تستعد الجزائر، يوم الجمعة، أول نوفمبر للاحتفال بذكرى الثورة الجزائرية، ويتوّقع كثيرون أن يشهد الاحتفال زخما شعبيا لعله يتفوق على ما عرفته احتفالات الجزائر في يوليو الماضي بعيد الاستقلال، وهذه من بركات الحراك الشعبي حيث أصبحت معظم الأعياد الوطنية تمر بنا وكأنها يوم عطلة مدفوعة الأجر، بل راحت المقادير تسخر منا فإذا بالعيد الوطني وحتى الديني يقع في يوم عطلة أسبوعية عادية، وكان المفروض أن تحتسب بعيدا عن الحق الطبيعي للعمال، وكنت طلبت ذلك خلال عضويتي بمجلس الأمة من وزير العمل آنذاك وكتبت عنه، ولا حياة لمن كنا ننادي.
والمهم الآن هو أن خصوم النظام يشحذون أسلحتهم ويحشدون صفوفهم ويُعدّون لافتاتهم لإغراق الحشود الشعبية التي يمكن أن تعرفها بعض ميادين الجزائر وساحاتها، بهدف إعطاء الشعور العام بأن الجماهير الملايينية تدعم مطالب الأحزاب الثلاثة الرئيسة التي تتصدر الدعوة لرفض الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 ديسمبر القادم.
تم اللجوء إلى عدد من رجال الدين، طلائعهم من منطقة معينة، أصدروا بيانا من المؤكد أن معظمهم، بكل حسن نية، لم يقرأ جيدا التعبير الذي حُشِر في البيان رائع الصياغة عملاق البلاغة، وهو القول بأن «الاستفتاء الذي قدمه الشعب في مختلف جُمعات حراكه يُغني عن أي استفتاء آخر»، أي على المكشوف، هتافات بعض الجماهير في بعض الشوارع والساحات تُغني عن الانتخابات، التي هي أساس البناء الديموقراطي.
ويجب أن يذكرنا هذا بما قاله أحد الوجوه السياسية المعبرة عن الاتجاهات المعروفة من أن ديموقراطية صناديق الانتخاب هي ديموقراطية تسحق الأقليات، وهو أمر غريب لم تنتبه له أمريكا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وحتى السنغال، ويكشف كيف أن هناك من يريد أن يفرض على الجماهير ما ترفضه أو ما لا يتجاوب مع طموحاتها وآمالها، وهي خلفية رفض الانتخابات الرئاسية.
تكفي إشارة سريعة إلى الاتجاهات الرئيسية لتلك الأحزاب الرافضة للانتخابات الرئاسية، والتي كانت جزءا من نظام الحكم في فترات متفاوتة من مرحلة استرجاع الاستقلال، والتي يدينها القوم جملة وتفصيلا رغم أنهم كانوا من أكثر من استفادوا منها.
بعيدا عن أي تشهير أو إساءة بل مجرد تذكير بواقع معروف نجد أن قيادة الحزب الأول رفعت كنموذج يحتذى به حالة «كاتالونيا» الإسبانية، وقيادة الحزب الثاني تنادي بحذف مادة «الإسلام دين الدولة» من الدستور، وقيادة الحزب الثالث ترفض تنفيذ أحكام الإعدام أيا كانت الجريمة المرتكبة.
تلك القيادات في مجموعها تتناقض مع سياسة التعريب التي انتهجتها حكومات الجزائر المتوالية، وخصوصا في عهد الرئيس هواري بومدين، وبعض تلك القيادات، التي تشكك في نزاهة الولاة والقضاة وغيرهم ممن سيشرفون على الانتخابات الرئاسية، كانت جزءا من عملية ترشيح جنرال سابق لرئاسة الجمهورية مع وجود نفس المشرفين، ومن بينهم من طالتهم يد العدالة مؤخرا.
لم يكن سرا أن الحراك الشعبي الجزائري عرف فتورا كبيرا في الأسابيع الأخيرة، بعد أن أدرك كثيرون أن هناك من يحاول ركوب الحراك تنفيذا لأجندات معينة، لا تعبّر بالضرورة عن إرادة الجماهير عبر التراب الوطني، وباستثناء مواقع معينة مرتبطة بأجندات معينة.
جاءت قضية قانون المحروقات لتحاول بعضُ التوجهات تجنيد الجماهير ضد النظام بتقديم القانون كتفريط في حقوق الجزائر وفي ثرواتها، وذكرني ذلك بالهجوم الذي استهدف الرئيس الراحل هواري بومدين في الثمانينيات، بحجة أنه لم يقم إلا بتأميم 51 في المائة من النفط الجزائري بدلا من مائة في المائة، وهم يجهلون أو يتجاهلون بأن تداعيات تأميم الرئيس الإيراني مصدق للبترول كانت أمام الرئيس الجزائري وهو يتخذ القرار، وهي التداعيات الكارثية التي كانت وراء انقلاب زاهدي وإسقاط نظام الحكم الوطني على يد المخابرات الغربية التي كانت مجندة لخدمة الشركات النفطية الكبرى.
أنا لست خبيرا في قضايا الغاز والبترول، ولا أعتقد أن كثيرين ممن تظاهروا مندّدين بالقانون يعرفون أكثر مني ملف المحروقات، وهي فرصة أنتهزها لأعيب على السلطات المعنية تهاونها في شرح نصوص القانون وتفسير خلفياته، حتى أن قانونا بهذه الأهمية لم تخصص له ندوة صحفية واحدة، ولم يتناوله الخبراء المعنيون في ندوات تشرح مضمونه وأهدافه، وهو ما يُضاف إلى الفراغ الإعلامي الذي كنت نددت به أكثر من مرة.
لهذا أكتفي بإيراد نصين أولهما لصحيفة «الشروق» يقول: بتصفح مشروع قانون المحروقات الذي اعتمد من طرف الحكومة في اجتماع مجلس الوزراء، الأحد، (النسخة النهائية)، يتضح أن كثيرا من المغالطات تم الترويج لها وانتشرت كالنار في الهشيم على الشبكات الاجتماعية، رغم أنه لا وجود لها في محتواه، ما جعل النقاش يتركز على مدى شرعية إشراف الحكومة الحالية لتصريف الأعمال على قانون كهذا، ويقتصر على أمور لم يرد ذكرها أصلا في القانون.
وواقع الأمر أن حكاية شرعية الحكومة في اتخاذ قرارات معينة حلّت محل التشكيك في شرعيتها والمطالبة بإقالتها بعد أن سقطت أهم مبررات ذلك بالتمعن في النصوص الدستورية التي قامت عليها، وهكذا قامت الحكومة، وبكثير من التسرع، باتخاذ قرارات ومواقف كان يمكن أن تنتظر انتخاب رئيس جديد، بالرغم من أن الدستور لا يمنعها من القيام بكل مسؤوليات أي حكومة، وباستثناءات محددة موجودة في نص الدستور.
كان واضحا أن هناك عقدة ما تتحكم في عمل الحكومة، نتجت عن الهجمة الرافضة لها منذ كونها الرئيس المستقال، وهكذا نُحسّ بوجود إرادة عنيدة في ممارسة كل الصلاحيات التنفيذية التي يسمح بها الدستور، وهو ما يفسر زيارة رئيس الدولة لتونس إثر وفاة الرئيس قايد السبسي، ثم مشاركته في اجتماع سوتشي، ليقال لكل من يريد أن يسمع بأن الدولة الجزائرية ليست «مركونة» على رصيف التاريخ أو زاوية الأحداث تنتظر قائدها الجديد بل هي عضو فاعل وفعّال تقوم بدورها الدولي والجهوي والوطني بغض النظر عمّن يكون على رأسها، وبأن تناقض أي أقلية مع هذا المسار لا يُغيّر من الأمر شيئا، ومن حق من يريد الاعتراض أن يعترض فالرأي للجماعة، ولا تجتمع الأمة على ضلال.
وعودة إلى قانون المحروقات، قال الخبير الاقتصادي الجزائري، فرحات آيت علي، في تصريح لـ «العربية - نت»، إن القانون الجديد للمحروقات «لا يحمل أي مخاطر على مستقبل القطاع النفطي في الجزائر، أكثر خطورة من التي كانت في قانون 2013، الذي لم يعارضه أحد وقتها إلا بضعة أشخاص، بل على العكس المشروع الحالي أكثر دقة وأكثر وضوحاً في تحديد المصالح والمسؤوليات والمنافع من السابق». وتحدّث الخبير عن المناهضين لهذا القانون والذين نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج، مشيراً إلى أنهم «تكلموا في مسودة لم يقرؤوها بأسلوب التخوين والتهويل وأعابوا على الحكومة عدم نشرها، رغم أنهم يعلمون أنه لا بلد في العالم يسرب مسودات قبل عرضها كمشروع نهائي صودق عليه على مستوى مجلس الوزراء، وأعابوا أيضاً على الحكومة الحالية الخوض في قانون مصيري ويستوجب شرعية غير ناقصة، وفي نفس الوقت يرفضون مسارا يفضي إلى انتخابات تضفي تلك الشرعية على الحكومة المقبلة». ويكون السؤال الحقيقي: من المتضرّر من القانون الجديد ويُحرّك ضده الجموع ؟.
تأتي «جهينة» بالخبر اليقين، فتنشر صحيفة «لو موند» الفرنسية افتتاحية (أقول افتتاحية بدون توقيع وليس مقالا أو تحليلا) عنوانها: «الانتخابات الجزائرية القادمة ليس لها معنى».
تقول في نص الافتتاحية، التي يبدو أن كاتبها ليس كاتبا عاديّا، ما معناه: «يمكن أن تكون انتخابات 12 ديسمبر بدون أي معنى، وبنسبة مشاركة هزيلة تجعل الرئيس الجديد عاجزا عن إدارة البلاد».
كان هناك من سارع إلى القول بأن الصحيفة استعملت الفعل (RISQUER ) الذي يعني أن الأمر قد يحدث وقد لا يحدث، وليستنتج بأن من يعتبره محاولة فرنسية لإقناع المواطن الجزائري بأنه لا فائدة من الانتخابات هو بعثي أصولي ممن يلعقون «الرونجارس».
بالطبع، فالمغالطة واضحة، ولو حسنت نية الصحيفة لاستعملت الأسلوب الشرطي (CONDITIONEL) لتقول
( RISQUERAIT) ولكن الوطنيون فهموا الرسالة، وكان أروع ما سمعته بالأمس في ندوة بعين آزال تعبير لمتحدث قال فيه: علينا أن نعمل لتحقيق الاستقرار، وأيا كان من سوف ننتخبه، ولو لعهدة واحدة، فإن هذه ستكون خيرا من وضعية الانفلات التي نعيشها بفضل من يرفضون كل شيء، حتى ولو جاءهم به عمر بن الخطاب ... معذرة، أو جاءهم به جان جورس أو حتى شارل دوغول.
آخر الكلام: رحم الله رفيقنا علي فضيل وألهم آله ومحبيه الصبر والسلوان، ولله ما أعطى ولله ما أخذ.
مســاهمات : مقالات
لا تلزم إلا أصحـابها