داعـش من المصطلحات التي تعوّد عليها العالم في المجال الأمني، والموظفة سياسيا وعسكريا لتدمير العالم العربي لاسيما منطقة الشرق الأوسط، كمواقع إستراتيجية، سياسيا وحضاريا ومواطن حضارية، ظلّ الصّراع بها منذ هبوط الأديان السّماوية بها، ولا يزال، وستظل كذلك،وهي (داعش) الوريث الاستراتيجي لمصطلح القاعدة.
فمن القاعدة، التي لم نعرف لها قمّة، المتعارف عليه أن لكل هرم قاعدة وقمّة، غير أنّنا عرفنا القاعدة ولو نظريا، لكنّنا لم نعرف القمّة التي وظيفتها التّخطيط والبرمجة ثم يؤتى بمن يكلفون بالتنفيذ. وهؤلاء لا يعلمون قاعدتهم ولا قمّتهم، فقط، هم مكلّفون بالتنفيذ بعد تبنّيهم للأفكار الواردة من القمة التي لا يعرفونها أصلا كما ذكرنا.
قاعدتهم متلوّنة كتلوّن الحرباء مع بيئتها الطّبيعية، ترتدي لباس الطبيعة التي تتواجد فيها، لا موطن لها، فهي متنقّلة تنقل مصالح منشئيها وراعييها وأطماعهم. أقامت في أفغانستان منذ تدمير تماثيل بودا عام 2001 من قبل الطالبان. انتقلت إلى العراق لتدمير نظام صدام حسين
«الطاغية» ثم إلى سوريا لذبح بشار الأسد، «طاغية سوريا» فإلى ليبيا حيث «الطاغية» معمر القذافي التي دمّرت ولا تزال تدمّر، فإلى اليمن، ثم لا ندري أين ستحط ناقتها التي لا شك «أنّها مأمورة»، مرة قاعدة ومرة إرهاب ومرة داعش، أما ما سيأتي بعد داعش لاشك مصطلح جديد سيتم ابتكاره بحسب الحاجة إليه، آنذاك. هذه التسميات القصد منها ترهيب المناطق المستهدفة ثم توريطها في ما يهدف لتحقيقه، شأنها شأن الغول الذي كانت العجائز تخيف به حفدتها، إن تمرّدوا على أوامرها أو نواهيها.
لقد كانت الطالبان غولا ولا تزال وجر العالم الغربي لمحاربته، ولا يزال، وصار العراق غولا وجرّ العالم لتدميره ودمّر ولا يزال يدمّر إلى الآن، الله أعلم بنهايته. وها هي سوريا وما جرى، ولا زال يجري من تدمير لكيانها السياسي والاقتصادي والحضاري بها، ثم ها هو اليمن يدمّر بدعوى محاربة الحوثيين والإرهاب ثارة والقاعدة ثارة أخرى ثم بدعوى مواجهة المد الشيعي في الخليج، وها هي ليبيا التي خطّط لها أن تدمّر ودمّرت ولا تزال تدمّر. وها هي مالي التي تعبث بها فرنسا الاستعمارية، حيث أنشأت بها جماعة بوكو حرام، محاولة اعتماد النهج الأمريكي في صناعة الأعداء، وجر الآخرين لمحاربتهم تحت قيادتها، وهدفها إنجاز مشاريع اقتصادية وإستراتيجية بها.
فأمريكا والغرب عموما، كما يبدو، بعد تجربتهم لأسلوب الاستعمار الكلاسيكي في المناطق المذكورة آنفا، وعوض أن يدخلوا في مواجهة مباشرة، غير مضمونة العواقب مع إيران، فضّلوا تكليف بعضا من الدول العربية بها التي أنشأت حلف «عاصفة الحزم»، فيحقّقون بذلك هدفين مرئيين، على الأقل، هما:
1 ــ محاولة تدمير إيران، أو إضعافها على الأقل، ومعها دول عربية وخليجية خاصة، برجالها وأموالها، أو إضعافها على الأقل، إلى الدرجة التي لم تعد تسيطر بإمكاناتها الاقتصادية على الساحة الدولية.
لا نريد أن يخرج أحدهما من الحرب منتصرا
وما الغرب إلاّ تاجر سلاح، يزوّد الجميع بما انتهت صلاحيته فيحصل على المال ويتخلّص من خردة صدئة، إضافة إلى تحقيق أهدافه الإستراتيجية، المرئية وغير المرئية.
فقد جرت بريطانيا الدول العربية، التي كانت قائمة آنذاك، إلى الثورة على الإمبراطورية العثمانية عام 1916 بزعامة الشريف حسين، وسمّاها العرب ـ ظلما ـ الثورة العربية الكبرى لأن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني رفض رفضا قاطعا منح موطئ قدم بفلسطين لإقامة دولة لليهود تجمعهم، وهذا رغم الإغراءات التي قدّمها له رئيس الوكالة العالمية للحركة الصهيونية تيودور هرتزل* الذي قدم إلى إسطنبول في جوان 1896، وحاول اللقاء بالسلطان عبد الحميد الثاني لإقناعه بالسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين مقابل تسديد ديون الدولة العثمانية بشكل كامل وإقامة مشاريع ضخمة لها، فكان لابد من التخطيط لإنهاء هذه الدولة، وذلك بتكوين حلف عربي ـ من عرب ذلك الزمان ـ للثورة عليها، ثم الانقضاض عليها وتقسيم ممتلكاتها بين دول أوروبية، في شكل استعمار أو انتداب أو حماية، وكلها استعمار بأوجه مختلفة، وكان من الطبيعي كذلك أن تعمل بريطانيا على جعل فلسطين من نصيبها لتهيئتها، بشريا وأمنيا، ثم تسلمها إلى الوكالة اليهودية المذكورة قبل إعلان خروجها منها وحتى قبل اعتراف الأمم المتحدة بحق اليهود في إقامة دولة لهم بفلسطين.
وها هي و ـ م ـ أ بعد مائة عام تجر بعضا من عرب اليوم إلى تكوين حلف الحزم، وتشاء الصدف أن يتزعّمه ملك السعودية، للثورة على الدولة الإيرانية، (تحت غطاء الحوثيين) إن لمن نقل الإمبراطورية الإيرانية الموجودة واقعيا، ولو عقائديا، وبذلك تعفي أمريكا نفسها من الدخول في مواجهة جديدة مع إيران نتائجها غير مضمونة. ولأنّها لا تستطيع أن تكذب على العالم مرة أخرى وتشكّل حلفا، كما فعلت في العراق، ما نتج عن الثورة العربية ضد الخلافة العثمانية تدمير هذه الأخيرة وتقسيم ممتلكاتها بين الدول الاستعمارية، ومنها وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني تمهيدا لتسليمها إلى الصهاينة، كما أسلفنا.
أما ما قد ينتج عن «الثورة» ضد إيران (فرضا) هو تدميرها وتفتيت دول الخليج، وربما اختفاء بعضها لإفراغ الساحة لإسرائيل كي تمد رجليها إلى الفرات بينما رأسها يوجد على مخدة على ضفة النيل. وعندها يعود هؤلاء إلى حلب النوق والبكاء على الأطلال، كما بكوا على الأندلس يوما ما من التاريخ.
* تيودور هرتزل هو رئيس الوكالة اليهودية، كان قد ألّف كتابا عام 1896 بعنوان: «الدولة اليهودية»، حدّد فيه شروط ووسائل إقامتها، عقد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 بلوزان في سويسرا، وهناك تمّ إنشاء الوكالة اليهودية العالمية وانتخب هو زعيما لها، وهناك حدّد خمسين سنة لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وهو ما تمّ إنجازه بالضبط (1897 ــ 1947).