مستعدون للتفاوض لكن ذلك لا يعني وقف إطلاق النار
مجلس الأمن يتعامل مع القضية بمنطق التسيير لا الحلّ
أكد أبي بشرايا البشير ممثل جبهة البوليساريو بالإتحاد الأوروبي، أن الوقت حان للتوجّه نحو حلّ النزاع في الصحراء الغربية من خلال الاحتكام لإرادة الشعب الصحراوي، معتبرا في حوار مع «الشعب» أن المفاوضات مع المغرب ممكنة، لكن ليس بالضرورة وقف إطلاق النار، في حين أشار إلى أن المقترح الذي يصرّ الاحتلال على محاولة فرضه والمفصّل على مقاسه، ليس حلا وسطا كونه يتناقض مع الشرعية الدولية.
«الشعب»: يبدو أن تعيين مبعوث أممي جديد خيار غير مجد في الوقت الراهن، ما يشير إلى استحالة استئناف المفاوضات، ما المتوقّع من الأمم المتحدّة؟
أبي بشرايا البشير: بالفعل، المبادرة الى تعيين مبعوث شخصي الآن، في ظل الظروف الحالية، دون التوقف بعمق عند أسباب تعثر المبعوثين السابقين واستخلاص الدروس الضرورية من ذلك، سيكون بمثابة «وضع العربة قبل الحصان»، كما يقال. لا بد من المعالجة العميقة لأسباب الفشل طيلة 30 سنة من طرف مجلس الأمن الدولي، والاستماع للجميع، واستخلاص العبر والقيام بتحديد إطار للتفاوض، هدفه النهائي، الجدول الزمني والضمانات الكافية، خارطة طريق جديدة تكون مهمة المبعوث الشخصي الجديد هو تطبيقها. أما تعيينه الآن، فسيكون بمثابة الحكم المسبق عليه بالفشل، كمن سبقوه، ومنهم من كان يمتلك كل فرص النجاح، لولا غياب الإرادة الحقيقية لدى المجلس، «بيكر» و»كوهلر» مثلا.
المغرب متمسّك بحلّ أحادي يصبّ في مصلحته «الحكم الذاتي»، والبوليساريو تصّر على استفتاء تقرير المصير، هل يعني هذا دخول النزاع مرحلة أكثر تعقيدا من السابق مع استمرار الحرب؟
في تقديري الأمر لا يتعلق، في النهاية، بموقف الطرفين، وإنما بقدرة الأمم المتحدة على فرض تطبيق الاتفاق الوحيد الموقع بين الطرفين إلى حد الساعة، ألا وهو مخطط التسوية الأممي الإفريقي لسنة 1991. وبعدئذ، فموقف جبهة البوليساريو ليس فقط استفتاء تقرير المصير. الموقف هو المتخذ في 27 فيفري سنة 1976 من خلال الإعلان عن الجمهورية الصحراوية والشروع في البحث عن اعتراف دولي بها مكرس من خلال العضوية الكاملة في الاتحاد الأفريقي. استفتاء تقرير المصير، هو الحل الوسط الذي اتفق عليه الطرفان سنة 1991. المغرب يستطيع أن يقترح ما يشاء، ولكن الاتفاق الوحيد والمنسجم مع القانون والشرعية الدولية هو المتعلق بتنظيم استفتاء تقرير المصير لتحديد الوضع النهائي للإقليم، خاصة ما يتعلق منه بالسيادة وهذا هو جوهر النزاع. المقترح المغربي حول الحكم الذاتي، بالإضافة الى تناقضه مع القانون الدولي المؤطر للنزاع، ليس حلا وسطا، لأنه يحدّد الوضع النهائي للإقليم ويعطي السيادة للمغرب بعيدا عن أي استشارة للشعب الصحراوي. هو في الحقيقة تصوّر وفق منطق «الرابح يأخذ كل شيء»، كما يقول الأمريكيون.
حل النزاع بسيط جدا، فقط لو توّفرت إرادة للمجتمع الدولي خاصة مجلس الأمن الدولي لذلك. نقطة التعقيد ليست في موقف الطرفين، إنما في رغبة مجلس الأمن الدولي فيما يبدو، حتى بعد اندلاع الحرب من جديد، الى مواصلة التعامل مع النزاع بمنطق تسييره وليس حلّه. ثلاثون سنة من تسيير النزاع لم تعط نتيجة، والشعب الصحراوي وحده هو من يدفع ضريبة النزاع وضريبة الانتظار. لقد حان الوقت للتوجه نحو حل النزاع من خلال الاحتكام لإرادة الشعب الصحراوي.
لماذا لم يعترف المغرب لغاية اليوم بوجود حرب مع البوليساريو رغم أنها قائمة، منذ 13 نوفمبر الماضي؟
أتصوّر أن الهدف سياسي بالدرجة الأولى، هو محاولة التمسك عبثا، الى آخر لحظة بالأمر الواقع الذي كان قائما قبل 13 نوفمبر والذي كان يسير بشكل كامل في مصلحته وتعزيز وتكريس وجوده الاستعماري. المغرب وأصدقاؤه، يعملون ليل نهار من داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من أجل إعادة القضية الى «اللامسار» السياسي الذي كان قائما، وكأن شيئا لم يحدث خلال الأشهر الأخيرة. اعتراف المغرب بوجود الحرب، سيكون إقرارا علنيا من طرفه بانهيار «اللامسار» السياسي الذي كان قائما، وهو ما سيفوت عليه فرصة استمرار استخدام بعثة الأمم المتحدة كشركة متعددة الجنسيات للتأمين على استمرار احتلاله للصحراء الغربية. والأكثر مرارة، هو مواصلة اعتقاده، هو وحلفاؤه، بإمكانية الاستمرار في الوضعية السابقة، حيث وقف إطلاق النار الماضي، كان فقط من أجل الحفاظ على الأمر الواقع بمعزل عن الحل السياسي العادل. كانت بالفعل وضعية شاذة ومؤلمة بالنسبة للشعب الصحراوي ومقاتليه، أن يطلب منهم أن يكونوا «حراس الجهة الشرقية» للتأمين على استمرار احتلال أرضهم. الآن ثمة وضعية جديدة. نحن صرّحنا أكثر من مرّة وبشكل رسمي، أننا مستعدون للتفاوض دائما، ولكن ذلك لا ينبغي أن يعني بالضرورة وقف إطلاق النار. وإذا كان لا بد من وقف لإطلاق النار، فيجب أن يكون بموجب اتفاق جديد، التفاوض سابق لوقف إطلاق النار وليس العكس.
مواقف الإتحاد الأوروبي لا تزال متباينة وتبدو مُخجلة في دفاعها عن الشرعية الدولية حيال النزاع، هل يفهم هذا الموقف أنه سلبي بالنسبة لجبهة البوليساريو؟
الاتحاد الأوروبي يتحمل جزءا معينا من المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع الآن في الصحراء الغربية، بسبب اعتبارات تتعلق بالاتحاد في حد ذاته والقوى المؤثرة في رسم سياسته الخارجية عموما وهي فرنسا غالبا وإسبانيا في ما يتعلق بالصحراء الغربية تحديدا. محاباة المغرب والرضوخ لابتزازه بشكل مستمر تحوّل، مع مرور الوقت، الى الثابت الوحيد في تحديد سياسة الاتحاد ومواقفه من القضايا المتعلقة بالمغرب. أكبر دليل على ذلك، أن الاتحاد بدفع مباشر من هذين البلدين، وبدلا من الاحتكام الى القانون الأوروبي واحترامه، دخل مع المغرب في مغامرة تجديد الاتفاقيات الاقتصادية التي تشمل الصحراء الغربية، خلافا لمقتضيات قرارات محكمة العدل الأوروبية 2016 و2018 ، وهو ما غذى لدى الرباط الشعور بإمكانية القفز على كل شيء. وبالرغم من شعورنا بالارتياح لموقف الاتحاد الأوروبي المعلن عنه بخصوص قرار ترامب اللاشرعي، نهاية العام الماضي، إلا أن موقف بروكسيل ما زال بعيدا عن الحد الأدنى المطلوب الذي ينسجم مع المثل والمبادئ التي يعلنها محدّدة لسياسته الخارجية ومع وجود الصحراء الغربية في نطاق جوار جغرافي، أي تصعيد وتوتر مفتوح في المنطقة لهيبه سيصل القارة العجوز بشكل أو بآخر.
بعد التطوّرات الميدانية الأخيرة على جبهات القتال، هل تتجّه الجبهة إلى تغيير نهجها في الحرب؟
بعد الفقاعة الإعلامية التي تلت استشهاد القائد البطل البندير بفعل ضربة لطائرة مسيرة، ينقشع الضباب الآن عن جهود حثيثة يقوم بها القادة العسكريون الصحراويون لمعرفة كيفية التعاطي مع هذا السلاح الجديد على المعركة وشلّ فعاليته. رهاننا كان وسيبقى على الحرب الطويلة الأمد وعلى تكتيك استنزاف العدو حتى دفعه للتسليم مجددا بالأمر الواقع الوطني الصحراوي. الفرق في العدة والعتاد كان وسيبقى شاسعا بيننا والجيش المغربي، لكن الفرق الموجود الآن وغدا هو الرجل الواقف كالشجرة مستعدا للموت دون أرضه وعرضه. العتاد لا يعوض ذلك، ولنا في تجارب الماضي والحاضر أمثلة كثيرة.
قلتم أن رهانكم على الحرب طويلة الأمد، هل البوليساريو جاهزة في الوقت الراهن لمواصلة الحرب؟
الجيش الصحراوي كان على علم، حتى قبل استئناف الكفاح المسلح في 13 نوفمبر من العام الماضي، بإدخال المغرب لسلاح الطائرات المسيرة الى عتاده العسكري. والعملية التي استشهد خلالها قائد سلاح الدرك الوطني الشهيد البطل الداه البندير لم تكن هي الأولى، فقد تم تسجيل هجمات خلال الأشهر الماضية بنفس السلاح.
هنا لا بد أن أشير الى نقطتين هامتين متعلقتين بهذه القضية. الأولى سياسية وإعلامية، من حيث إقامتها الدليل أمام العالم بزيف الدعاية المغربية التي تحاول الآن، كما في سبعينات القرن الماضي، نفي وجود الحرب أصلا في الصحراء الغربية، وتعزّز صدقية الطرح الصحراوي وصدقية البيانات الدقيقة واليومية التي تصدرها وزارة الدفاع الوطني حول الهجمات المتواصلة على مواقع تخندقات جيش الاحتلال على طول الجدار العسكري المغربي. الثانية من الناحية الميدانية، بالتأكيد على أن تجربة الجيش الصحراوي باهرة في التكيف مع التطورات الميدانية على الأرض، وكما نجحت خلال منتصف الثمانينات في جعل الجدار العسكري خطا دفاعيا غير ذي شأن من خلال تطوير استراتيجية اختراقه بسهولة وشنّ عمليات نوعية في العمق، الآن أيضا، يعكف القادة الميدانيون على دراسة أنجع الطرق للتعامل مع هذا السلاح وغيره لشلّ فعّاليته.
إلى أين تتجّه القضية الصحراوية من خلال هذه المعطيات الجديدة؟
الكرة في مرمى مجلس الأمن الدولي، إما أن يتحمل مسؤوليته المباشرة إزاء نزاع يندرج ضمن مأموريته وضمن إطار قانوني وتاريخي واضح أو يترك الأمور تتعقد أكثر بكل ما قد يحمل ذلك من تبعات أكبر على الأمن والاستقرار الإقليميين. تقاعس مجلس الأمن ورهانه، خاصة خلال السنوات الأخيرة، على إرضاء الطرح المغربي هو ما قاد إلى المنزلق. يجب على مجلس الأمن اتخاذ خطوة تؤكد رغبته الحقيقية في حل النزاع بدلا من مواصلة تسييره.