توطين المواقع بالجزائر لحماية الجمهور الجزائري ضرورة
نحن بحاجة لتطهير المشهـــد الإعــلامي من الطفيليين
ننتظر تفعيــل قـــانــون الصحـافــــة الإلكترونيـــة
أكد أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة ورقلة كمال حجام في حوار لـ»الشعب»، أن المواقع الإلكترونية بمختلف أنواعها من مرتكزات الممارسة الإعلامية في عصرنا الحالي، مشيرا إلى أن الجزائر حديثة التجربة في هذا الميدان، ويرى حجام ضرورة تحيين الرسالة الإعلامية وتحديث وتوطين هذه المواقع بالجزائر لإسترجاع الجمهور الجزائري من المواقع المضلّلة، أملا في أن يساهم قانون ممارسة الصحافة الإلكترونية في تنظيم القطاع.
«الشعب»: ما موقع الإعلام الإلكتروني في عصرنا الحالي؟
الأستاذ كمال حجام: تعتبر المواقع الالكترونية أو المنصات الرقمية بمختلف أنواعها في الوقت الراهن من مرتكزات الممارسة الإعلامية، ومن أهم ملامح الخارطة الإعلامية الجديدة ونظرا لمجموعة من الخصائص التي تكتسيها كالآنية والتفاعلية وسهولة النفاذ والدخول، كل الفئات والمواطنين يمتلكون القدرة للوصول والولوج إلى محتوياتها وأيضا تحيل إلى روابط تشعبية متنوعة أي تجعل القارئ يرتبط بشبكة من المعلومات والأفكار والأخبار المستحدثة، حول مواضيع متعدّدة حسب مجالات الإهتمام.
وبالتالي، تعتبر المواقع الإلكترونية في وقتنا الراهن هي السلاح أو منصات كما يسميها بعض الأكاديميين هي منصات الحروب النائمة، وأصبح الوجود بعدما كان يقترن بالجماهيرية التقليدية من حيث عدد المتابعين والقراء وما إلى ذلك.
يقاس الآن تأثير وحجم المؤسسات الإعلامية بمرئيتها في الفضاء التواصلي الجديد، وهذه الخاصية التي تتيحها المواقع الالكترونية.
وماذا عن الصحافة الإلكترونية في الجزائر؟
في الجزائر نحن حديثي التجربة على الرغم من أن بلادنا ربما كانت من الدول السبّاقة عربيا، حين بادرت الصحف منذ تسعينيات القرن الماضي لاستحداث مواقع لها عبر الواب وما إلى غير ذلك، ولكن الآن نتكلم عن المواقع الإلكترونية كبديل إعلامي في فضاء إتصالي مستقل عن الفضاءات الإعلامية التقليدية.
التجربة الجزائرية على الرغم من حداثتها إلا أنها أصبحت تعجّ بعدد كبير حتى وزارة الإتصال لا يمكنها أن تحسب هذه المواقع الإتصالية، لأن بعضها موطن في الجزائر وبعضها موطن من الخارج وهنا يكمن الخطر، وزير الإتصال سبق له مرارا وتكرارا أن حذّر من مغبة الهجمات الرقمية والسيبريانية التي توجّه للجزائر وتهدّد أمنها السيبرياني والثقافي والفكري من خلال هجمات تُشنّ من الخارج لا يمكن إنكار هذه الحقيقة.
لكن ربما هناك تحدي يفرض على صناع القرار في الجزائر، وهو تحيين وتحديث وتوطين هذه المواقع ودعمها ماديا ومعنويا لتكتسب القوة الكافية والمناعة الحقيقية لكي نسترجع الجمهور الجزائري من المواقع التي تروّج للأكاذيب والأضاليل ونحن نعرف مواقع معروفة مغربية نجد أنها تذكي الخلاف والصراع بخلفيات سياسية، وتنشر معلومات مضللة وأكاذيب وما إلى ذلك ، هذا مكمن الخطر أو التهديد.
لكن هناك فرص كثيرة جدا يمكن الاستثمار فيها وهي أن هذه المواقع أصبحت تحظى باهتمام كبير من طرف الجماهير المختلفة، وخاصة أن مستخدمي الأنترنيت في الجزائر ربما وصل عددهم إلى 24 مليون أو أكثر خاصة على مستوى شبكة التواصل الإجتماعي، ما يجعل الإستثمار الأمثل في هذه المواقع الإلكترونية كتحدي أول لاستقطاب وإسترجاع الجماهير وتزويدها بالمعلومة الحقيقية التي تخلق نوع من الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة هذا من جانب.
والجانب الثاني يتعلّق بالمهنية، الإعلام في الجزائر بحاجة إلى تطعيمه بجرعات من الحقيقة وانتشاله من الدعاية السياسوية، لأن المواطن الجزائري نفر من الإعلام العمومي والتلفزيون العمومي بشكل أساسي ونفر من القنوات التلفزيونية الخاصة بعدما كان قد عقد أمل أنه يجد ضالته في هذه الوسائل الإعلامية فإذا بهذه الوسائل إسترجعته لفترة زمنية محدّدة وتعيد تصديره وترك هذا الجمهور الجزائري لمؤسسات إعلامية خارجية.
الرأي العام الوطني يتغذى حاليا من مواقع إلكترونية لا تخدم بالضرورة العقل الجمعي الجزائري والثقافة الجزائرية، وبالتالي لا تخدم الأمن الوطني في بعده الفكري والثقافي في الجزائر.
ماذا ينتظر من القانون المتعلّق بممارسة الصحافة الإلكترونية؟
فيه ربما جهود في صدور القانون المتعلق بكيفية ممارسة الصحافة الإلكترونية، ننتظر منه أن يساهم على الأقل في تنظيم القطاع، وينتظر تفعيله وأن يستعيد الثقة الغائبة بين المواطن والإعلام في الجزائر، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال شحن قيم مهنية وأخلاقية، هذه القيم التي ترتكز على إحترام عقل القارئ والمتلقي.
المتلقي اليوم أصبحت لديه مصادر متعدّدة يستقي منها المعلومة، وبالتالي أحسن طريقة هو الحفاظ على مصداقية المواقع الإلكترونية ونشر فيها ما يلبي إحتياجات المواطنين ويحترم عقولهم بعيدا عن التضليل والدعاية والتزييف أو التلاعبات التي استمرت لوقت أصبح فيه المواطن في قطيعة مع هذه الوسائل ويتحاشى مشاهدتها.
آن الأوان لإعادة بناء مشهد إعلامي قوي لأننا بحاجة في هذا الوقت الصعب إلى إعلام قوي ورسالة إعلامية هادفة بعيدا عن التضليل والإثارة والتهريج والإنحطاط، بسبب السطحية والسذاجة التي تمارسها قنوات تلفزيونية جزائرية، بهدف الإثارة والربح التجاري على حساب قيم مجتمع ومبادئ الدولة الجزائرية.
وأشير أنني قمت في ملتقى سابق بجامعة المسيلة بعرض مداخلة تطرّقت فيها إلى الفوضى الإتصالية في الجزائر أي من المشهد الإعلامي والتعدّدية الإعلامية إلى الفوضى الإتصالية، أكيد أن هذه الفوضى الإتصالية لا ينكرها أي إنسان عادي أو القارئ البسيط أو الصحفي أو حتى صنّاع القرار في الجزائر، بما فيهم وزير الإتصال أو رئيس الجمهورية لا يستطيعون إنكار أننا نعيش حالة فوضى إتصالية، خاصة ما تعلّق بالبيئة الإتصالية الرقمية.
لكن ربما فيه نوع من التفطن أو اليقظة والجهود، خاصة فيما يتعلق بإصدار قانون الصحافة الإلكترونية وإنشاء المواقع الإلكترونية.
في رأيكم هل الإعلام الورقي مهدّد بالزوال على ضوء انتشار المواقع الإلكترونية؟
لو تسحب الدولة دعمها للإعلام الورقي لن يصمد في الساحة الإعلامية سوى أربع أو خمس جرائد على أقصى تقدير، لأن معظم الجرائد مجهرية وتتغذى من الإشهار العمومي دون تقديم أي قيمة مضافة للمشهد الإعلامي، ما هي إلا ديكور يزين واجهة تبدو أنها متعدّدة لكنها في قالب أوحادي.
أملنا منذ سنوات وكما كان أساتذتنا يحلمون به أن نرى إعلاما حقيقيا يتغذى من دعم الدولة، ولكن هذا الدعم لا يفرض إتجاهات أو منطق أو سياسة تحريرية معينة، لكن بهدف تقديم خدمة عمومية لصالح الدولة ومؤسساتها، وليس في خدمة الأشخاص.
للأسف أصبح المراسل المحلي ناطق رسمي باسم الوالي، وأصبحت بعض الصحف والمؤسسات ناطقة باسم الهيئة التنفيذية عدا بعض الاستثناءات فبعض الجرائد مثل جريدتي «النصر» و»الشعب» تقدمان خدمة عمومية وملفات ثرية، فهي مؤسسات تستحق دعم الدولة مع تحيين رسالتها الإعلامية.
تغليب الطابع الدعائي يجعل من هذا الإعلام يفقد مصداقيته، ونحن نعلم أن المواطن عادة ما يريد من يستفز عقله وليس عواطفه، فالعاطفة تزول في لحظة معينة، لكن بعدما يكتشف الحقيقة يصبح لا يحترم تلك المؤسسة التي احتقرت عقله واستغبته.
نحن الآن بحاجة لجرأة في ممارسة مهنة الصحافة، وبحاجة لتطهير المشهد الإعلامي من الطفيليين والإنتهازيين وكل من لا علاقة له بالإعلام، والمتسلقين إلى هذه المهنة لتدميرها واستغلالها لخدمة أغراض شخصية بدل استثمارها في بناء عقل جزائري مستوعب للتعددية وللإختلاف ومتسامح مع قيمه ومؤسسات بلده.