الثابت واقعيا وعلى مرأى الأشهاد هذا التراجع المهول للمقروئية وانحسارها في دوائر ضيقة جدا بالإضافة إلى عزوف الجمهور عن حضور الملتقيات والفعاليات الثقافية بشكل مخيف يفترض معه وقفة لمقاربة هذه الظواهر المشينة التي استفحل أمرها وصار لزاما على المشتغلين في الحقل الثقافي اليوم محاولة رصد البواعث التي ساهمت في بروزها ومن ثمة محاولة إيجاد استراتيجية مضبوطة تقدم اقتراحات جادة للخروج من هذه الأزمة. الحلول طبعا كثيرة متنوعة ومن ضمنها مثلا ضرورة الاهتمام بأدب الطفل على اعتبار أنه يشكل لبنة أساسية في بناء رجل الغد .ويمكن أن يتخذ هذا الاهتمام مظاهر شتى في تجسيده وذلك من خلال برمجة نصوص أدب الطفل في المنظومة التربوية خاصة تلك تتميز بجماليات فنية عالية في تربية الذوق وتهذيبه ولا يقتصر الأمر على النصوص اللغوية الرفعية وإنما يتعاه لنشاطات أخرى فأدب الطفل كما هو شائع عند المختصين يشمل المسرح المدرسي والإذاعة المدرسية والمجلة المدرسية التي يشارك الطفل ذاته في إعداد موادها بالاشتراك مع المؤطرين. إن انخراط الطفل في نادي المطالعة وياسر الأنشطة الثقافية التي ألمحنا لها سابقا كفيل أن ينمي فيه روح المبادرة والقيادة وتحمل المسؤولية الأمر الذي ينبئ عن شخصية سوية تنفعل وتفعل في المحيط الذي تعيش فيه . موازاة مع ذلك يمكن للمؤسسات الثقافية المختلفة ان تؤازر دور المدرسة وبأشكال مختلفة كتنظيم مسابقات علمية وورشات وتنظيم سهرات ترفيهية تصب في المصب الذي تراهن عليه المؤسسة كما يمكن لها استضافة الكتاب الذين يبدعون في إطار ما اصطلح عليه بأدب الطفل. كذلك يمكن للجامعة أن تسهم بصورة أو أخرى في دعم أدب الطفل وترسيخه في واقعنا الثقافي من خلال تقديم بحوث نظرية وتطبيقية تحاول من خلالها مقاربة أدب الطفل بدءا بتحديد مصطلحاته وقضاياه وإشكالاته المعرفية والجمالية خاصة إذا وضعنا في الحسبان أن الكتابة للطفل هي من الصعوبة بمكان وتحتاج الى استعدادات ومواهب خارقة لكون المتلقي الصغير يتميز بمواصفات خاصة يتعين مراعاتها بدءا من شكل وجمال الكتاب الخارجي وصولا إلى محتوياته وكيفة تقديمها.