إستشراف

العـرب وإربـاك النّظريـات السياسيـــة

وليد عبد الحي

تحاول النّظريات السياسية «نمذجة» الظّواهر السياسية بتوظيف مناهج التحليل الكمية والكيفية للخروج بقانون يمكن تطبيقه بقدر من النّسبة العالية لتفسير الظاهرة، لكن بنية المجتمع العربي ونظمه السياسية تربك النّظريات ليبدو الإقليم العربي وكأنّه خليط لا يتّسق مع البنيات التي تخضع للتفسير، وهو ما يسمّى بنظرية «الشواش»، حيث تكون المخرجات (Output) غير متّسقة مع المدخلات (Input).
أولا: الدّخل الفردي:
تشير معطيات الواقع العربي في مجال مستويات الدخل أن الروابط الآلية (كما سمّاها دوركهايم) والمتمثّلة في اللغة والدين بل والمذهب والعرق والعادات والتاريخ المشترك…إلخ، لم تؤثّر في مستويات الرّوابط العضوية والتي من أبرزها التعاون الاقتصادي المفضي إلى عدالة ولو نسبية في معدلات الدخل الفردي، ويكفي أن ننظر في المؤشّرات التالية:
لو قارنا بين معدل الدخل الفردي في أعلى دولة عربية (قطر 97 ألف دولار) مع أقل الدول العربية دخلا فرديا( اليمن 2500 دولار)، فذلك يعني أنّ دخل اليمني يساوي 2.6 % من دخل القطري (حوالي 39 ضعفا)، ولو قارنا بين أعلى 3 دول عربية في الدخل الفردي (قطر والسعودية والامارات العربية) مقابل أدنى 3 دول عربية (اليمن والسودان وموريتانيا) سنجد أنه 19 ضعفا.
بالمقابل لو أخذنا معدّل الدخل الفردي في الـ 27 دولة في الاتحاد الأوروبي، وقارناه مع الدول الاعلى في الاتحاد، سنجد أنّ دخل الفرد في الدولة الأعلى (لوكسيمبورع 123 ألف دولار) هو 2.63 ضعف معدل بقية الدول، ولو قارنا أقل 3 دول في الاتحاد الاوروبي (بولندا ورومانيا وبلغاريا) مع أعلى 3 دول (ليكسيمبورع وإيرلندا والدنمارك) سنجد أنّ الفرق لا يتجاوز 6.8 أضعاف فقط. رغم التنوع اللغوي والعرقي والمذهبي (الروابط الآلية)، فهل هذا يعني أن هذه الروابط ليس لها قيمة في تفسير التباين؟
ثانيا: التّعليم
تشير البيانات المتوفّرة إلى أنّ نسبة الأفراد العرب الذين لا يستطيعون الكتابة والقراءة (الأمية التامة) ممّن تجاوزوا سن 15 سنة في الدول العربية الأعلى دخلا هي 24 % بينما المعدل في الدول العربية الافقر هي 21 %، أي أنّ التعليم منتشر في الدول الفقيرة بمعدّل يفوق 3 % عن الدول العربية الغنية..وعند مقارنة المنطقة العربية مع بقية مناطق العالم نجد أنّ العرب يحتلون المرتبة ما قبل الأخيرة بين 7 أقاليم كبرى في العالم ويليهم إفريقيا.
ذلك يعني أنّ مستويات الدخل العالية لم تنعكس على مستويات التعليم، وهو أمر مربك للغاية.
ثالثا: الإنفاق العسكري للدّول العربية
بلغ الانفاق العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي عام 2020 ما مجموعه 94 مليار دولار، بينما بلغ مجموع الانفاق العسكري  لجميع الدول العربية 154 مليار دولار، ذلك يعني أن نسبة الانفاق العسكري لدول الخليج العربية يشكّل 61 % من إجمالي الإنفاق العسكري العربي مع أنّهم لا يشكّلون إلا 16 % من مجموع السكان العرب، ولو أخذنا أعلى 3 دول خليجية في الانفاق العسكري (السعودية والامارات وقطر) سنجد أنّ مجموع إنفاقها العسكري يساوي 78 مليار دولار، وهو يساوي 51 % من اجمالي الانفاق العسكري العربي رغم أنّهم يشكّلون 11 % من السكان العرب. ولو اعتمدنا مقاييس المخاطر الأمنية الداخلية والخارجية (SRF)، فإنّ دول الخليج لم تتجاوز نسبة 38 % بينما تجاوزت بقية الدول العربية نسبة 64%، أي أنّ الانفاق العسكري لا يتناسب حجمه مع حجم المخاطر الأمنية.
رابعا: التّماسك الإجتماعي (مؤشّر الطلاق)
رغم الفارق الكبير في معدل الدخل الفردي لصالح دول الخليج، فإنّ معدل نسب الطلاق في دول الخليج هو 35 %، بينما بقية الدول الفقيرة بقيت مستويات نسبة الطلاق فيها في حدود 30 %، ذلك يعني أنّ مستويات الثّروة العالية لم تؤثر على مستويات التّماسك الأسري بل دفعت عكس ذلك.
خامسا: الدّيمقراطية:
تبين من مراجعة معدّلات الاستبداد (تحسب من 10 نقاط) خلال الفترة من 2012 إلى 2020 أنّ معدلات الاستبداد في اجمالي الدول العربية ارتفع من 6.27 نقطة الى 6.56 نقطة، والملفت للنظر أنّ الدول الغنية (دول مجلس التعاون الخليجي) جاءت في التّصنيف ضمن مجموعة الدول الأعلى من بقية الدول العربية في مؤشرات الاستبداد. وبلغ معدّلها 7.42 نقطة..
تنبيه:
يمكن العثور على تفسيرات عديدة لهذه الظواهر غير المتّسقة مع النظريات السائدة، لكن البعض قد يرى ان هناك «عوامل وسيطة» مثل الظروف العامة لكل دولة قد تساعد على التفسير، لكن ذلك لا ينفي أن هناك مفارقات معرفية عند المقارنة بين الإقليم العربي بشكل عام وكل دولة عربية بشكل خاص مع بقية أقاليم العالم ودولها، ممّا يعني أنّ خصوصية الظاهرة العربية تدفع نحو البحث عن مزيد من النظريات بدلا من اعتماد منهج القطيع من خلال تطبيق ما تسمّيه الدّراسات المستقبلية تقنية «التّدرّج السّببي»...ربما.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024