المسيرات السلمية تجربة يقتدى بها في وطن الشهداء
يبقى المراقبون عبر العالم ينتظرون ما تفرزه تطورات الوضع في الجزائر، بعد أن انبهروا بالحراك الشعبي السلمي الحضاري، ومع الوقت تعددت الحلول والمقترحات، فإلى أين يتجه القطار الجزائري؟ وهل انفراج الأزمة يقترب ويعزز معه الاستقرار والأمن في البلاد؟ انه السؤال الكبير الذي يطرحه كل متتبع للشأن الجزائري ويعرض نظرته الاستشرافية والتحليلية اعتمادا على متغيرات الراهن السياسي وثوابته.
طالبت وزارة العدل برفع الحصانة عن برلمانيين كثر، آخرهم البرلماني المثير للجدل بهاء الدين طليبة، وهو من عنابة،الذي شغل منصب نائب رئيس البرلمان في عهدة سابقة، ويطالب الحراك الشعبي بمحاسبته لتورطه في ملفات فساد عديدة،منها التمويل المشبوه لحملة الرئيس المخلوع بوتفليقة.وقبل الطليبة ،رفعت الحصانة عن محمد جميعي المتهم بالمشاركة في إتلاف مستندات وملفات قضائية وتهم ، والقائمة مفتوحة لبرلمانيين آخرين خاصة وان وزير العدل وعد بإعادة فتح كل ملفات الفساد لإعطاء مصداقية للجهاز العدلي والقضائي تجسيدا لمطالب رفعها الحراك بلا توقف منذ 22 فيفري الماضي.
كما تتواصل التحقيقات عبر كال المجالس الشعبية البلدية و المؤسسات العمومية ،بعد تدخلات مجلس المحاسبة و المفتشية العامة للمالية،لكشف الكثير من قضايا الفساد في مراحل سابقة تحالف فيها المال الفاسد بالسياسة لنهب الشعب وخون الوطن المفدى الذي أوصانا به الشهيد خيرا واعتبره أمانة في الأعناق.
ففي سوق أهراس مثلا تم ايداع رئيس البلدية السابق الحبس المؤقت رفقة مقاول، والتحقيقات متواصلة مع منتخبين وإدرايين، في قضايا فساد متعلقة بمشاريع فيها مخالفات قانونية وتضخيم للفواتير، في وقت تغرق البلدية في الخراب ويعاني المواطن من غياب التنمية المحلية؟؟
وفي وهران نفس المشهد يتكرر، حيث تحالف الوزراء والولاة ،وغيرهم من إطارات الدولة،ضد الشعب، ونهبوا العقارات وغشوا من وضع فيهم الثقة ، في بلديات كثيرة مثل بئر الجير ، بطيوة ...؟؟؟
عشش الفساد في هيئاتنا المنتخبة زورا ، عبر وجوه عطشى للمال العام وتفعل كل شيء لترضي مصالحها حتى لو حطمت الوطن ومنحت أسراره للمستعمر و المخابرات الأجنبية بعيدا عن اخلاقيات المسؤولية ونقاء الضمير وواجب المهنية. لا نستغرب عندما نسمع عن حبس رئيس المجلس الشعبي لبلدية المنيعة بغرداية بعد حرق سيارات إطارات الدولة،منها سيارة رئيس المحكمة وسيارة ابن الوالي المنتدب بالمنيعة وغيرهم،على يد شبكة اجرامية أثناء الاحتجاجات على التشغيل،في انتظار ما ستكشفه التحقيقات من أسرار؟؟
عن كشف المافيا وممارساتها..
من جهة اخرى، بعيدا عن هذه الملفات، نعتقد جازمين انه لابد من التعجيل بتقديم نتائج لجان التحقيق حول الفيضانات التي أحدثتها الأمطار الطوفانية الاخيرة ، لمعرفة مسببات السيول الجارفة و هشاشة البنى التحتية للمشاريع المنجزة، في ظل ورود أرقام تتحدث عن خسائر ب300مليار، لان –ببساطة- الفساد خنق مدننا و شوارعنا، وتحصل المقاولون على مالهم، وتركوا البالوعات مغلقة ا وان انجزت فتكون دون مراعاة المعايير محدثة طارئ كلما نزل المطر بغزارة .
لا ننسى في الجهة المقابل للكارثة ، ما تسببه المواطنون من اعتداءات على الأودية وبناؤهم بالمسارات الخاصة بالمياه، بتواطؤ أشباه المسؤولين في المجالس البلدية ؟؟ وهنا لا يأمن الفرد الجزائري لا على أرضه، ولا تعليم أبنائه، ولا على صحته، ولا على غذائه...
وكيف يأمن المواطن على أمنه الغذائي، وهو هيئات تنفيذية متعاقبة ، لم تضع المواطن الغلبان نصب الاعين وتعيره العناية وتضعة في قلب المعادلة الانمائية دون النظر اليه مجرد وعاء انتخابي.
لذلك قبل مواجهة الفساد الاقتصادي علينا البحث عن الفساد السياسي الذي يدعمه، وضمن ملامح الفساد دائما تأتي أخبار تهريب الأموال إلى الخارج، وتحدثت بعض المصادر الإعلامية عن تحويل 151 مليون دولار من الجزائر إلى كندا منذ 2015، وتحويل 78 مليون دولار في 7 أشهر الأولى من 2019، وهو ما يؤكد صعوبة الحرب على عصابات الفساد المالي التي تجذرت ووسعت شبكتها الى ابعد الحدود والمنطق. لكن خطوة الالف ميل في تطهير البلاد من مافيا المال والأعمال الفاسدين تبدا بخطوة. وهو ما تتولاه السلطة القضائية التي وعدت بانها تحافظ على استقلالية القرار في معالجة الملفات مهما كبر اصحابها وثقلت موازينهم..
تهديدات كثيرة تلاحقنا...
تطهير المحيط من الاوليغارشية، مهم للغاية لانه يصب في تعزيز الجبهة الداخلية وتقوي معركة مكافحة الارهاب.ذلك ان التهديدات الأمنية تتخذ الأدوات و الوسائل المتعددة، وما الأخطار الإرهابية النائمة التي تنهض كل حين في تونس إلا دليلا على أهمية اليقظة الشعبية والمؤسساتية الأمنية، لترقب كل خطر والانتباه لكل تحرك مشبوه، يهدد الحدود أو يمس الأمن والسلم في قرانا ومدننا.هذا ما تتولاه المؤسسة العسكرية الساهرة على إحباط كل مناورة ومؤامرة تستهدف الأمن الوطني والسيادة.
ياناس....من ملامح الأمن التربوي والقيمي المهدد، ما يعانيه قطاع التربية من خلل ومشاكل كثيرة ومتنوعة،أعاقت الدخول المدرسي في بعض جهات الوطن رغم التحضير الدقيق والحرص على تهيئة ظروف تمدرس انسب للتلاميذ بعد عطلة صيف اريد لها ان تكون بلا حوادث.خالات من الخلل سجلت ببعض المؤسسات التربوية والمقاطعات بشهادة المعلمين و الأولياء والمسؤولين على القطاع،في ظل تراكم المشاكل المهنية و البيداغوجية،وانعدام وسائل العمل البسيطة في القسم، نتيجة تراكمات أفعال المفسدين و تخريب المؤسسات التربوية لعدم وجود الميزانية لدى البلديات.وهو ما تسعى الجهات المعنية حله جذرية تطبيقا للشعار المرفوع «ان الاوان لكسب رهان مدرسة النوعية بعد الكم المتبع في السابق.
وهنا المال غائب، ولا يمكن صيانة المدارس، لأن العصابات قد تكفلت بنهب المال وتحويل مساره من مدارس الفقراء لحسابات رؤساء بلديات وأعضاء مجلسهم؟؟ ولا داعي للحديث عن نقص التأطير وشغور المناصب من المعلمين للمشرفين التربويين و المراقبين والحراس...، لأن التوظيف غير موجود، لأن النظام المستبد /الفاسد السابق قد تكفل بتعليم أبنائه في للمدارس الخاصة أو في باريس ولا يهتم لشأن مدارسنا، كما لم يهتم بجامعاتنا، مستشفياتنا، شوارعنا، ؟
صدق قائد الأركان عندما وصف العصابة بالاستعمار الثاني، لأنها أفرغت البنوك وحاولت تجويع الشعب،ومارست كل الخبث لنهبه، ومن ثمة تحتاج كل هئيات الدولة لحركة واسعة في صفوف الاطارات/ سواء في الأجهزة التربوية التعليمية، أو غيرها في القطاعات الصحية، الأمنية، الفلاحية، الاعلامية...لمحاصرة كل تحرك وكل تواطؤ بين الفاسدين المهددين للأمن الوطني.
ونساند فكرة تشكيل لجان علمية للمساهمة في التنمية المحلية، كما بادرت به وزارة التعليم العالي، لكي نفعل مثل الدول المتحضرة المتقدمة التي تستمع لصوت العلم و المعرفة في كل فعل تنموي محلي أو وطني، ولا تستمع فقط لصوت المال والاستثمار، كما تقرّب المفكرين والدكاترة وليس رجال المال فقط، وهو ما تحتاجه كل الدول العربية والافريقية، وكل الدول المتأخرة في التنمية و النهضة.
الانتخابات ..ما المصير؟؟
قلنا في كتابات سابقة أن هيئة الوساطة والحوار ،هي آلية فقط للخروج من الأزمة وجمع المقترحات والأفكار، لكن يبقى المطلب الشعب وصوته في المسيرات يجب أن يوجه للنظام وتغييره الجذري بالوسائل السلمية وفي ظل الوحدة و الأخوة مع الجيش.
وبعد انتهاء مهمة لجنة الحوار ظهر جليا، أن مشروع التعديل الجزئي القانون العضوي للانتخابات والسلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات فيه الكثير من معالم تحقيق النزاهة والشفافية و الحياد.
ومنها أبعاد الإدارة كليا من الإشراف على الانتخابات، و توقيف عمليات مشبوهة لشراء التوقيعات من المنتخبين،في المواعيد الانتخابية، كما كان يحدث سابقا،مع الاكتفاء بجمع توقيعات فردية من الشعب مباشرة تقدر ب60 ألف توقيع، وغيرها من المقترحات التي نراها إن تحققت سارت بنا نحو تغيير فعلي للوجوه الفاسدة ومنحتنا الانتخابات الديمقراطية الحقيقية.
وكما قيل اكثر من محلل ان تحقق انتخابات شفافة ونزيهية لا بد ان تكرس في الميدان قولا وممارسة وليس مجرد شعار يرفع لمرحلة عابرة.لكن تبقى ثقافة مرسخة في العقول تتولاها اليات تحرص على تطبيق السيادة الشعبية التي انتفض من اجلها الجزائريون ورفعوا شعارات وهتافات مدوية من اجلها منذ 22 فيفري ضاربين المثل الحي رعن مسيرات سلمية غايتها اقامة جزائر جديدة لا مجال فيها للتلاعب والاوليغارشية قوتها مستمدة من ابنائها الغيورين عليها والحريصين على اعلاء شانها اليوم وغدا مهما كلفتهم التضحيات من ثمن.
نحتاج للتوافق أكثر من كل مراحل سابقة، والمخرج من الأزمة يكون بالحوار الجاد المسؤول، وبحضور الحريات وضماناتها، وبوجود قناعة بأهمية السماع لصوت الشعب ومطالبه، وبالتنازل والتوافق يمكن أن تتحقق الشرعية الشعبية الانتخابية، والمصلحة العليا تستحق من التنازل لأجل وطن الشهداء .
في الأخير ..اللهم احفظ الجزائر وامنحها السلم والأمن، ووفق أهلها للوفاء بعهود الشهداء.