يقوم وزير الخارجية الروسي بتكرار الموقف الروسي في فترة قريبة أو يقوم بنقل الموقف الروسي لاسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية، ومن المؤكد ان الروس يحثوا مع الاسرائيليين الأمر في السابق ولكن خلف الابواب، لكن الاعلان المتواتر مؤخرا من الروس عن الموضوع يحمل في طياته نقلة في الموقف الروسي.
ذلك يعني ان الجبهة السورية مع اسرائيل قد تشهد تطورات تدريجية وتنحى نحو تعميق الاضطراب في المنطقة إما بردود سورية على الاعتداءات أو بترك حزب الله يقوم بأية أعمال يتم فهمها في اسرائيل على أنها « بعض الرد»، وهو أمر قد يعيد الصراع الى الواجهة من جديد، وقد تكون المعارضة السورية بمختلف أطيافها الاكثر رغبة في تصاعد الاوضاع بين سوريا واسرائيل لعلّ ذلك يساعدها على التقاط أنفاسها في الشمال بعدما اختنقت في بقية المناطق.
فهل تستجيب اسرائيل للتنبيه الروسي أم ستتعامل معه على انه ليس أكثر من امتصاص « للضيق السوري»؟ أعتقد ان السيناريو سيكتب بكيفية جديدة ولكن تطبيقه على خشبة المسرح الاقليمي مرهون بالكر والفر بين القوة الخشنة والقوّة الناعمة.