يرتيط التاريخ بالجغرافيا في ثنائية منسجمة تنقل لنا صور الاحداث والمواقف المصيرية التي عايشتها المدن والدول والمجتمعات ، وفي اطار ذلك ترتفع القيمة الحضارية والرمزية للمناطق والمدن بالاستناد الى ما عاشته وتحتفظ به من صور تؤرخ وتنقل فيه تلك اللحظات التاريخية التي كانت مصيرية ومفصلية في تاريخ الشعوب في كل دولة.
مدينة رقان بالجزائر ومدينة هيروشيما اليابانية ، وبالرغم من بعد المسافة الفاصلة بينهما، الا انهما مدينتان تجتمعان وترتبطان بقواسم مشتركة سجلها الزمن ويحتفظ بها التاريخ في كل من الجزائر واليابان، مدينتا الذاكرة والتاريخ هما رقان وهيروشيما شاهدتان على جرائم ضد الانسانية والتي ارتكبت في حق الابرياء، وتمثل البشاعة وغياب الانسانية والضمير لدى دول تعثر تاريخها وسيبقى مستقبلها متأسفا على اخطاء الماضي.
تخبرنا مدينة رقان الواقعة في الجنوب الغربي للجزائر، وذات يوم من تاريخ 13 فيفري1960 على أن سكانها استيقظوا على دوي انفجار قنبلة نووية بلغت طاقة تفجيرها 60 كيلو طن، حيث يؤكد الخبراء والمؤرخين ان فرنسا اجرت 17 تجربة نووية في الجزائر من 1960الى 1966، لتحول الجرائم النووية الفرنسية مدينة رقان الى مقبرة للأحياء، اين لا تزال المنطقة تعاني الى اليوم من أثار التجارب النووية لفرنسا الاستعمارية بالجزائر، وفي نفس السياق تحكي هيروشيما ألمها وتحتفظ بذكريات القاء القنبلة النووية يوم 06 اوت 1945والتي تزن 4.5 طن على هيروشيما في جريمة ستبقى مكتوبة في سجل سقطات الولايات المتحدة الامريكية، ويحتفظ متحف هيروشيما للسلام بتفاصيلها ووقائعها الكارثية
استطيع ان أقول ان سؤال حقوق الانسان قد انطلق من مدينتي هيروشيما و رقان، والتعدي على حق سكان المدينتين في الحياة، هو ما يجعل من الجزائر واليابان أهم دولتين يحق لهم المناداة والمرافعة حول عالم خالي من الاسلحة النووية ، كما لهم احقية المطالبة بالتزام دول العالم بتعهداتهم التي ينص عليها ميثاق حقوق الانسان العالمي ويضاف الى ذلك اعتبار أن مدينتي رقان وهيروشيما في كل من الجزائر واليابان أنها مدن ضحية للقانون الدولي الانساني وهو ما يجعل من قضية المسؤولية عن تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم، وهنا تجدر الاشارة الى انه اذا نجحت اليابان في توقيع اتفاقية تسوية مع الولايات المتحدة حول كارثة هيروشيما، فان الجزائر لا تزال تقاوم التعنت والتجاهل الفرنسي للملف، والذي أصبح من الواجب على محكمة العدل الدولية التحرك لتسوية هذا الملف الذي يجوز مقارنة بشاعته وهمجية بل تفوق اثاره ما يمارسه الارهاب اليوم في العالم.
ان الحديث عن مدينتي رقان وهيروشيما يقودنا للحديث عن العلاقات الجزائرية اليابانية وهي تحتفي بعامها الــ 60، من الصداقة والاحترام المتبادل، كما يفتح ملف ضحايا التجارب النووية باب التعاون الجزائري الياباني أكثر ضمن مسعى تعزيز العلاقات، وبالتالي يمكن ان نتحدث عن اقامة مشاريع مشتركة في المجال الصحي والتقني وتبادل الخبرات في التعامل مع أثار التجارب النووية خصوصا وأن مدينة رقان لا تزال الى اليوم تعاني ويعاني سكانها من اثار التفجير الهائل الذي عرفته المنطقة حيث تشير التقديرات الى ان رقان عرفت تفجيرا نوويا يفوق 04 مرات التفجير الذي شهدته مدينة هيروشيما والتي نجحت في التغلب على أثار الكارثة النووية التي عرفتها وتمثل مدينة تنبص بالحياة وتشكل مقصدا سياحيا مهما في اليابان .
واعتبارا لكل هذا فان مدينة رقان ومدينة هيروشيما هما مدينتان للسلام ، ومن شأنهما التأسيس لتبادل وتعاون يضاف لعلاقة الصداقة الجزائرية اليابانية حيث يعد منطلقه تنموي ومسعاه دبلوماسي يساهم في قيادة الحملة العالمية الداعمة لجهود الامم المتحدة في بلوع عالم خال من الأسلحة النووية.