وضعية صعبة تفاقمت مع جائحة كورونا

التعليم.. ضحيّة الأزمات السياسية والنزاعات المسلّحة

أسامة.إ

كان التعليم في العالم، قبل وباء كوفيد19، يُعاني من عراقيل لا حصر لها، على رأسها عدم الاستقرار السياسي وما قد ينجم عنه من أزمات ونزاعات مسلّحة، التي من تبعاتها اللجوء والنزوح، وكذا تفشي الأمراض على نطاق واسع. وعطفا على مقال أوّل نشرناه حول مقترحات اليونسكو لتعليم ما بعد كورونا، ومقال ثانٍ حول التعليم الموجّه لذوي الإعاقة، نتطرّق اليوم، مستأنسين بمقال خبيريْن بالبنك الدولي، إلى مسألة التعليم كحقّ للأطفال رغم الصراعات والنزاعات، التي كانت قبل كوفيد19، ولن تنتهي بالضرورة بانقضاء الوباء.

نهاية شهر أكتوبر الماضي، نشر كلّ من خايمي سافيدرا وفرانك بوسكيه مقالا بموقع البنك الدولي، عنوانه «الالتزام بالتعليم كحق لكل طفل رغم الصراعات والأزمات»، تحدثا فيه الأزمة التعليمية التي يتعرّض لها أطفال العالم، خصوصا في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، ويعود ذلك في غالب الأحيان إلى الأزمات السياسية، والنزاعات المسلحة وما ينتج عنها من لجوء ونزوح، ضف إلى ذلك الأمراض المتفشية، بمعنى آخر، وقد فاقمت «كورونا» هذا الوضع بشكل خطير بسبب الحرمان الكلّي أو الجزئي من التعليم عن بُعد.

أزمة تعليم عالمية

يقول سافيدرا وبوسكيه إنه حتى قبل تفشي فيروس كورونا، كان أطفال العالم في خضمّ أزمة تعليمية، حيث نجد أن أكثر من نصف الأطفال (53%) في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل يعانون فقرا في التعلّم، أي أنهم لا يستطيعون قراءة أو فهم نص بسيط وهم في سن العاشرة أو في نهاية المرحلة الابتدائية. ونجد هذه النسبة ترتفع إلى 80% في البلدان الفقيرة. «أزمة التعلم هذه لا تحدّ فقط من قدرات الأطفال، بل إنها تهدّد تنمية رأس المال البشري في البلدان وتقلل نموهم الاقتصادي في المستقبل».
ويضيف الخبيران أن الأزمة تحتدم بشكل خاص بالنسبة للأطفال في البلدان المتأثرة بالهشاشة والصراع والعنف. فعندما يضطر الأطفال إلى ترك المدرسة بسبب الصراعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية أو الأزمات السياسية أو تفشي الأمراض على نطاق واسع، فقد لا يستطيعون استئناف التعليم مرة أخرى أو الحصول على التدريب المطلوب للعمل بعد الأزمة. فما يقرب من 34 مليون طفل، يشكلون 40% من النازحين قسرا في العالم كانوا دوما مُستبعدين من التعليم قبل نزوحهم، والآن يُحرمون من التعليم لسنوات أخرى بسبب طول أمد التهجير، مما يضيع «أجيالا» كاملة. كما أن قطع السبل أمام الحصول على التعليم يمكن أن يفاقم من الإحباط، والشعور بالظلم والإحساس بعدم الإنصاف. وعندما يضاف كل هذا إلى البطالة، فإنه يفضي إلى تعريض المجتمع للمزيد من مخاطر الصراع المسلح.
ويلاحظ الخبيران أن جائحة كورونا فاقمت من هذا الوضع بدرجة كبيرة. وإذا كان ما يزيد عن 90% من أطفال العالم خارج المدارس الآن، فإن الأطفال في المناطق الموبوءة بالهشاشة والصراعات والعنف يتكبدون خسائر أكبر في التعليم بسبب حرمانهم كليا أو جزئيا من خدمات التعليم عن بعد. وفي الكثير من الأحيان يعدمون سبل الحصول على التغذية المدرسية والخدمات الصحية التي تشكل في كثير من الأحيان المصدر الرئيسي لتغذيتهم وتخليصهم من الديدان وتطعيمهم. كما يواجهون مخاطر أكبر في الحرمان من العودة إلى المدارس بعد أن تفتح أبوابها من جديد. وعلى سبيل المثال، يتوقع «صندوق مالالا» أن ما يقارب نصف الفتيات اللاجئات لن يعدْن إلى المدارس مرة أخرى عندما تفتح أبوابها من جديد. بالنسبة للأطفال النازحين، فإن هذا الإقصاء يفاقم من معاناتهم من الصدمة وإحساسهم باليأس ولجوئهم إلى العنف.

التركيز على الفئات الأكثر حرمانا

ويرى كاتبا المقال أن تركيز مؤسسات مجموعة البنك الدولي على الفئات السكانية الأكثر حرمانا يعني توجيه 5.4 مليار دولار، من إجمالي استثماراته القائمة في مجال التعليم (التي تبلغ في مجملها 20.6 مليار دولار) إلى الفئات السكانية المتأثرة بالهشاشة والصراع والعنف، من أجل بناء أنظمة تعليمية قابلة للتكيف قادرة على الصمود وتفي باحتياجات من يعيشون في أحلك الظروف.
ويستشهد الخبيران بالمثال الكاميروني، فللكاميرون تاريخ طويل في استضافة اللاجئين من البلدان المجاورة، حيث تستقبل أكثر من 418500 لاجئ من جمهورية أفريقيا الوسطى ونيجيريا. ويساعد «مشروع دعم إصلاح التعليم في الكاميرون» (تبلغ تكلفته الكلية 130 مليون دولار أمريكي حسب موقع البنك الدولي) على تحسين سبل الحصول على التعليم قبل الابتدائي والابتدائي، من خلال التركيز على المدارس الحكومية لكل من اللاجئين والمجتمعات المضيفة. وهذا الاستثمار هو جزء من حزمة متعددة القطاعات للتصدي للنزوح القسري في البلاد.
من جهة أخرى، فإن غياب التعليم يؤثر بشكل غير متناسب على المرأة والفتاة وعلى ذوي الإعاقة، والتمييز على أساس نوع الجنس، الذي يقلص فرصهم في الحياة، قد يؤدي إلى إبطاء المكاسب التي تحققت في رأس المال البشري، هذا إن لم يبددها تماما.
أما في باكستان، يركز «مشروع خيبر بختونخوا للاستثمار في رأس المال البشري»، على تحسين فرص إتاحة التعليم وجودته لجميع الأطفال، لاسيما اللاجئين والفتيات، في ضواحٍ معينة تستضيف اللاجئين بإقليم بختونخوا. وسيستفيد الأطفال خارج المدرسة وداخلها من المشروع الذي سيقدم مساهمات مباشرة لتعزيز تعليم الأطفال، وتمويل إنشاء المزيد من الفصول المدرسية، وقياس مستوى إلمام الأطفال بأساسيات القراءة والكتابة والحساب باستخدام تقييم إقليمي.


86 مشروعا تعليميا في 62 بلدا
ويؤكد سافيدرا وبوسكيه أنه يجري تكييف هذا المشروع، وغيره كثير، للتصدي لتعطيل الدراسة حاليا نتيجة جائحة كورونا التي فاقمت من تقويض جهود تعليم اللاجئين. ويتأثر اللاجئون بالجائحة بدرجة أكبر بسبب أحوالهم المعيشية وكثيرا ما يأتون في مقدمة من يحرمون من المدارس.
ويقول الخبيران، إنه للتصدي لجائحة كورونا، تعكف مجموعة البنك الدولي على إعادة هيكلة عملياتها أو إعداد 86 مشروعا تعليميا متصلا بجائحة كورونا في 62 بلدا تبلغ قيمتها نحو 2.4 مليار دولار، مع التركيز على العوامل الأساسية المحفزة للتعليم: إعداد المتعلمين، تحفيز المعلمين الأكفاء، توفير الموارد المناسبة والبيئات المواتية للتعلم، وفعالية الإدارة والقيادات المدرسية.
مثلا، نجد أن التمويل الإضافي لبرنامج «مساندة إصلاح التعليم وفقا للنتائج» بالأردن، الذي يشارك في تمويله الصندوق العالمي للتمويل الميسر، سيساعد على إلحاق جميع الأطفال الذين بلغوا سن الخامسة في العام الدراسي 2020-2021 بالمدارس، وسيوفر سبل التعليم عن بعد للتعويض عن إغلاق المدارس. كما يضمن الوفاء بالحد الأدنى من معايير الصحة والسلامة للعودة الآمنة إلى المدارس في العام الدراسي القادم. ويضاف 100 مليون دولار أخرى إلى 200 مليون دولار خُصصت في الأصل لبرنامج مساندة الإصلاح مقابل النتائج لعام 2017، والذي يرمي إلى توسيع نطاق التعليم المبكر وتحسين التقييم الطلابي، والتدريس وظروف التعلم للأطفال الأردنيين والأطفال السوريين اللاجئين.
بالمثل، بموجب مبادرة تعزيز المهارات في بلدان المشرق، جدّد كل من الأردن ولبنان التزامهما بتعزيز وسائل التكنولوجيا لتوفير الخدمات التعليمية للتعويض عن إغلاق المدارس بسبب أزمة كورونا. وبالتعاون «الوثيق مع القطاع الخاص، تدعم مجموعة البنك الدولي الشركاء الدوليين والمحليين لإعداد 500 ألف فتاة ورجل في العراق والأردن ولبنان للتكيّف مع الاقتصاد الرقمي»، يضيف الخبيران.
ودائما في الأردن، تمّ إنشاء بوابة تعليمية أُطلق عليها «درسك»، من خلال شراكة بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الاقتصاد الرقمي والريادة والقطاع الخاص. أما في لبنان، تعاونت أكاديمية منطقة بيروت الرقمية مع مشروع البنك الدولي لتعزيز المهارات في بلدان المشرق ومؤسسة Code.org لتقديم دورات ترميز مجانية باللغات الإنكَليزية والفرنسية والعربية للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 18 عامًا في جميع أنحاء البلاد. ومثل هذه الشراكات «هي نهجنا المهم الذي نسلكه إزاء التعليم في مناطق الأزمات، فالعمل مع الحكومات ووكالات الإغاثة الإنسانية ومجتمع التنمية الدولي يتيح لنا مؤازرة سائر مقدمي الخدمات، واللجوء إلى طرق بديلة لتقديم الخدمات التعليمية وضمان استمراره وسط ظروف صعبة على المدى الطويل»، يقول الخبيران والمسؤولان بالبنك الدولي.

علاج الأزمات النفسية لدى الأطفال

ويتحدث سافيدرا وبوسكيه عن وجود نهج رئيسي آخر، يتمثل في إعداد المناهج ووضع الممارسات داخل الفصول المدرسية بما يساعد على علاج الأزمات النفسية للأطفال الذين تعرضوا للصراعات والأزمات والنزوح. وبعد نهاية أزمة إيبولا في ليبيريا، على سبيل المثال، تولى صندوق إعادة الإعمار والتعافي من آثار إيبولا تمويل «برنامج الطمأنينة للأطفال»، الذي عمل على علاج الأطفال نفسيا وعلى تعزيز قدرة الاحتمال لدى الأطفال الذين تعرضوا للأزمات والكوارث. وقام البرنامج في الأساس على فكرة كتاب الأنشطة بعنوان «قصتي» وما يرتبط بها من أنشطة مدرسية، وهو ما أتاح للأطفال فرصة التعبير عن مشاعرهم إزاء تجاربهم من خلال الرسم والكتابة والمناقشات الميسرة. هذه البرامج ساهمت في زيادة معدلات الالتحاق بالمدرسة حتى وصلت إلى مستويات تفوق ما كانت عليه قبل جائحة الإيبولا.
ويعتبر الاستثمار في رأس المال البشري مع التركيز بشكل خاص على الفئات الأشد ضعفا، من خلال وسائل من بينها التعليم، جزءً أساسياً في استراتيجية مجموعة البنك الدولي، للتعامل مع أوضاع الهشاشة والصراع والعنف (يُطلق عليها إستراتيجية مجموعة البنك الدولي للتعامل مع أوضاع الهشاشة والصراع والعنف 2020-2025، ويتوقع البنك الدولي أنه بحلول عام 2030، سيعيش ما يصل إلى ثلثي الفقراء فقرا مدقعا في العالم في بلدان تسودها أوضاع الهشاشة والصراع والعنف، وقد تمّ تسجيل زيادة الصراعات على مستوى العالم إلى أعلى المستويات التي لوحظت خلال الثلاثين عاما الماضية، كما يواجه العالم أيضا أكبر أزمة نزوح قسري تم تسجيلها على الإطلاق).
من هذا المنطلق، تم «تعزيز الاستراتيجية بنحو 25 مليار دولار من التمويل على مدى السنوات الثلاث القادمة مقدّمة من المؤسسة الدولية للتنمية، صندوق البنك الدولي المعني بمساعدة بلدان العالم المنخفضة الدخل». وخلص سافيدرا وبوسكيه إلى أن هذا الالتزام المؤسسي «القوي» سيكون «أساسيا لدعم وتعزيز المزيد من الأنظمة التعليمية الأكثر صمودا وشمولا في وقت تتعافى فيه المجتمعات من الجائحة».

نبذة عن المؤلفيْن

يرأس البيروفي خايمي سافيدرا Jaime Saavedra قطاع الممارسات العالمية للتعليم بمجموعة البنك الدولي اعتبارا من 3 أفريل 2017. ويعود سافيدرا، الحاصل على دكتوراه في الاقتصاد من جامعة كولومبيا، إلى مجموعة البنك الدولي بعد أن شغل منصب وزير التعليم في حكومة بيرو بين عامي 2013 و2016. «وخلال فترة توليه الوزارة تحسّن أداء النظام التعليمي في بيرو تحسّنا ملموسا حسبما تظهر تقييمات التعلّم الدولية»، حسب موقع البنك الدولي.
وطوال حياته العملية، قاد سافيدرا أعمالا رائدة في مجالات الفقر والمساواة بين الجنسين، والتوظيف وأسواق العمل، واقتصاديات التعليم، وأنظمة المتابعة والتقييم. وقد شغل مناصب في عدد من المنظمات الدولية والمراكز البحثية من بينها بنك التنمية للبلدان الأمريكية، واللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، ومنظمة العمل الدولية، ومجموعة Grupo de Análisis para el Desarollo والمجلس الوطني للعمل في بيرو.
كما عمل سافيدرا في وظائف تعليمية وبحثية في مؤسسات أكاديمية ونُشر له العديد من الكتب. وقبل توليه منصب وزير التعليم في بيرو، قضى عشر سنوات في البنك الدولي حيث شغل عدة مناصب كان أحدثها مدير مكافحة الفقر والمساواة بين الجنسين وكذلك نائب الرئيس بالإنابة لشبكة مكافحة الفقر والإدارة الاقتصادية. ويحمل سافيدرا درجة الدكتواره في الاقتصاد من جامعة كولومبيا والبكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الكاثوليكية في بيرو.
أما الفرنسي فرانك بوسكيه فهو مدير البرامج الإقليمية والشراكات والحلول المتكاملة في مكتب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي. ويدير فرانك مشاركة البنك الدولي في المنطقة مع الشركاء في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما فيها الصناديق العربية الثنائية والإقليمية والمفوضية الأوروبية وكذلك المؤسسات المالية الإقليمية والدولية الأخرى. كما يدير برامج البنك الدولي في المنطقة في قطاعات معينة ويقود مبادرات خاصة تتطلب تعاونا بين مختلف القطاعات.
وقبل توليه هذا المنصب، شغل فرانك منصب مدير قطاعات التنمية الحضرية والاجتماعية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك. وكان أيضا المنسق الإقليمي بالبنك لإدارة مخاطر الكوارث في المنطقة. وبين عامي 2010 و2011، كان فرانك منسقا لوسط وغرب أفريقيا في وحدة المياه والتنمية الحضرية بالبنك حيث كان يشرف على محفظة حجمها حوالي ملياري دولار تغطي 20 بلدا في وسط وغرب أفريقيا. وفي الفترة من 2008 إلى 2009، عمل فرانك قائما بأعمال رئيس القطاع بإدارة التنمية المستدامة بالبنك الدولي لكل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية الكونغو. وقبل التحاقه بالبنك، عمل مديرا ماليا لمرفق المياه ومستشارا للشؤون الاقتصادية والأوروبية في الإدارة الفرنسية للطرق البرية السريعة. وعمل أيضا في عدد من البنوك الاستثمارية، ولاسيما في مجال إدارة الأصول واستراتيجيات المشتقات وإدارة المخاطر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024