تعد المجموعة الموالية لتنظيم "داعش" في منطقة الساحل الإفريقي، والتي يقودها أبو الوليد الصحراوي، من أهم المجموعات الخارجية، لما تمتلكه من قدرات تنظيمية وخبرات عسكرية بشكل يمكن أن يمنحها القدرة على الحركة والانتشار، في ظل تواجدها في منطقة تعد إحدى البؤر الجاذبة للتنظيمات الإرهابية بصفة عامة، وهو ما جعل "داعش" يُعوِّل عليها خلال الفترة الماضية من أجل تعزيز نفوذه، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول التداعيات المحتملة التي يمكن أن يفرضها مقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي على تلك المجموعة، خاصة مع تولي أبو إبراهيم الهاشمي القرشي القيادة خلفاً للأخير، حيث بدا لافتاً أنها لم تسارع إلى إعلان البيعة له.
ـ سمات خاصة:
وضعت اتجاهات عديدة المجموعة "الداعشية" الموجودة في منطقة الساحل والصحراء في القائمة التي تضم أخطر الفروع الموالية لتنظيم "داعش" في القارة الإفريقية. ورغم أنها لا تمتلك القدرات التي حصلت عليها "ولاية غرب إفريقيا" (بوكو حرام سابقاً) على سبيل المثال، إلا أنها تضم بعض العناصر التي لديها خبرة عسكرية وعملياتية، حيث أن غالبيتهم، بما فيهم أبو الوليد الصحراوي، كانوا أعضاء سابقين في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وقد مثّل تحولهم نحو تنظيم "داعش" في عام 2014 ضربة قوية للأول في ذلك التوقيت، على نحو عرَّضهم للدخول في مواجهات مع العناصر والمجموعات "القاعدية" المنتشرة في تلك المنطقة. ومن هنا، اعتبر تنظيم "داعش" تلك المجموعات بمثابة حائط صد ضد محاولات "القاعدة" السيطرة بشكل كامل على تلك المنطقة.
وقد كان لافتاً أن تلك المجموعة سارعت إلى فتح قنوات تواصل مع الأفرع الأخرى الموجودة في مناطق الجوار، حيث قدمت دعمها لما يسمى بتنظيم "جند الخلافة" الذي يعد ذراع تنظيم "داعش" داخل تونس، كما ساعدت حركة "بوكو حرام" (ولاية غرب إفريقيا) في توسيع نطاق هجماتها داخل العديد من دول الساحل، وهو ما كان أحد الأسباب الرئيسية التي مكنت "داعش" من رفع مستوى نشاطه الإرهابي في مناطق شمال وغرب إفريقيا.
ومن هنا، فإن أية ضربات محتملة قد تتعرض لها تلك المجموعة من جانب القوى المناوئة لـ"داعش"، يمكن أن تُقوِّض مساعيه لتعزيز وجوده في منطقة الساحل، التي يعتبرها إحدى أهم المناطق التي يمكن أن تُعوِّض الخسائر التي تعرض لها داخل كل من العراق وسوريا. كما أن أية تحولات قد تحدث على المستويين الأيديولوجي أو التنظيمي ربما تفرض التأثير نفسه في الفترة القادمة.
وقد بدأت مؤشرات ذلك تظهر بالفعل، على نحو بدا جلياً في عدم مسارعة مجموعة الساحل والصحراء إلى مبايعة القائد الجديد أبو إبراهيم الهاشمي القرشي. وحتى لو صدرت هذه البيعة في الفترة القادمة فإنها ستكون متأخرة، وهو ما يعني وجود حالة من التردد في تجديدها، بما يزيد من احتمال أن تواجه مجموعة "داعش" في الساحل والصحراء أزمة غير هينة، ربما تكون لها تداعياتها على الوجود "الداعشي" في تلك المنطقة.
ـ تأثيرات محتملة:
يبدو أن مقتل أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم "داعش" السابق سيفرض تداعيات ليس على المجموعات المتبقية داخل سوريا والعراق فحسب، وإنما أيضاً على الفروع الخارجية، خاصة مجموعة الساحل والصحراء، ويمكن تحديد أبرز تلك التداعيات فيما يلي:
1. إضعاف الارتباط: أدت الانكسارات المتتالية التي تعرض لها تنظيم "داعش" الرئيسي إلى تصاعد حدة الانقسامات داخله، وهو ما ساهم في تراجع ثقة عناصره وكوادره في القيادة توازى مع سعى بعض قيادات الخارج إلى نقل قيادة التنظيم من العناصر العراقية المسيطرة عليه عقب انتهاء مرحلة البغدادي، لاسيما في ظل وجود قيادات، على غرار أبو الوليد الصحراوي، لديها طموح في الوصول إلى السلطة، حيث كان الأخير يعتقد أن التنظيم قد ينقل مقر قيادته إلى هذه المنطقة بعد سقوط مشروعه في سوريا والعراق، ومن ثم فإن مسارعة التنظيم الرئيسي إلى تعيين القرشي قد تؤدي إلى اتساع نطاق الاستياء لدى قادة تلك المجموعات، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على مدى ارتباطها بالتنظيم خلال الفترة القادمة. ومن هنا قد لا يبدو اتجاه بعض القيادات داخل تنظيم "داعش" في الساحل والصحراء إلى الانشقاق احتمالاً مستبعداً في تلك الفترة.
2. عدوى الانقسام: يبدو أن مقتل البغدادي قد يفتح باب الانقسامات، ليس من جانب الفروع الخارجية فحسب، وإنما من قبل المجموعات الداخلية أيضاً، حيث شهدت الشهور الأخيرة، قبل مقتل البغدادي، عدداً من حالات التمرد ضده، خاصة من قبل المقاتلين الأجانب، لاسيما القادمين من شمال إفريقيا، على خلفية الهزائم العسكرية التي تعرض لها وحملوه المسؤولية عنها، واتهموه بالفشل في إدارة التنظيم. وقد كانت بعض القيادات من تنظيم "داعش" في الساحل الافريقي من ضمن الذين تبنوا هذه الرؤية السلبية في الفترة الماضية.
3. اهتزاز الولاء: لم تحظ مسارعة التنظيم الرئيسي إلى تسمية شخصية مجهولة وغير معروفة لدى العديد من الفروع الخارجية لتولي منصب القيادة بقبول من جانبها، حيث أنها ترى أن ذلك يمثل محاولة لفرض الأمر الواقع على العناصر والمجموعات الداخلية والخارجية، وهو ما يسمى في بعض الأدبيات بـ"البيعة المجهولة"، التي تعد آلية قديمة تبنتها بعض التنظيمات الإرهابية لإعادة ترتيب صفوفها في حالة حدوث تحولات على مستوى القيادة وبهدف السيطرة على إدارة شؤونها. وربما يساهم ذلك في تراجع ولاء بعض المجموعات الخارجية، التي قد ترفض هذه الآلية وتسعى إلى التعبير عن ذلك بوسائل أخرى مضادة.
4. تصاعد الضغوط "القاعدية": اكتسبت منطقة الساحل الافريقي اهتماماً خاصاً من جانب تنظيم "القاعدة"، التي اعتبرها منطقة نفوذ تقليدي، على نحو دفعه إلى العمل باستمرار على تحجيم أنشطة التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم "داعش"، من خلال توجيه ضربات قوية لها، مما أدى إلى تقليص نفوذها بالفعل، ألى أن أعلن أبو وليد الصحراوي في جانفي 2018، عن رغبته في التعاون مع "القاعدة" في مواجهة القوى المناوئة للتنظيمات الارهابية. ومن هنا، فإن مقتل البغدادي وتأخر الصحراوي في إعلان البيئعة القائد الجديد قد يدفع "القاعدة" إلى رفع مستوى ضغوطها على المجموعات الداعشية، ليعود الصراع والتنافس سمة رئيسية العلاقات بين تلك التنظيمات.
وأخيرا، وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول أن مقتل البغدادي ستكون له انعكاسات مباشرة على فرع تنظيم "داعش" في منظقة الساحل الافريقي، على نحو قد يدفعه إلى إعادة النظر في مساراته التنظيمية وارتباطاته الفكرية خلال المرحلة القادمة.