يرى درور في توضيحات لاحقة لنظرية الدولة المجنونة أن إيران يجب أن «يراودها الخوف من أن تتصرف إسرائيل كدولة مجنونة، وهو ما يجعل إيران تميل للمصالحة مع إسرائيل، ولكن إيران قد تهاجم إسرائيل إذا تأكدت بشكل قاطع أن إسرائيل دولة مجنونة حقا». ويبدو أن استراتيجية نيتنياهو تدور في هذا الاتجاه، أي إيهام إيران بأن إسرائيل قد تكون «دولة مجنونة» لذا يجب تجنبها. ولكن أذا اقتنعت إيران بشكل لا جدال فيه بأن إسرائيل «دولة مجنونة» فإنها ستبادر بضرب إسرائيل، وهو ما سيضعها في مواجهة العالم، لكن الأذى الذي قد يلحق بإسرائيل سيكون كبيرا.
ويطرح «درور» قضية أخرى وهي خطورة امتلاك حركات «مجنونة» أسلحة غير تقليدية سواء نووية أو جرثومية أو كيماوية. فالتنظيمات المسلحة يكفيها، طبقا للعلماء، 25 كيلو من اليورانيوم عالي التخصيب لإنتاج سلاح نووي (رغم أن ذلك يعترضه توفر البنية التحتية لإنتاج الأسلحة النووية)، لكن إذا علمنا أن هناك حوالي 1.6 مليون كيلو من اليورانيوم عالي التخصيب مخزن في العالم، فإن أمر الحصول على اليورانيوم المخصب يكون أسهل مما يبدو للوهلة الأولى، والدليل على ذلك أن كميات الـ»كوبالت 60» التي سرقت من جامعة الموصل عام 2014 (وهو عنصر يستخدم لعلاج السرطان) قد تصل لأيدي تنظيمات، بغض النظر عن هويتها الآيديولوجية.
وطبقا لبعض الدراسات المستقبلية، فإنه إذا كان الهجوم النووي من التنظيمات احتماله 10% عام 2000، فإنه سيكون 99.5% عام 2050 (دراسة صادرة عن جامعة الدفاع الوطني الأمريكية – العدد 3- المجلد – 7 -2018)، ولكن إذا تمت إجراءات دولية صارمة في هذا الاتجاه، فإن الاحتمال يتراجع الى (39.5%)، لكنها- أي الاجراءات الدولية- لا تلغي الاحتمال.
وهنا يبرز سؤال جديد: هل سيتزايد انتشار السلاح النووي بإيقاع أسرع ولجهات أخرى غير الدولة؟، الإجابة تشير إلى عدد من المتغيرات يدفع بهذا الاتجاه مثل:
1- مشاعية المعرفة العلمية، فالمنحنى السوقي (Logistic Curve) يشير الى تناقص المسافة بين نقاط التحول في تطور النظريات العلمية (Paradigm Shift)، الى جانب ان خطوات إنتاج السلاح النووي لم تعد سرّا، وقد تتطور المعرفة في هذا الجانب الى الحصول على السلاح النووي بطرق أكثر يسرا، بل واقل تكلفة (كما هو الحال في أغلب أشكال التكنولوجيا المدنية والعسكرية).
2- قدرة كوريا الشمالية والباكستان والهند وإسرائيل وجنوب إفريقيا على امتلاك السلاح النووي، جعل دول الصف الثاني الأخرى تدرك ان الجدار الأخير للأمن هو السلاح النووي وأن امتلاكه أمر ممكن.
3- الهجمات الأمريكية والتدخلات العسكرية الخارجية وقعت كلها على دول «غير نووية»، مما يعزز فكرة أن السلاح النووي يمثل رادعا فعالا، فحتى الآن لم تتعرض للاحتلال أو الهجوم الاستراتيجي دول نووية.
4- تراجع الثقة في فعالية منع انتشار السلاح النووي، بدليل الانتشار المستمر بعد اتفاقية منع الانتشار. فالاتفاقية التي وقعت عام 1968، وأصبحت موضع النفاذ عام 1970، تم خرقها بشكل واضح ومعلن أربع مرات، انتهت لامتلاك السلاح النووي.
5- إمكانية إعادة معالجة البلوتونيوم على نطاق واسع في الصين واليابان يزيد الأمر تأكيدا من حيث الانتشار.
فإذا أضفنا لكل ما سبق احتمال انتشار الأسلحة الجرثومية والكيماوية وهي الأقل تعقيدا من حيث البنية التحتية لإنتاجها، يكون العالم على حافة معادلة تجعل الأمن الدولي أمام أكبر معضلة في التاريخ. فإذا كان عدد التنظيمات الواردة في قوائم الولايات المتحدة (بين المصنفة إرهابية أو رفعت لسبب أو آخر من القائمة) حوالي 84 تنظيما، وبعضها له فروع في مناطق أخرى (داعش أو غيرها)، فإن نجاح واحدة من هذه التنظيمات بالوصول الى هذه الأسلحة غير التقليدية يعني «مرحلة انتقالية استراتيجية» في العالم... ربما.