بشعار «مستمرّون صامدون»، يتواصل الحراك الشّعبي حركته الاعتيادية نهار كل جمعة، لتكون الجمعة السادسة عشرة رافضة للتدخل الأجنبي سواء العربي أو الغربي في الشأن الداخلي للبلاد، يقابله ذلك رفض مستمر لبقاء شخصيات النظام السابق في واجهة الساحة السياسية، متّفقون على ضرورة إجراء حوار لضبط مخرجات العملية الانتخابية المفضية لانتخاب رئيس جمهورية شرعي يحظى برضا وقبول الشعب الجزائري، في جو من الشفافية لمنحه صلاحيات البناء وإعادة بناء القطاعات بما يضمن ازدهار البلاد اقتصاديا، استقرارها سياسيا وأمنيا، مع إعادة ضخ روح جديدة للمجتمع الذي يتعين على أفراده تحمل مسؤولياتهم كل في مجاله وكل حسب منصبه ومهامه تكليفا وليس تشريفا.
الأكيد أنّ الجمعات ستتوالى ما لم يتم التوصل لتحقيق المرجو من إعادة هيكلة النظام بمخرجات تسمح ببناء دولة الحق والقانون، التي تعتبر لبنة أساسية في بناء دولة حديثة تجعل من المؤسسات والقوانين أساس التفاعلات والمعاملات من القمة للقاعدة، بحيث يكون الأشخاص المسؤولين فيها مهما كانت درجة مسؤوليتهم ونوعها موظّفين يؤدّون الواجب المهني خاضعين للقوانين كبقية أفراد الشعب وليس بناء دولة أشخاص يتمتّعون بامتيازات تدرؤهم عن المراقبة والمحاسبة الدورية في إطار مشروع جعل المراقبة الذاتية والمجتمعية تربية وثقافة يكتسبها الأفراد منذ الصغر، وليست مجرد آليات قانونية تفرض فرضا بقوة الزامية القاعدة القانونية، وهنا يتطلّب على الأسرة، المدرسة والمسجد وبقية مؤسسات التنشئة العودة للعب الدور المنوط بها على أكمل وجه وفي الوقت المناسب لضمان تنشئة سليمة متوازنة عقلانية ومتزنة للأفراد والجماعات.
اعتراف بمكتسبات الحراك...
إرادة الشّعب لا تقهر...
لا ينكر مكتسبات الحراك إلا جاحد أو حاقد، فقد تمكّنت الانتفاضة الشعبية من جعل الشعب يتّحد على هدف واحد، ومن ثم تحقيق الكثير من الخطوات الايجابية في مسار التغيير وبخطى ثابتة، فكانت خطوات النضال ثابتة وسقف المطالب ترتفع جمعة بعد جمعة، والعقبات تتضاءل وتتراجع في كل مرة، وهذا نتيجة تحلي الجماهير بالتدرج في المطالب والتمسك بها مع جعل السلمية في تحقيقها مطلبا جامعا غير قابل للتنازل، ولا للتفريط فيه مهما كانت الضغوطات، ولا ينكر أحد أيضا دور القوة العمومية ممثلة في رجال الأمن، الذين التزموا بأعلى درجة من المهنية والاحترافية في حماية البلاد والعباد رغم الضغوطات النفسية والعملياتية، فالموقع الذين كانوا فيه ولا يزالون لا يحسدون عليه فأعانهم الله، فمن الصعب التزام المهنية والاحترافية في ظرف استثنائي متواصل، وفي ظل حراك شعبي مليوني يجول كل أقطار الوطن في نفس اليوم والتوقيت، فهم أبناء هذا الوطن لا يختلفون عنهم في أي شيء سوى أنهم كانوا الخط الأمامي والواضح للعيان، والذي يُطلب منه الالتزام أكثر والتحلي بروح المسؤولية والمهنية الأخلاقية تجاه الوطن قبل المواطن وتجاه المواطن قبل المهنة، فكانت المسؤولية أكبر والحمل أثقل، غير أن الجزائري يعرف بقدراته وامكانياته الخارقة للعادة في مواجهة الظروف الاستثنائية، خاصة إن تعلق الأمر بمفهوم الوطن، فما بالك إن تعلق الأمر بوطن اسمه الجزائر، فهو يسكن القلوب وتهتف الحناجر بقدسيته من الصغير للكبير، ومن ثم فهو وطن سيصنع أبناءه الحدث بتميز كما فعلها الأوّلون منذ فجر التاريخ، مرورا بثورة التحرير ووصولا بثورة الوعي والنَفَسِ الجديد من معركة التشييد والبناء، فلتكن إذا الجزائر جزائر جديدة في فكرها - تجديد الفكر المجتمعي بإلغاء الممارسات السلبية التي انتجت الفساد - حديثة في مؤسساتها –تحيين القوانين وجعل القاعدة القانونية الزامية في الزمان والمكان خاضع لها الكل دون استثناء - عريقة في انتمائها – فخورة بانتمائها الأمازيغي، العربي والاسلامي ساعية لأن تكون قطبا لتحرير المنطقة العربية والاسلامية من التبعية والخضوع، فمبادئ الثورة متجذّرة في الفرد الجزائري فهو يثور في كل مرة مدافعا عن الحق وفي تاريخها قصص وعبر - والجزائر الجديدة مشروع مجتمع متكامل الأطراف يحتاج إلى جلسات حوار ونقاش دورية للإثراء.
تشخيص موفّق للمرض وضرورة
الاتّفاق على الانتقال لمرحلة العلاج
الكل اتّضحت في ذهنه المشكلة التي تعاني منها الجزائر، والمتمثلة في «معضلة الفساد» بكل تفرّعاته ومجالاته، فالفساد في الجزائر أصبح فسادا منظّما بحيث تغلغل بشكل عميق ضاربا في العمق كل القطاعات دون استثناء، ممّا جعل عملية استئصال المرض دفعة واحدة عملية خطيرة قد تُفقد المريض نعمة الحياة، ولهذا يتم تطهير الجسد منه بروية كما يُفعل مع أصحاب الادمان فعملية اعادة تأهيلهم تتطلب وقتا وصبرا أيضا، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على الجزائر فتطهيرها من الفساد والمفسدين كلية ودفعة واحدة وفي وقت قصير مستحيل، فهي تتطلب ثقافة وتربية تجعل من الوازع الأخلاقي منبها للأفراد ومانعا إياهم من الفساد قبل أن تكون قوانين مكافحة الفساد، المحاسبة وغيرها من أصناف القانون وآلياته التطبيقية الرادع الصارم لمنع انتشار وتمدد هذه الظاهرة، فتغيير السلوكيات الإنسانية تتطلب ظروف وبيئة معينة لغرس البديل العقلاني الذي بإمكانه القضاء على السلبيات منها.
إذًا الكل تمكّن من تشخيص مرض البلاد والعباد، وهو أمر جيد وإيجابي يتيح لنا كسب المزيد من الوقت لإنقاذ المريض، ومنه يصبح الانتقال إلى مرحلة البدء في العلاج أمرا مستحبا بل حتمي وضروري، والعلاج الذي يلائم هذا المرض يتمثل في بناء دولة الحق والقانون التي تجعل القاعدة القانونية آمرة فعلية وفعالة تطبق بحذافيرها بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن دون تفريط أو إفراط، منه العلاج اتضح أيضا والحمد لله ولا أعتقد أن هناك من يخالف هذا العلاج، وهذا بمتابعة مجريات وحيثيات الحراك منذ بدايته إلى جمعته السابعة عشرة والجمعات التي ستليها...إذا عُلِم السبب بَطُل العجب، وإذا كان التشخيص موفّقا واُتُفق على العلاج مع الإيمان بوجود الدواء والسعي إليه يتم الشفاء بإذن الله تعالى فالله لم يخلق داءً بلا دواء..فقط علينا أن نفهم، نعي ونؤمن ومن ثم نسعى ونتوكّل، فالله وليّ المتوكّلين ولا نضيّع الوقت في الحديث عن التشخيص في كل مرة وفي كل طاولة نقاش لأنّه أصبح معلوما للعام والخاص، وعليه أصبح الحديث عن المرحلة الموالية للتشخيص «العلاج» أمرا ضروريا وليس خيارا، ومن هنا يظهر دور بل يجب على الإعلام لعب دور في الحديث عن طرق تجسيد الحل وكيفية تقريب وجهات النظر وليس البقاء في مرحلة التشخيص، وهذا بفتح نقاشات أكاديمية وسياسية بين ذوي الاختصاص والكفاءة، ولعل تعدّد النقاشات وجعلها تصب في مسألة العلاج دون سواها يثري الأفكار ويصوبها بما يساهم في تنوير الرأي العام للخروج بحل مرض وفي أقرب وقت ممكن.
منه، يتّضح أن المرض - المشكل - يتمثل في الفساد، والعلاج يتمثل في بناء دولة الحق والقانون، مع الايمان بالقدرة والمقدرة على تحقيق هذا العلاج وهذا يتم بتوفير الظروف الملائمة لذلك، وبهذا فقط سيتم القضاء على الفساد وتنمية البلاد مع تطوير قدرات الفرد بما ينتج اقتصادا مزدهرا، موفرا للأمن ومحافظ على الاستقرار. وليبقى تساؤل كيف نصل للعلاج؟ مؤرقا للبعض محيرا للآخر....
طبيا يتم عرض الحالة على مختصين يدلو كل واحد بدوله ثم يجمع ما اتفق عليه، ويدرس ما اختلف فيه ليتوصل في الأخير للطريقة الأسلم والأنفع لتجسيد العلاج بطريقة فعالة تنقذ المريض من مرضه العضال.
أما سياسيا وفي وضع الجزائر الحالي يكون الوصول للعلاج الأمثل والأسلم والأنفع للبلاد والعباد عبر آلية التحاور، فمن هم المختصّين والمخوّلين لذلك؟! فهي إشكالية أخرى...
إشكالية التّحاور...مع من وكيف؟!
لقد تمّ تحقيق الكثير من الانجازات منذ 22 فبراير 2019 على المستويين السياسي والقانوني، فلا يختلف اثنان على مسألة عودة هيبة القوانين وصرامة تطبيقها في كثير من المسائل، لا يخفى عن المتتبع أن هناك تجاوب ولو متفاوت مع طلبات الجماهير وتحقيق ما يريده، ولا ينكر أحد أن مسألة الحوار هي مسألة إجماع وطني، فالأغلبية السّاحقة ممّن هم على الساحة السياسية الذين يدركون صعوبة المرحلة الحالية مؤمنون بضرورة إجراء الحوار في أقرب وقت ممكن، غير أن الخلاف يكمن بالأساس حول التحاور يكون مع من؟! وكيف يكون؟! وماهي آلياته؟! ومن الضامن بأن مخرجاته تخدم الوطن فقط دون غيره؟! ومن الضامن في أن المتحاورين لن يتنازلوا على وحدة الوطن، استقرار البلاد وأمن المواطنين؟! وغيرها من الأسئلة التي تتبادر في ذهن الكثيرين منّا، هي تساؤلات منطقية مشروعة ومقبولة أيضا، وهذا لوجود شرخ عميق بين السلطة والشعب لطبيعة النظام السياسي ويقابله في ذلك عزوف جماهيري عن الحياة السياسية سنوات وسنوات كنتيجة للسياسات التي ولدت اللاثقة التي تعمقت أكثر مع المخرجات السلبية للقرارات السياسية في أعلى هرم السلطة منذ مرض الرئيس السابق، فعملية الاستحواذ على السلطة من قبل مالكي النفوذ والمال زعزع صورة الدولة ومؤسساتها في نظر الشعب، الذي امتعض أكثر من تقارير أجنبية إخبارية ومواضيع متلفزة ومكتوبة تتناول مرض الرئيس وغيابه عن الساحة الداخلية بكثير من السخرية، ومن ثم غياب الجزائر عن الساحة العالمية، فأصابت سخرية المنابر الاعلامية الغربية الجزائريين في مقتل دفع بهم لرفض تمرير مشروع العهدة الخامسة، وكسر قلم الساخرين المستفزين باعثين بذلك المجتمع من جديد لبناء ذاته وتصحيح زلاته والايمان بقدراته مفتخرا بسلميته مصرا عليها...
إنّ الشّعب الطرف الأساسي في الساحة السياسية الحالية، مدرك لضرورة الإسراع في الحوار لأهميته وهو أمر ايجابي جدا، لكن يبقى اصراره على رفض التحاور مع وجوه النظام السابق مع عدم تقديم ممثلين رسميين مؤهلين لتمثيله تمثيلا يليق بطموحاته وآماله إشكالا يؤخر مسألة الحوار - رفض التمثيل مفهوم، فالخوف من اختطاف الحراك من هذا أو ذاك مبرر بمنطقية، وهو مقبول ولا غبار عليه لكن يجب الاعتراف بأن عدم التمثيل يبقى أمرا معرقلا لتجسيد العلاج - هذا من جهة، من جهة أخرى فالسلطة تدعو للحوار أيضا، وهو أمر ايجابي لكن غياب البديل الكاريزمي القادر على إدارة هذه المرحلة بفعالية جعلها تطرح وجوها مستهلكة إن صح التعبير ومرفوضة جملة وتفصيلا، هذا الأمر الذي يجعل الوضع على حاله لا يبرح مكانه ويعطل الحوار ويطيل أمد الأزمة أكثر، فلا الشعب استطاع نسيان أخطاء هؤلاء لعظمتها، وهم في ذلك لا يلامون ولا السلطة استطاعت جذب شخصية مرغوبة شعبيا لقيادة حوار شفاف وبنّاء، وهذا نتيجة سياسات أفقدتها الثقة والمشروعية، فتاهت الجزائر بسبب هذه المعضلة التقنية المتمحورة حول «من يحاور من»...لكن أومن بأن من يبحث عن الحلول سيجد الحلول ولو بعد حين، في حين من يركز على المعضلات والمطبات يضيق عليه الأفق حتى إن كان الحل واضحا أمامه فلن يراه، أو يتغاضى عنه لأن التشاؤم والسلبية طغت على تفكيره، حالة نفسية أحيلها للمختصين في علم النفس للتوضيح أكثر.
بالعودة لحالة الانسداد هاته، اقترح ضرورة تفعيل التنازل المتبادل بين طرفي الأزمة - الشعب وبقايا السلطة - وهذا لأهمية التحاور أقول التحاور وليس التفاوض لأن الفرق شاسع والمعطيات مختلفة تماما وأيضا الجزائر ليست أبدا محل تفاوض مع أي أحد لا داخليا ولا خارجيا، ويترافق هذا الحوار بمسألة عدم الخروج عن الحل الدستوري تفاديا لمطبات الفراغ الدستوري - هنا سأشرح ما هو الفراغ الدستوري الذي سيضر بمصالح الجزائر دولة وشعبا، نعم هو قد لا يؤثر على الجزائر داخليا فالكل يعتقد أن الجزائر كانت تعيش فراغا دستوريا منذ مرض الرئيس وهو أمر مفهوم ومعقول، وإنما الفراغ الدستوري الذي أعتقد أنه سيؤثر على الجزائر سلبيا يتمثل في أن تأخر انتخاب رئيس وتمدد المرحلة الانتقالية سيؤثر على علاقات الجزائر الخارجية فلا يخفى على أحد التزامات الجزائر الدولية من خلال صفقات، عقود استثمار واتفاقيات تلزم صاحبها الالتزام الصارم بمحتوى الاتفاق في أي ظرف كان والاخلال بشروط العقد يُحمِّل صاحب الاخلال المسؤولية المالية والمعنوية، ومنه الجزائر بغنى عن هاته المتاهة الآن، فمن الخطر نقل أزمتها الداخلية إلى أزمة مع أطراف اقتصادية دولية هي بالأساس متربصة بثرواتها منذ عقود وتنتظر الفرصة لتحقيق أجنداتها، - هنا أفتح قوس للقول بأنه بمنطق الاقتصاد رأس المال جبان أي لا يستثمر في البيئات المضطربة في حين بمنطق الاستراتيجية يستغل المركب الصناعي العسكري دائما الفرص لتوظيف الفوضى والاستثمار فيها لتنشيط سوق السلاح وهو السوق المربح اقتصاديا حتى هناك توجه لاعتبار أن الكثير من الأزمات نَشبت خصيصا لتنشيط هذا السوق بل أن الفكر الأمريكي يجعل من صناعة العدو نقطة محورية في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي وهذا لتحقيق طموحات وتوجهات السياسة الخارجية بكل مستوياتها الأمنية، الاقتصادية، السياسية والثقافية، حيث عدم وجود عدو حتى إن كان وهميا يعتبر ضعفا استراتيجيا لها وفي أمثلة القاعدة ثم داعش تبيان لذلك -، كما أن مناطق النزاع تستغل لتجريب كفاءة وفعالية الأسلحة المصنعة حديثا، ومن ثم يصبح خلق النزاعات طريقة لتجريب مدى التحكم في تكنولوجية تصنيع السلاح مع تحيين تقنياتها باستمرار - ليكون تعطل المصالح الاقتصادية للقوى الأجنبية مدخلا لبداية الصدام والتاريخ لا يخفي أسباب الحروب التي شنت على الجزائر وعلى الكثير من الدول والمناطق منذ القدم، وللشعب واسع النظر في ذلك -.
خطوات الحوار الرّئيسية للخروج
بحل مرض للعباد حافظ للبلاد
1 / قبول فكرة الحوار: في اعتقادي الطرفين شعب وسلطة تيقّنا بضرورة التحاور، وهو أمر محفّز وايجابي وملهم لخوض غمار التحاور بأريحية وثقة أكبر، تبقى مسألة مفهوم الحوار ومبادئ الحوار قابلة للنقاش غير أن قبول الرأي والرأي الآخر، الاستعداد للتنازل المتبادل أساس الحوار الجاد والجدي الفعلي والفعال اللذين لا يجب التغافل أو التنازل عنهما لضمان صحة الحوار وفعاليته في تحقيق المرجو منه
2 / اختيار المحاورين: تعيين شخصيات يثق فيها ويفوضها الشعب ليس لتمثيله مادام مسألة التمثيل متردد فيها وإنما لتبليغ طلباته والوقوف على تجسيدها وللشعب واسع النظر في اختيارهم، عددهم وكيفية التصويت عليهم ومرافقة سير أعمالهم، لكن أنبه لفكرة مفادها ضرورة الاتفاق على شخصيات مقبولة عموما وليست تحظى بإجماع وطني نتيجة غياب هذا النوع من الشخصيات حاليا في الساحة السياسية، ليتحدثوا باسم الأغلبية الساحقة لتحقيق تقدم في الحوار بما يقطع الطريق أمام المستثمرين في الخلافات لجعل الأزمة تراوح مكانها ولا تجد حلا.
فيما يخص الطرف الثاني السلطة، اقترح تحييد الحكومة، تحييد رؤساء الاحزاب سواء المعارضة أو الموالاة لأن الشعب يعتبرهم من مخرجات النظام السابق، مع الإبقاء على رئيس الدولة لسببين أولهما عين انطلاقا من تطبيق المادة 102 التي طالب بها الشعب في البداية، ثانيهما يملك أدوات التنظيم والقوة المالية واللوجستيكية لتنظيم الانتخابات، ولعل محدودية صلاحياته يعتبر تقييدا له وضامنا للتحكم الجيد بمجريات ومخرجات الحوار، لهذا أعتقد أن قوة الشعب حاليا أكبر من قوة السلطة، ومنه فلا داعي للتخوف من أن السلطة تملك آليات تغيير توجهات وقناعات (ممثلي الشعب) لسبب بسيط لأن جلسات الحوار تكون مذاعة على المباشر مثلا، أسماء الشخصيات معلومة معروفة للعام والخاص فلا كواليس تطبخ ولا أجنديات تُغيَّر أو تُحرف، بالإضافة إلى متابعة شعبية لمجريات وحيثيات الحوار أول بأول للتقييم والتقويم وبهذا فقط يتم تجسيد المادتين 07 و08 المطالبة بها شعبيا بإلحاح، ومنه تحقيق مطلب آخر للمواطنين وتجسيد مكسب جديد للحراك.
3 / اختيار محاور الحوار: أعتقد لا يجب أن تتعدى 03 محاور لأن كثرة المحاور والمسائل المناقشة تخرج النقاش عن هدفه الأساسي
• الحديث عن إجراء تعديل حكومي بشخصيات مقبولة من الناحية الأخلاقية، الاحترافية المهنية + الوطنية والوفاء للجزائر فقط لضمان الشفافية، وتحييد الدور السلبي للإدارة العائق الأكبر لتجسيد العملية الانتخابية بأسسها المتعارف عليها خاصة مسألتي التعددية والشفافية.
• الحديث عن إجراء انتخابات وتحديد الآليات التنظيمية من يوم إعلان تاريخ الانتخاب ليوم اصدار النتائج وضبطها.
•تجديد هيكل المجلس الدستوري بكفاءات ذات روح وطنية ذات مهنية واحترافية لضمان شفافية التصديق على طلبات الترشح ومصداقية نتائج الانتخاب.
4 / مفصلية يوم الاقتراع: سيتساءل الكثيرون من الضامن لشفافية الانتخابات، سؤال مؤرق كثيرا نتيجة التجارب السيئة السابقة غير أنه في اعتقادي الضامن الأحسن والضمان الوحيد لشفافية العملية الانتخابية من بداية جمع التوقيعات إلى مرحلة الاقتراع ثم الفرز واعلان النتائج بمحاضر الفرز هو المشاركة الفعلية والفعالية للهيئة الناخبة أي المواطنين، فالمواطن يجب أن يعي أن صوته إن لم يعبر عنه بنفسه استغل في اتجاه آخر، لكن إن صوّت كل مواطن بلغ سن التصويت واعتبر ذلك حقا لن يتنازل عنه لأي أحد لأنه به فقط يحافظ على طموحاته في وطنه وطن لا يملك غيره، وليس واجبا نحو مؤسساته فلن يكون لأي أحد الفرصة للتزوير أو العبث بالنتائج، وفي اعتقادي هو الضمان الذي يريح المواطن لتزيده وعود المؤسسة العسكرية بالمرافقة أريحية أكثر وثقة أكبر في العملية الانتخابية ومخرجاتها وهذا نتيجة أمر واضح لا يخفى عن أي أحد يتمثل في أنها مؤسسة التزمت بمواقف وثَبُتت عليها ثبوتا مُوفقا لحد الآن كما حققت له مطالب كانت في وقت سابق لا يمكن الحديث عنها بل كانت حلما لا يمكن تحقيقه.
وبعد انتخاب الرئيس تكون الجزائر باتجاه معركة أخرى تتمثل في معركة الاصلاح وإعادة البناء بعدما انتهت من معركة اعادة تحرير الجزائر - حينها لكل مقام مقال فتُفتح نقاشات حول مسألة البناء، نوع النظام وطريقة الحكم وآليات العمل فبالعمل فقط نرتقي وبالمشاركة نكرس الواجبات ونضمن الحقوق، ولعلهما «الواجب والحق» لب المواطنة الحقة الصحيحة التي بإمكانها تحقيق البناء الجاد والتنمية المستدامة المرغوب بها من الجميع -. في معركة الاصلاح وإعادة البناء يستلزم على كل مواطن مهما كان منصبه، مركزه، موقعه، الالتزام أمام وطنه بالتربية، الأخلاق، العلم، الاتقان وتحمل المسؤولية على أكمل وجه...فلا ينقصنا في هذا الوطن أي شيء إلا أن نحب ما نقوم به، فمن يُحب عمله يتقنه، ومن يُحب العلم يبدع في طريقة تعليمه للأجيال الأخرى، من يُحب بيئته لا يرمي النفايات فيها، من يحب أبناءه يربيهم على أكمل وجه وفي هذا لا حاجة لقوانين تفرض وإنما هي ثقافة تربوية مبنية على الوازع الأخلاقي والضمير الحي، وهكذا دواليك، فالمحبة تُغيّر النفوس وتُصلح القلوب فإن تغيّرت نفوسنا وصَلُحت قلوبنا لصالح هذا الوطن فلن تَسقط الجزائر، لن تُهزم، لن تَضيع ولن تَقع فريسة بين أنياب المتربصين ولن تُقدَم لتجسيد مشاريع غربية خطيرة في المنطقة على طبق من ذهب...
الأمل بأن العلاج قد اتضح وأنه اقترب ومع علينا إلا المضي قُدمًا نحوه، وفي الأخير دعوة للعمل بهذا العلاج المقترح إن صَلُحَ لإنقاذ وطن يستحق التضحية والتنازل من دون أي خوف ولا ريب، فالجزائر لم تكن لتتحرر لو لم يضحّي الشهداء ويتنازلوا عن حياتهم الغالية من أجلها، وكذا الجزائر الآن لن يصلح حالها إن لم نتنازل كل في موقعه دون استثناء عن التزمت في الفكر والتعصب في الفعل...
حفظ الله الجزائر من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وألهم أبناءها الحكمة لإعلاء رايتها راية الملايين من الشّهداء، وتفويت الفرصة على الحاقدين والمتربّصين...اللهم آمين.