بشأن الملف النّووي الإيراني، الأستاذ عبد الحق بوسعيد:

الاتّفاق بين الأطراف إن حصل أقرب للهدنة منه لحل نهائي

حوار: فضيلة بودريش

 المفــاوضات لهــا طابع إستراتيجي تتعلّق بالأمن الإقليمي

 ليس لواشنطن حلول جذرية بسبب فشل تدخّلاتها العسكرية

بالكثير من التفصيل المستفيض حول تطوّرات ملف النووي الإيراني الذي تجري محادثاته بمدينة فيينا النمساوية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وتلعب فيه الدول الغربية كوسيط بين طهران وواشنطن، اعتبر الدكتور عبد الحق بوسعيد، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية  أن هذه المفاوضات العسيرة والشاقة، تعد مسألة تقنية والاتفاق المرتقب إن حصل هو أقرب للهدنة أكثر منه لحل نهائي للقضايا العالقة بين الطرفين، على خلفية أنّ إيران غير مستعدة للتنازل عن برنامجها النووي (المدني) بعد ما استثمرت كل هذه السنوات من الجهد السياسي والمالي، وبالإضافة الى تعرضها إلى عقوبات دولية قاسية أنهكت اقتصادها، وقال الخبير بوسعيد إنّ الملف النووي هو مسألة إجماع وطني في إيران وحول تأثيرات هذه الجولات الماراطونية، ومدى ارتباطها بالقضية الفلسطينية، يعتقد أنّ الكيان الصّهيوني لا يمكنه أن يضمن أمنه الداخلي إلا عن طريق تثبيت وضعه الإقليمي وضمان حركته فيه، من أجل كل ذلك يولي قضايا التطبيع مع محيطه الضّرورة القصوى.



- الشعب ويكاند: عاد المفاوضون في الملف النّووي الايراني مجدّدا إلى الطّاولة من أجل استئناف المحادثات، هل سينعكس هذا على تسريع وتيرة التفاوض وتجاوز الانسداد؟
 الأستاذ عبد الحق بوسعيد: في البداية أريد أن أوضّح، أنّ فهم أبعاد المفاوضات الجارية بين إيران والقوى المنضوية في اتفاق العام 2015 (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا، والصين - تشارك الولايات المتحدة بشكل غير مباشر)، يتطلّب الإلمام بأبعاد القضايا الخلافية الكبرى بين إيران والولايات المتحدة على نحو خاص، فالخلافات حول مسألة الملف النووي الإيراني أبعد ما تكون حول قضايا تقنية كما يبدو للبعض أو بالإدارة الجيدة للعملية التفاوضية، فالصّراع في الحقيقة هو صراع إستراتيجي يتعلق بصياغة نظام الأمن الإقليمي ودور إيران في المنطقة وطبيعة علاقتها بحلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة وموقفها العدائي من الكيان الصهيوني.
إنّ عدم فهم أبعاد هذه القضايا يؤدي إلى عدم فهم السياق الذي تجري فيه المفاوضات النووية، والتي هي في الحقيقة مفاوضات إستراتيجية تحت عنوان تقني يتعلق بأحقية إيران في ممارسة الأنشطة النووية السلمية، وضمان مصالحها في المنطقة المرتبطة بإستقلالية قراراتها الخارجية. وبالعودة إلى هذا السؤال، يمكن القول إنّ التوقيع على اتفاق نووي جديد ليس بالأمر المستبعد، وقد سبق لإيران أن وقّعت مثل هذا الإتفاق في 2015، وانسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية، فالأمر يتعلق بتسيير العلاقة بين إيران والقوى الغربية، في انتظار توفّر الظروف الملائمة لأحد الأطراف لتحقيق أهدافه الإستراتيجية، فالمفاوضات هي مسألة تقنية والاتفاق المرتقب إن حصل هو أقرب للهدنة أكثر منه لحل نهائي للقضايا العالقة بين الطرفين.

- أمهلت واشنطن المفاوضين وعلى رأسهم طهران نهاية شهر فيفري الجاري كآخر أجل للتّتويج باتفاق لأنّها في كل مرة كانت تتحدث عن نفاد الوقت وغلق أبواب الحوار، هل سينجح المفاوضون في طي هذا الملف خلال الجولة الثامنة؟
 قضيّة منح مهلة معيّنة في مفاوضات دولية هو أمر شائع، وهو يدخل في إطار الضّغوط التي تمارسها الأطراف المتفاوضة على بعضها البعض لقبول صياغة معيّنة للاتفاق المرجو، وهي لعبة تدركها إيران جيدا ولديها خبرة طويلة في المفاوضات الدولية خاصة في قضية الملف النووي، ولها من النّفس الطويل ما يمكّنها من تجنّب مثل هذه الضّغوطات، وهي تعرف أن وضع الولايات المتحدة لا يمنحها خيارات أخرى، ففشل المفاوضات يعني استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي بعيدا عن الرّقابة الدولية، في الوقت نفسه لا تملك في الوقت الراهن أوراقا تمكّنها من الضغط على إيران للتوصل لاتفاق بديل، وخاصة أنّ الولايات المتحدة تدرك أن لعبة المفاوضات الطّويلة الأمد هي إستراتيجية إيرانية نجحت في استخدامها سابقا في تطوير برنامجها النووي والإفلات من الإكراهات الدولية.

- ما هي طبيعة الخلافات الجوهرية التي صعبت مهمّة المفاوضين، الذين لم يتمكنوا منذ أفريل الماضي وطيلة ثمانية أشهر من طي الملف؟
 هناك غموض حول الملفات التي يتم تناولها في المفاوضات على نحو دقيق، ولكن ما هو معروف بشكل عام هناك خلاف حول حجم العقوبات التي على الولايات المتحدة الأمريكية رفعها على إيران، حيث تطالب إيران برفع العقوبات دفعة واحدة، والحصول على ضمانات لتنفيذ كامل للاتفاق المرتقب وعدم نقضه من جديد، في حين تطالب الولايات المتحدة بإيجاد ضمانات فعّالة لمراقبة تخصيب اليورانيوم في حدود أقل من 60 بالمائة، وتحديد مصير اليورانيوم المخصب وضمان عدم إستخدامه لأغراض عسكرية.     

- وجّه الجمهوريّون انتقادات لافتة إلى الرّئيس بايدن، واعتبروا إبرام أي اتفاق مع إيران سيكون سيّئا، وأنّ أي اتفاق يجب أن يحظى بموافقة ثلثي الكونغرس، فهل يمكن لهذا الأخير أن يجهض الاتفاق إذا رأى النور؟
 يحتاج الاتفاق النووي الذي من المرتقب التوصل إليه لموافقة المؤسسات السياسية لكلا البلدين، وإن كان من المتوقع أنه لن يواجه صعوبات بالنسبة لإيران، نظرا لطبيعة مسار صنع القرار في نظامها السياسي، فإنّ الأمر مختلف بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وكما هو معروف أي اتّفاق لا يصادق عليه الكونغرس الأمريكي لا يرقى لمستوى المعاهدة، ويمكن لأي إدارة جديدة أن تتخلى عنه بسهولة. ويطالب أعضاء جمهوريّون في الكونغرس من الإدارة الأمريكية تقديم ضمانات يمكن بموجبها للكونغرس الأمريكي الإشراف على التعديلات التي تطرأ على الاتفاق النووي الموقع في 2015 مقابل التصديق على الاتفاق هذا من جهة، ومن جهة أخرى، قد تستفيد الإدارة الأمريكية من عدم تصديق الكونغرس على الاتفاق في حالة ما إذا أرادت التخلي عنه عند توفر ظروف دولية تسمح للولايات المتحدة الأمريكية بمعالجة المسألة بغير الأساليب الدبلوماسية.

- كيف يمكن للاتّفاق حول النّووي الإيراني أن يعزّز الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط؟
 إنّ مسألة التفاوض على الملف النووي هي جزء بسيط من القضايا الخلافية المطروحة في المنطقة، فالأمر يتعلق بمن يصنع النظام الأمني في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، في هذا الإطار تبرز ثلاث قوى رئيسية محلية تشمل إيران، والكيان الصهيوني ودول عربية تتصارع حول الزّعامة الإقليمية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة باعتبارها طرفا مرجّحا للقوة في المنطقة وفي نفس الوقت ضامنا لاستقرارها، ومع هذا الوضع تتحرّك مختلف الأطراف وبأجندات متضاربة، لذا الأمر يحتاج لأكثر من تفاوض حول الملف النووي الإيراني، ليلج إلى صلب القضايا الجوهرية التي تهم القوى المحلية، وهي في الحقيقة قضايا شائكة، ومرتبطة بأمن المنطقة، وضمان تدفّق الطاقة للأسواق الدولية، وحل القضية الفلسطينية.

- وصف الكيان الصّهيوني القضية الفلسطينية وكفاح الشّعب الفلسطيني بالأخطر من النووي الإيراني، ما رأيك؟
 كما هو معروف هناك ارتباط لقضايا الشرق الأوسط بعضها ببعض، والكيان الصهيوني لا يمكنه أن يضمن أمنه الداخلي إلا عن طريق تثبيت وضعه الإقليمي وضمان حركته فيه، لهذا يولي قضايا التطبيع مع محيطه الضرورة القصوى، ويرى أن أكبر عائق يقف أمامه هو إيران التي لا تشاطره نفس الرؤية لقضايا الشرق الأوسط، وتدعم المقاومة الفلسطينية، ويرى في الفصائل المقاومة الفلسطينية أذرعا أمنية وعسكرية لإيران وأوراقا للتفاوض على أمنها وموقعها في المنطقة كقوة إقليمية كبرى. ويعتبر الملف النووي الإيراني أحد الملفات التي تطرح للجدل بين الكيان الصهيوني وإيران في سياق وضع الطرفين في تحديد مصير المنطقة.

- لماذا يقل الحديث عن آليات تنفيذ الاتّفاق النّووي فيما لازالت طبيعة الضّمانات التي تطالب بها طهران مبهمة ولم يكشف عنها بعد؟
 لابد أن نعرف في البداية أن التفاوض وفي أحد جوانبه هو غاية في حد ذاتها بالنسبة للطرفين مع غياب حلول جذرية، فإيران غير مستعدّة للتنازل عن برنامجها النووي بعد ما استثمرت كل هذه السنوات من الجهد السياسي والمالي، وتعرّضها لعقوبات دولية قاسية، فالملف النووي هو مسألة إجماع وطني في إيران، ومغذ رئيسي لمشروعية النظام الإيراني وورقة مهمة تفاوض بها على أمنها القومي، في الجهة المقابلة لا تملك الولايات المتحدة الأمريكية حلولا جذرية لهذه المسألة مع فشل تدخلاتها العسكرية في كل من العراق وأفغانستان، وتراجع أهمية الخليج الإستراتجية في أجندة الأمن القومي الأمريكي مع توفر مصادر للطاقة بديلة عن نفط الخليج، وتوجّه الولايات المتحدة نحو آسيا والمحيط الهادئ في بناء إستراتيجية أمنها القومي. من هذا المنطلق لا ينتظر الطرفان حلولا جذرية لمسألة الملف النووي الإيراني، وأنّ الأمر يتعلق بملف من ملفات الصراع في المنطقة لن يحسم بإتفاق نووي مهما كان نوعه، فالأمر يحتاج لترتيبات إقليمية أكبر تشمل كافة الأطراف وكافة القضايا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024