تعتبر عمليات زرع الكبد بالجزائر من بين أهم التحديات الصحية الكبرى التي رفعتها الدولة الجزائرية، من خلال الإمكانيات المادية والبشرية الضّخمة التي وفّرتها على مدار السنوات الأخيرة، خاصة بعد إنجاز مرافق صحية حديثة لمثل هذه العمليات.
الجزائر كغيرها من الدول النامية لم تشهد إجراء مثل هذه العمليات الدقيقة إلا في سنة 2003 بمركز مكافحة السرطان بالعاصمة، ويأتي المركز الجهوي لمكافحة الأمراض السرطانية بعاصمة الأوراس باتنة، من بين أهم المراكز الصحية على المستوى الوطني الذي بدأ يتحول إلى قطب طبي بامتياز في نجاح مثل هذه العمليات، والذي يستقبل مرضى ولايات كثيرة من الشرق والجنوب الشرقي للوطن.
«الشعب» نقلت نجاح ولاية باتنة في هذا المجال من خلال رصد سيرورة مشروع زراعة الكبد بالمركز الجهوي لمكافحة الأمراض السرطانية، حيث أجريت أول عملية به شهر مارس من العام الماضي 2017، الذي ودعته بإجراء 5 عمليات زرع للكبد كللت كلها بالنجاح أشرف عليها فريق طبي شاب من داخل المركز بالتنسيق مع البروفيسور الجزائري كريم بوجمعة القادم من مستشفى ران الفرنسية، وهو واحد من أهم الأساتذة المختصين في زراعة الكبد بالعالم، حيث طوّر تقنية زراعة معقدة مكنته من زراعة كبد لمريضة فرنسية بالغة من العمر 64 سنة مصابة بسرطان الكبد سنة 2012، لاقت شهرة عالمية وإشادة من مختلف الأوساط الطبية في العالم، إضافة إلى إشرافه على فريق طبي بمستشفى ران الفرنسي، ويعرف في الأوساط الطبية بصاحب الألف عملية في زراعة الكبد.
الأولوية للكشف المبكّر عن سرطان الكبد بدل معالجته
أشار مدير المركز عيسى ماضوي لجريدة «الشعب» خلال لقاء سابق، إلى أن مصالحه ستجتهد في ضمان ديمومة هذه العمليات الثقيلة والحرجة من أجل التخفيف من معاناة المرضى وعائلاتهم تجسيدا لتعليمات وزارة الصحة التي تراهن على جعل باتنة قطبا طبيا بامتياز في هذه العمليات الجراحية الدقيقة.
من جهته، أكّد البروفيسور بوجمعة أن عمليات زرع الكبد يستفيد منها المرضى الذين لم تستجب أجسامهم للدواء الخاص بمرض الكبد الفيروسي، وتتطلب حالتهم المرور للعلاج بدواء من الجيل الثالث، والذي أصبح ينتج بالجزائر بتكلفة لا تتجاوز 500 ألف دج، فيما كانت تقدر بـ 700 مليون دج في وقت سابق، وهو مكسب صحي كبير يجب الإشادة به.
طالب البروفيسور بوجمعة بمنح الأولوية للوقاية والكشف المبكر عن سرطان الكبد بدل علاجه، مشيرا إلى أنه يجب تدعيم كل الجهود الخاصة بالكشف المبكر لهذا النوع من الأمراض لمعالجتها في الوقت المناسب والتحكم فيها قبل تفاقمها، مؤكّدا أنّه يجب أن تتم متابعة المرضى الذين يعانون من التهاب الكبد المزمن، وأنه يجب أن يستفيدوا من إيكوغرافيا كل 6 أشهر للتصدي للسرطان في الوقت المناسب.
وتعتبر باتنة ثالث ولاية على المستوى الوطني تجري هذا النوع من العمليات مجانا، نظرا لتكاليف عمليات زرع الكبد الباهظة، وقد أشار في هذا الصدد مدير المصالح الطبية بمركز مكافحة السرطان الدكتور عبد السلام بهلول إلى أنه يرتقب خلال السنة الجارية إجراء 7 عمليات أخرى تم تهيئة المرضى المعنيين بها على جميع الأصعدة.
مرضى 25 ولاية يحجّون لمركز مكافحة الأمراض السرطانية بباتنة
يعرف المركز الجهوي لمكافحة السرطان بباتنة منذ افتتاحه سنة 2012 إقبالا منقطع النظير للمرضى القادمين من مختلف ولايات الوطن، إذ يستقبل مرضى أكثر من 25 ولاية من الوطن خاصة القادمين من الجهة الجنوبية الشرقية، حيث تم فحص 23 ألف و323 مريضا في مختلف المصالح منها الأورام السرطانية وأمراض الدم والعلاج بالأشعة والأطفال والجراحة إلى غاية نهاية السنة المنقضية 2017.
ويعتبر المركز الجهوي لمكافحة الأمراض السرطانية بولاية باتنة من بين أهم المرافق الصحية التي تعزّزت بها الولاية باتنة، والذي يقدّم خدمات صحية للمصابين بمختلف الأمراض السرطانية، ويتوفر على 3 مسرعات وجهازي سكانير و3 قاعات للجراحة أجريت بها خلال السنة المنقضية 1210 عملية كللت كلها بالنجاح.
ويتّسع لـ240 سرير ويتوفر أيضا على فندق صغير خاص بإيواء مرافقي المرضى، ويستقبل المركز يوميا حوالي 70 مريضا، يتلقون العلاج كل حسب حالته المرضية، حيث يأتي مرضى العلاج الكيميائي في صدارة المرضى يليهم مرضى أمراض الدم يتبعهم المرضى المعالجون بالأشعة.
بخصوص الاستشفاء بالمؤسسة، بذلت الأطقم الطبية مجهودات كبيرة للتكفل بالمرضى ومختلف الحالات التي تصل المؤسسة، من خلال ضمان فحص 25052 مريض في المصالح الطبية و2153 مريض بقسم الجراحة، أي ما يعادل 31728 يوم وبنسبة تداول على السرير الواحد هذه السنة خاصة في المصالح الطبية بـ 212 مريض.
ويعتزم مركز مكافحة السرطان بباتنة حاليا بعد النجاح المحقق لحد الآن في عمليتي زرع الكبد والزرع الذاتي للخلايا الجذعية، الانطلاق إذا ما توفرت الشروط الملائمة بداية السداسي الثاني من السنة الجارية في زرع الخلايا الجذعية من شخص مانح بعد النجاح الباهر الذي كلّل به هذا النوع من العمليات من نفس المانح.
لأول مرة بباتنة... نجاح عملية الزّرع الذّاتي للخلايا الجذعية
تتواصل نجاحات ولاية باتنة في قطاع الصحة خاصة الأمراض السرطانية، حيث تمكّن فريق طبي شاب من مركز مكافحة الأمراض السرطانية في إجراء أول عملية زرع ذاتي للخلايا الجذعية المكونة للدم بباتنة مطلع جانفي المنصرم لمريض يبلغ من العمر65 سنة، وكلّلت بنجاح باهر أشرفت عليها رئيسة مصلحة أمراض الدم البروفيسور مهدية سعيدي، حيث أشارت مصادر طبية مختصة إلى أهمية هذا التدخل الجراحي الحديث والدقيق في إطالة عمر المرضى المصابين بسرطانات الدم والغدد اللمفاوية، والذين تقل أعمارهم عن 65 سنة.
وتحقّق أخيرا هذا المشروع الحلم بفضل مجهودات الطاقم الطبي لمركز باتنة لمكافحة الأمراض السرطانية وبعد سنوات طويلة من الانتظار، حيث تعتبر باتنة ثالث مركز تجرى به مثل هذه العمليات على المستوى الوطني بعد مركز مكافحة السرطان «بيار ماري كوري» ومستشفى أول نوفمبر بوهران، الأمر الذي من شأنه فتح آفاق علاجية جديدة لمرضى سرطان الغدد الليمفاوية، وكذا الورم النخاعي المتعدد بشرق الوطن.
يتم هذا التدخل الجراحي، بحسب المختصين، عن طريق استئصال خلايا جذعية فتية جدا من عظام المريض السليمة ثم يتم تجميدها خلال الفترة التي يتم فيها تحضير المريض للعملية بعد خضوعه لعلاج كيميائي يتم به القضاء على الخلايا السرطانية ليعاد زرع الخلايا الجذعية الفتية المستأصلة بعد ذلك في المناطق المصابة، والتي أصبحت بها فراغات ممّا يسمح بتكاثرها وتوسّعها في بيئتها الطبيعية، وبالتالي منح فرصة حياة جديدة للمريض، خاصة وأن نسبة النجاح كبيرة جدا، كون الخلايا المزروعة ذاتيا تؤخذ من المصاب الذي هو في نفس الوقت مانح ومستقبل.
التبرع بالأعضاء... حلم متوقّف إلى إشعار آخر
برمج المركز إجراء عمليتي زرع ذاتية للخلايا الجذعية المكونة للدم كل شهر لفائدة المرضى الذين يخضعون للعلاج حاليا بالمركز، والذين قطعوا أشواطا معتبرة في العلاج الكيمائي، في حين يبقى إجراء عملية زرع الخلايا الجذعية المكونة للدم عن طريق شخص مانح حلما يراود الأطباء والمرضى على حد سواء، وهي عملية تتطلب مكانا جد معقم، مضيفة بأن هيكل المبنى موجود بالمركز الجهوي لمكافحة السرطان لكن يتطلب فقط توفير التجهيزات الضرورية.
وكان البروفيسور حسين شاوش عميد أطباء زراعة الكلى بالجزائر قد أشار في حديث لجريدة «الشعب» في وقت مضى، إلى أهمية إيجاد حل لإشكالية التبرع بالأعضاء من الموتى، والتي لم تجد صداها لدى غالبية الجزائريين، وهو ما يواجه مستقبل زراعة الكلى والكبد والقرنية وغيرها من الأعضاء، بسبب عدم وجود متبرعين من الأشخاص الأحياء خارج عائلة المريض أو التبرع بأعضاء المتوفين.
وتراهن باتنة حاليا بعد نجاحها في زراعة الكلى، على النجاح في زراعة القرنية والكبد التي تعتبر إحدى العمليات الكبيرة وفق التصنيف الجراحي لأنواع العمليات، تتطلب أن يتناول المريض أدوية لخفض مناعة الجسم لبقية حياته بعد إجرائها، لتجنب حصول حالة رفض الجسم للعضو المزروع.
ويساعد الكبد في مكافحة الجسم للميكروبات وتنظيف الدم من السموم وبقايا الأدوية وغيرها من المواد الكيميائية، إضافة إلى دوره في الهضم وتخزين الطاقة من الأطعمة المتناولة، ويلجأ الأطباء إلى زراعة الكبد كحل علاجي بعد قصوره وفشله في تأدية وظائفه.