إن فقدان البصر ليس السّمة التي تحدد الاشخاص أو مستقبلهم، كل يوم يجب أن نرفع توقعات المكفوفين ونتفاءل، لأن التوقعات المنخفضة تخلق عقبات بين المكفوفين وأحلامهم، إذْ بعد مرور آلاف السنين على اكتشاف الكتابة، والتّي تسمح لنا بالإدراك والتنوع والانفتاح والوعي، تأتي كتابة أخرى بخطّ جميل كجمال نفوس كاتبيها، كجمال أرواحهم الرّاقية، كجمال ورفعة إنسانية البشرية على الاطلاق «فلون دموعنا واحد»... عن كتابة «البرايل» نتحدث.
- الكتابة والنسخ بخط «برايل» أمل كبير للبشريّة
إن جوهرالنسخ والكتابة بخطّ «برايل» يعتمد على ست نقاط أساسية، ثلاث على اليمين وثلاث على اليسار، ومنها الست تتشكل جميع الأحرف والرّموز،وفي زاوية أخرى تم ادخال طريقة ذي ثمانية نقاط؛ أي نقطتين إضافيتين، بالنسبة للكمبيوتر من أجل شمول واسع للموز والإشارات، ويعود اسم هذا الخطّ إلى مخترعه الأوروبي «لويس برايل» فهو نظام أبجدي للكتابة، يمكّن فاقدي البصر من القراءة، من خلال نسخ الحروف إلى رموزاً بارزة على الورق وبالتّاليتكون حاسة اللّمس باليد هي وسيلة القراءة، وعليه «لويس برايل» ملئ فجوات الفراغ الناقصة للمنظومة التعليمية بالنسبة للطلاّب المكفوفين.
ويذكر التّاريخ في سنة 1915،أنّ»لويس برايل» أطلق مُصنّفًا جلب به النظر إلى إمكان استخدام طريقته في كتابة المدونة «النوتة» الموسيقية للمكفوفين، كما اخترع لوحاً ونوعاً من الاقلام يمكن استخدامه في الكتابة على الورق بدقة في خطوط موسيقية تقرأ باللمس، وبعدها تم تداولنهج النسخ بخطّ «برايل» توفير المؤلّفات للمكفوفين في جميع ربوع كوكب الأرض الفسيح، وهو الشيء الذّي رفع من آمال الكثير من المكفوفين في مواصلة مشوارهم التعليمي، وتعزيز فضولهم نحو المعرفة؛ نحو ادراك مختلف الشواغل ودراستها، نحو تحويل أي شكل من أشكال الإعاقة إلى همّة وعزيمة نحو النجاح.
- كتابة «البرايل» في اللغة العربية
حسب موقع نجوم في عالم الظلام المهتم بالمكفوفين، دخلت كتابة «برايل» في اللغة العربية على يد محمد الانسي في منتصف القرن التاسع عشر حيث حاول التوفيق بين أشكال الحروف المستخدمة في الكتابة العادية وشكلها في الكتابة بالبرايل، وبهذه الطريقة نقل الأنسي عددا من الكتب إلا أن هذه الطريقة لم تنتشر على نطاق واسع، وبعد بذل محاولات عديدة اعتمد المهتمون بطريقة برايل لتطوير ما يتناسب واللغة العربية، وقد قامت منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة لهيئة الأمم المتحدة في عام 1951 بتوحيد الكتابة بالبرايل بقدر ما تسمح به أوجه الشبه بين الأصوات المشتركة في اللغات المختلفة، وقد نتج عن هذه الحركة النظام الحالي للرموز العربية.
وحسب دراسة نشرها المعهد الكندي المتخصص
«Institut Nazareth et Louis-Braille»،
تم تحديدعلى العموم؛ ثلاثة أنواع من الأخطاء عند القراءة بخطّ «برايل» تحدث عند تحديد الأحرف، والتي قد تكمن في أخطاء الإدراك أي إغفال النقطة، إضافة النقاط وأخطاء نهاية الكلمة (إضافة أو حذف نهاية الكلمة)، أو أخطاء في التوجيه:أخطاء الانقلاب (انعكاس في نفس محور النقاط في الخلية)،أخطاء المحاذاة الرأسية أو الأفقية (إزاحة النقاط في عمود أو صف من الخلية)، أو قد تكون أخطاء في التفسير:أخطاء في الارتباط أي ربط المعنى الخاطئ بالحرف.
- مؤلّفات اكاديمية محدودة
ضمان المؤلفات والمصنّفات الاكاديمية لجميع الأشخاص وبالتحديد الطلبة الجامعيين، حق مشروع ومفروغ منه؛ ومن جهة أخرى يقف الطالب المجتهد، الطالب المُتحدّي لجميع مظاهر الإعاقة، الطالب المُثابر بالرغم من اعاقته البصريّة..؛ يقف «الطالب الكفيف» في الزّاوية، ينتظر كتب بخط «البرايل»الأكثر فعالية مع تخصصه، بالرغم من توفرّها في مواد الثقافة العامة، وهذا ما يُعيق تلقينهم واداركهم لمختلف المعارف والمقاييس، وهذا الذّي يُحدد خياراتهم الاكاديمية وتكويناتهم الجامعية، فيحرمون انفسهم من التخصصات التقنية والفيزيائية لإدراكهم قلة المراجع المُكيّفة حسب اعاقتهم، والنتيجة أنّ أغلبهم يُفضّل تخصصات علوم الاجتماع واللّغات..، وعليه تستدعي الضرورة لإطلاق مبادرات تكييف مختلف المُخرجات الجامعية المتخصصة، والمؤلّفات الاكاديمية إلى خطّ «البرايل» تضامنًا واجبًا مع هذه الفئة الباحثة.
معاهدة «المنظمة العالمية للملكية الفكرية»؛لنسخ المؤلفات المنشورة لفائدة الأشخاص المكفوفين أو ذوي إعاقات أخرى حسب «المنظمة العالمية للملكية الفكرية»
World Intellectual
Property Organization
(تُختصر بـ «الويبو» _ «WIPO») في آخر الإضافات لمجموعة معاهدات حق المؤلف الدولية التي تديرها «المنظمة العالمية للملكية الفكرية»،والتي اعتُمدت في 27 يونيو 2013 بمراكش،ولهذه المعاهدة بُعد إنساني واضح يرمي إلى تنمية المجتمع، وهدفها الرئيسي هو وضع مجموعة من الاستثناءات الإلزامية لفائدة المكفوفين ومعاقي البصر وذوي إعاقات أخرى في قراءة المطبوعات(حسب موقع ذات المنظمة)، وتُلزم المعاهدة الأطراف المتعاقدة باعتماد مجموعة معيارية من الاستثناءات على قواعد حق المؤلف، للسماح بنسخ المصنفات المنشورة وتوزيعها وإتاحتها في أنساق مهيأة، بما ييسر للمكفوفين ومعاقي البصر وذوي إعاقات أخرى في قراءة المطبوعات إليها، وللسماح للمنظمات التي تخدم هؤلاء المستفيدين بتبادل تلك المصنفات.
- أيام وطنية ودولية ذات صّلة
الأيام الدولية والوطنية هي مناسبات لتثقيف عامة الناس حول القضايا ذات الاهمية ولتعبئة الموارد والإرادة لمعالجة المشاكل العالمية والاحتفال بالإنجازات الإنسانية وتعزيزها، فهذهالاحتفالات أداة قوية لنشر الوعي، ويعطي كل يوم دولي فرصة للعديد من الجهات الفاعلة لتنظيم الأنشطة المتعلقة بموضوع اليوم، وتسعى مؤسسات ومكاتب منظومة الأمم المتحدة أو الحكومات وقطاعي المجتمع المدني والخاص والمؤسسات التعليمية والمواطنين بشكل عام، لجعل اليوم الدولي نقطة انطلاق لأنشطة التوعية الخاصة بموضوع اليوم وأهدافه، ومن بينها:
- اليوم العالمي للغة «البرايل»:
يُحتفل باليوم العالمي للغة بريل لتعزيز الوعي بأهمية لغة برايل بوصفها وسيلة تواصل في الإعمال الكامل لحقوق الأشخاص لمكفوفين وضعفاء النظر، وتُقرر أن يُحتفل باليوم العالمي للغة بريل في 4 جانفي من كل عام، إذْ كان الاحتفال الأول ابتداء من عام 2019.
- اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة:
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1992م اعتبار يوم الثالث من شهر ديسمبر من كل عام على أنه اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك من أجل غاية سامية الأهداف، وهي تعزيز حقوق هذه الفئة من الأشخاص في جميع النواحي المجتمعية، والتنموية، وزيادة الوعي لدى المجتمع بأوضاعهم الخاصة في جميع الجوانب، وفي موضوع عام 2018م تمّ التركيز على أهمية تمكين المُعاقين في المجتمع، من أجل ضمان التنمية المُستدامة لهم وفق الخطة الموضوعة لعام 2030م، والتي تتعهد بإشراكهم في العملية التنموية الشاملة، وتعزيز مكانتهم في مجتمعاتهم؛
اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة: تحييه الجزائر كل عام في اليوم الموافق لـ 14 مارس، وهذا تعبيرًا لسمو وعمق التضامن الوطني مع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، إذْ كانت الجزائر دائمًا سباقة للتوقيع على مختلف الالتزامات والاتفاقية التي تخدم الأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى اصدار النصوص التطبيقية بحماية الأشخاص المعاقين وترقيتهم، والتي تحرص على ضمان التكوين والإدماج الاجتماعي والمهني لهم.، وذات اليوم الوطني تُسطر الجزائر عبر كل ربوع الوطن برنامجا ثريا يضم أياما دراسية ونشاطات ثقافية ومنافسات رياضية بالإضافة إلى معارض لإنجازات الأطفال وذلك بمشاركة الطاقم البيداغوجي للمؤسسات المتخصصة، وبالتنسيق مع الجمعيات ذات الطابع الإنساني والاجتماعي.
- الكتيب الإرشادي «أكتب السّلام»
يدعو كتيب «أكتب السّلام»؛ من إعداد الأمم المتّحدة، فئة القراء الصّغار إلى اكتشاف الكتابات الحديثة من خلال التعريف بلغات مختلفة، كما نسعى من خلال ذلك إلى التعايش مع الاختلاف ليبدو العالم أكثر قربا وحيوية، يشجع كتيب «أكتب السلام» الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 إلى 14 سنة على الاطلاع على مختلف أشكال الترابط والتفاعل بين الثقافات من خلال تعريفهم بأنظمة الكتابة وتاريخها والاقتباسات المتبادلة بينها.
يحتوي الكتيب على 24 ورقة نشاط حيث يعرض كل جزء حروف أحد أنظمة الكتابة المدرجة في الكتيب من جهة، ومن جهة أخرى؛ نصَا تعريفيّا بها وبخلفيتها التاريخية، إضافة إلى كلمة «السلام» وكلمة «مرحبا» واللغة أو اللغات المرتبطة بتلك الأنظمة، كما يحتوي كل جزء على نشاط معرفي تتوفر أجوبته في آخر الدليل، ومن بين الأنشطة الكتابة «بالبرايل» للتعريف بها واستئناسها من قبل الصغار، فبذلك تكون طريقة جدّ راقية في غرس روح التضامن مع فئة المكفوفين، من خلال معرقة هذه الكتابة، وبالتالي العمل على ترقيتها مستقبلاً.
- المكتبة الصينية للمكفوفين أنموذجًا
تعتبر المكتبة الرقمية الصينية لذوى الإعاقة البصرية تجربة إنسانية تستحق الدراسة، حيث ساهمت بشكل كبير في محو الأمية المعلوماتية، لكونها مركزاً لنشر المعلومات الرقمية واكتساب المعرفة لدى المكفوفين، فهو موقع إلكتروني على شبكة الانترنت يوفر المعلومات وتبادل المعرفة للمكفوفين وضعاف البصر، تم إنشاؤه تحت اشراف المكتبة الرقمية الصينية لذوي الإعاقة البصرية بمشاركة الاتحاد الصيني للمعوقين، ودار نشر برايل هاوس الصينية، وكانت البساطة والواقعية من أهم العوامل التي تم مراعاتها عند تصميم الموقع، وحسب المركز الإخباري «الصين بعيون عربية» يحتوى الموقع على عشرة أعمدة هم:
الأخبار:
يقدم آخر الأخبار المتعلق بالمكفوفين وضعاف البصر؛
كتب الكترونية: تضم الأوعية التي اختارتها المكتبة الوطنية الصينية،ما في ذلك مجموعات المكتبة الاصلية التي تم رقمتنها، والأوعية التي ولدت رقمية بحيث يمكن سمعها جميعاً عن طريق برنامج قارئ للشاشة؛
ملفات موسيقية: تضم ملفات mp3 مختارة من مجموعات المكتبة تقدم مجانا؛
محاضرات أون لاين.
إعلانات: تقدم أحدث الأحداث المتعلقة بذوي الإعاقة البصرية؛
زيارة الموقع: به مواعيد فتح المكتبة وموقعها وقاعات المطالعة لذوى الإعاقة البصرية.
القادمون الجدد: ينوّه عن الكتب المنشورة حديثاً؛
مقدمة عن المؤسسات: تشمل الوظائف ومعلومات الاتصال بالمكتبة؛
وصلات سريعة تربط بمواقع مختلفة.
مسابقة «قارئو برايل هم القادة»
«Braille Readers Are Leaders»
وهي مسابقة لتشجيع الأطفال المكفوفين على قراءة المزيد من المؤلفات بخط»برايل»، فمن الأهمية أن يتعلم الأطفال المكفوفون القراءة والكتابة كما هو الحال بالنسبة للأطفال الآخرين، فيمكن للقراء الجديين أن يثقوا بأنفسهم وأن يرفعوا قدراتهم على التعلم والتكيف مع مختلف المواقع التعليمية طوال حياتهم، لأن العديد من الأطفال المكفوفين يتخرجون من المدارس بمهارات ضعيفة في طريقة «برايل» وتوقعات منخفضة لأنفسهم كقراء، فهذه المبادرة من شأنها أن تؤكّد لدى المكفوفين على أن المؤلفات بخط» برايل» قادرة على المنافسة مع مؤلفات أخرى، وبالتالي تساعد هذه المسابقة الأطفال المكفوفين على إدراك أن قراءة طريقة برايل ممتعة ومفيدة جدًّا، وهذه المسابقة تم أطلاقها «الاتحاد الوطني للمكفوفين»
the National Fédération of the Blind
في أمريكا، وهي مؤسسة غير ربحية، تطوعية تتألف من المكفوفين والمبصرين المهتمين من جميع الأعمار وعائلاتهم وأصدقائهم، تساعد الفروع المحلية والأقسام واللجان والبرامج والمشاريع والمدربونلصالح الأشخاص المكفوفين من أجل التكيف مع فقدان البصر، وتعزيز المشاركة والاندماج الكامل للمكفوفين في المجتمع.
- دور مدارس ذوي الإعاقة البصرية بالجزائر
حسب موقع وزارة التضامن الوطني هي مدارس الأطفال المعوقين بصريا التي تعنى بالأطفال والمراهقين المصابين بعمى كلي أو الجزئي، يمنعهم من ارتياد مؤسسة دراسية عادية، يهدف إدماج مدرسي واجتماعي ومهني، وتكلف المدارس المذكورة بضمان التعليم التحضيري والتعليم المتخصص باستعمال المناهج والتقنيات الملائمة، مع تعزيز اليقظة وتنمية الوسائل الحسية والنفسية الحركية لتعويض الإعاقة البصرية، بالإضافة إلى ضمان المتابعة النفسية والطبية للحالة البصرية وتبعاتها على تنمية الطفل والمراهق، كما تعمل على إعداد المشروع البيداغوجي والتربوي للمؤسسة، وكذا التربية البدنية والرياضية المكيفة، هذا مع تطوير نشاطات ثقافية وترفيهية والتسلية الملائمة تجاه الأطفال والمراهقين المعوقين؛ وكل هذه الترسانة المؤسساتية تعمل على تشجيع التفتح وتحقيق كل الإمكانيات الفكرية والعاطفية والجسدية والاستقلالية الاجتماعية والمهنية للطفل والمراهق من أجل إدماجهم في الوسط المدرسي العادي و/أو في التكوين المهني ومتابعتهم.
- بيئتنا تحتضن الجميع
إن فقدان البصر ليس السمة التي تحدد الاشخاص أو مستقبلهم، كل يوم يجب أن نرفع توقعات المكفوفين ونتفاءل، لأن التوقعات المنخفضة تخلق عقبات بين المكفوفين وأحلامهم، من أجل مساعدة جميع البشر على عيش الحياة التي يريدونها، فيجب أن ندرك أنّ المشكلة الحقيقية المرتبطة بفقدان البصر ليست جوهر المشكلة، بل نقص المعرفة والفهم وقلّة الفرص أمام أقرانهم المبصرين هي جوهر المَشْكَلَة، فيجب أن نساهم كلّنا وبكلّ خبراتنا الجماعية، لإحداث الأجمل والأروع؛ بتوفير الفرص والظروف التمكينية للجميع؛ «فلون دموعنا» واحد ولأنّ «بيئتنا تحتضن الجميع».