في البدء نرجو أن نتقدّم إليكم بأسمى آيات الشّكر والتّقدير على إيلاء صحيفتكم الغرّاء الإهتمام اللاّئق بأخبار السودان، والتطوّرات الجارية فيه بمصداقية وشفافيّة، ونوّد الإشارة هنا إلى المقال الذي نشر في عددكم بتاريخ ١٩ ديسمبر ٢٠٢٠، تحت عنوان: السودان ما هو مآل حراكه؟ وذلك في إطار رصد وتقييم عام للتطورات السياسية والإقتصادية والأمنية التي جرت وتجري في القارة الأفريقية بشكل عام، وتلك التي أعقبت ثورة ١٩ ديسمبر المجيدة في السودان، بصفة خاصة من قبل الكاتب، بيد أنّنا لاحظنا أنّ هناك بعض النقاط التي وردت في المقال المذكور، تحتاج منّا لفائدة القارئ، لإلقاء مزيد من الضوء عليها وإعادة عرضها في قالب أكثر موضوعية.
المقال بقلم صاحبه الدكتور محمد العربي ولد خليفة عموما، يشير بيراع حصيف ومتمرّس وملمّ بتاريخ السودان الحديث والقديم، سيما حينما سرد ومضات من تاريخ الثورة المهدية بقيادة الإمام محمد أحمد المهدي، مرورا بوقوف مواطني مدينة أم درمان والتي هي أحد أضلع المثلث الثلاثة للعاصمة الخرطوم مع الفريق القومي الجزائري لكرة القدم، وانتهاءً باندلاع ثورة ديسمبر المجيدة.
جاء في المقال: «حراك شعبي وصل إلى عودة العسكريين إلى السلطة ومواقعها السيادية في مرحلة إنتقالية يقودها خبير إقتصادي وترقبها مجموعات سياسية ونقابية باسم قوى التغيير».
في الواقع أن صفة الحكم الحالية في السودان ليست عسكرية محضة،بل هي شراكة حقيقية بين المؤسسة العسكرية والسلطة المدنية، تسندها حاضنة قوى الحرية والتغيير وجماهير الشعب السودانية وتعمل في تناغم وانسجام، وقد كوّنت مؤخرا مجلسا جامعا أسمته «مجلس الشركاء»، يختص بتقريب وجهات النظر بين أطراف هذه الشراكة في حال ظهور أيّة تباينات في المواقف. أي أنه بمثابة صمّام الأمان للسلطة الإنتقالية لتمكينها من الوصول إلى غاياتها، وهي إجراء إنتخابات حرّة ونزيهة دون إقصاء لأي فئة في نهاية الفترة الإنتقالية.
وردت فقرة تقول إنّ «الحراك الجزائري كان شعبيا محضا لم تؤطّره الأحزاب السياسية، ولم تؤثّر على مساره طيلة سنة كاملة قوى جهوية أو دولية، بينما الحراك السوداني محل تجاذبات من قوى من داخل المنطقة، ومن طرف القوى الكبرى التي مارست تأثيرا مباشرا عن طريق ضغوط سياسية واقتصادية، هدفها إعادة السودان إلى قبضة الدول المهيمنة على منطقة الشرق الأوسط ووكالاتها، وإهداء البلد المنهك بأزمته إلى صفقة القرن في القريب العاجل بعد اللقاء المتخفي في أوغندا».
نشير هنا ونؤكّد أنّ ثورة ديسمبر المجيدة في السودان، هي ثورة تاريخية عارمة، كانت متطلّباتها، وماتزال رغبة الشعب السوداني الحر الأبي، في التطلع إلى شمس الحرية، والانعتاق من براثن الديكتاتورية، وإنّ الأحزاب التي شاركت في الثورة كانت جزءاً من الشعب، وليست قائدة له. أما الإشارة إلى دول إقليمية وأخرى كبرى تمارس ضغوطا بصورة أو أخرى على سودان الثورة، للتأثير على توجّهاته وسياساته ومبادئه الوطنية، فهذا الاستنتاج في تقديرنا مجافٍ للحقيقة. صحيح أن هذه القوى من الدول الشقيقة والصديقة أعربت عن تأييدها للثورة الشعبية في السودان، وقدّمت الدعم النقدي والعيني للحكومة الانتقالية في السودان، ودعت باستمرار إلى تقديم الدعم لها جنبا إلى جنب مع الأمم المتحدة لتأمين سلامة عبور الفترة الانتقالية، بسلاسة وسلام. وفي هذا الشأن، نشير هنا إلى دعمها ورعايتها لاتفاق السلام الذي وقع في جوبا بين الحكومة والحركات المسلّحة في دارفور والمنطقتين (النيل الأزرق وجنوب دارفور)، بجانب تنظيم مؤتمر الشركاء الخاص بدعم السودان والذي انعقد في ٢٥ يونيو ٢٠٢٠، في برلين والذي التزم خلاله المانحون بالتزامات بلغت ٨ . ١ بليون دولار. وكذا الحال بالنسبة لمؤتمر إنجاح المرحلة الانتقالية في السودان، والذي رعته المملكة العربية السعودية في الرياض. إنّنا نرى أن أي دعم يقدّم للسودان في هذه الفترة الإنتقالية، التي يمر بها، وفي ظل ظروف إقتصادية ضاغطة، هو بمثابة دعم حقيقي لوحدة وسيادة وسلامة أراضي السودان، وتلبية لأشواقه في الحرية والاستقرار والسلام.
يجدر بنا أن نشير هنا وبإيجاز لبعض الإنجازات التي قامت بها الحكومة الانتقالية في السودان رغم مرور عامين فقط عليها:
- تمكّنت الحكومة من تحقيق السلام، وهي ماضية في التفاوض مع فصيلي عبد الواحد محمد نور وعبد العزيز الحلو، ليلتحقا بعملية السلام الشامل.
- استطاعت الحكومة رفع طوق العزلة الذي كان مفروضا عليها والانخراط كعضو نشط ومقبول في المجتمع الدولي. وكان نتاج ذلك أن قرّرت الولايات المتحدة الأمريكية رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، منذ العام ١٩٩٧، كما تمّ إخراج السودان من تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية من قائمة الدول التي تثير قلقا خاصا في سجلها للحريات الدينية. كذلك قام مجلس حقوق الإنسان بإنهاء ولاية الخبير المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، بعد ٢٧ عاما من التفويض الأممي لمقرّرين خاصين وخبراء مستقلّين يكلّفهم المجلس لتقديم تقارير عن وضع حقوق الإنسان في السودان، باعتباره أحد البلدان الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان عندئذ. وهذه الخطوة جاءت بعد التحسن الحقيقي الذي حدث في أوضاع حقوق الإنسان في السودان، في أعقاب ثورة ديسمبر ٢٠١٨، والتي فتحت الطريق لإجراء إصلاحات واسعة في هذا المضمار. أيضا أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، الأمر الذي سيعزّز من فرص نجاح الفترة الانتقالية، ويمهّد للسودان للاندماج في الاقتصاد العالمي وإنهاء عزلته، والاستفادة من قروض الصناديق والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية، وإلغاء وتخفيف مديونيته الخارجية، ورفع القيود المفروضة على تحويلاته المصرفية وحركته التجارية. بجانب فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية وتسهيل تحويل مدخرات المغتربين.
تزامنت مع هذه الخطوات، إجراءات في الداخل اتُّخذت لمكافحة الفساد ورتق النسيج الإجتماعي، والعمل على إعادة تأهيل بعض المشروعات التنموية الإستراتيجية التي أهملت في الحقبة السابقة.
وختاما ألتمس كريم تفضّلكم علينا بالتوجيه بنشر تعليقنا المرفق في ذات الصفحة التي ورد فيها المقال موضوع التقرير، تأكيدا لمبدأ حق الرد والتعليق على ما ينشر فيما يخص الأوضاع السياسية في الدول، بخاصة الشقيقة منها، وثقتنا أنّكم فاعلون للمصداقية التي تتمتّعون بها، والتي هي جزء لا يتجزّأ من رسالة صحيفتكم الغرّاء الواسعة الانتشار.
وتفضّلوا بقبول وافر الشّكر والتّقدير.