منتجون يرفعون التحدي و آخرون يطرحون مشاكل لا تنتهي
تحتفل مدينة المحمدية بجني محاصيلها من الحمضيات في تقليد حافظ عليه سكان المنطقة الذائع صيتها في هذا النشاط الفلاحي بعد أن كانت قطبا فلاحيا يشتهر بزراعة القطن و التوابل ، و شاء أهالي المنطقة أن يمنحوا اسم عيد البرتقال لهذه التظاهرة الفلاحية التي كانت تقام قبل سنوات خلت في الحدائق العمومية لعرض كل ما جادت به الأرض من خيرات ، إلى أن فقد عيد البرتقال بهجته و مواصفات العيد كاملة بفقدان سد فرقوق أهم منشأة إستراتيجية لحشد الموارد المائية في المنطقة.
الطبعة الأخيرة من عيد البرتقال المحتفل بها قبل أيام ،ميّزها تذمر سكان المنطقة من شكليات الاحتفالية التي أخذت طابعا رسميا، أهمل فيها الحديث عن ما خفي في بساتين الحمضيات ، و نظمت لها معارض لأنواع البرتقال التي لا يرى لها أثر في الأسواق زيادة على ارتفاع سعر بعض الأنواع.
و ما ميزها أكثر اختفاء أصناف عدة من البرتقال فضلا عن غياب كبير لمنتوج العسل الذي تشتهر به مدينة المحمدية و المناطق المجاورة لها، فبالرغم من الجهود الحثيثة و البرامج الضخمة التي استفادت منها المنطقة ضمن مساعي دفع و تطوير قطاع الفلاحة ، يظل نظر منتجي الحمضيات قصيرا منصبا على الكم و العامل التجاري و التركيز على إنتاج الأصناف التي يكثر الطلب عليها ، الأمر الذي تسبب في تراجع صيت المحمدية و شهرتها من حيث إنتاج أكثر من 20 صنف من البرتقال و الحمضيات المختلفة على غرار الليمون و الليمون الهندي .
فمن بين 20 صنف يمكن إنتاجه ببساتين الحمضيات في المحمدية أصبح الإنتاج يقتصر على صنفين فقط من البرتقال « المندرين و الطومسون « ، بالرغم من وجود جميع الإمكانيات و المؤهلات لتطوير و تنويع إنتاج الحمضيات على غرار المحطة التوضيحية التابعة للمعهد الوطني التقني للأشجار المثمرة التي تتيح للمنتجين فرصة المرافقة و التكوين و الإرشاد الفلاحي في مجالات عدة تصب كلها في إطار تطوير الإنتاج كما و نوعا ، إلى جانب مختلف آليات الدعم الفلاحي و المشاريع التنموية التي استفادت منها المحمدية ، زيادة على الغرسات الجديدة التي تقارب 450 هكتار سنويا و التي أوسعت المساحة المزروعة بالحمضيات في محيط هبرة من 3 آلاف هكتار في سنة 2012 إلى 7 ألاف هكتار في سنة2016 .
تراجع إنتاج الحمضيات إلى 752 ألف قنطار
و على سبيل المقاربة بين الواقع و المأمول ، استقرت تطلعات الجهات الوصية على القطاع الفلاحي بمعسكر في الموسم الفلاحي الماضي على رفع الإنتاج لـ 900 ألف قنطار من الحمضيات بمحيط هبرة ،الذي ينشط به حوالي 2300 منتج ، مع إمكانية توسيع المساحة المزروعة و المسقية إلى 10 ألاف هكتار مطلع 2019 -الأمر الذي يتيحه مشروع تهيئة محيط هبرة المتأخر عن موعد استلامه ،مما يعاكس طموح المنتجين خاصة بالنسبة للفلاحين في منطقة سيدي عبد المومن .
كما لم يتوافق مردود الإنتاج المتوقع مع المردود المحصل عليه الذي تراجع عن محصول الموسم الماضي الذي راوح 829 ألف قنطار ، حيث بلغ إنتاج الحمضيات للموسم الحالي 752 ألف قنطار بمتوسط مردود 180 قنطار في الهكتار الواحد حسب أرقام المصالح الفلاحية لمعسكر.
المنتجون يفسرون أسباب تراجع الإنتاج... و تقنيات السقي الحديث تنقذ الموسم
تعود أسباب تراجع المنتوج خلال هذا الموسم حسب منتجي البرتقال و مختلف أنواع الحمضيات إلى نقص مياه السقي الفلاحي و تأخر حصص السقي الفلاحي عن أوانها ، حيث وفر ديوان السقي و الصرف لمنتجي الحمضيات 3 حصص سقي بلغ حجمها نحو 20 مليون م3 ، يقول المنتجون أن نصف هذه الحصة لا تصل كما يجب إلى بساتينهم بالنظر لعدة عوامل منها سرقة المياه أو ضياعها بفعل اهتراء شبكات السقي الفلاحي .
يمس هذا الوضع فلاحي المحمدية المحاذية بساتينهم لمجاري الأودية و قنوات السقي القديمة الذين أكدوا لـ»الشعب» أن تأخر حصص السقي الفلاحي عن موعدها أثر على منتوج الحمضيات كما و نوعا ، حيث يقول احد المنتجين و رئيس جمعية التنمية و الترقية الفلاحية بالمحمدية - بوخاري محمد بوزيد- أن الفلاحين سبقوا مشروع تهيئة المحيط المسقي «هبرة» و شمروا على سواعدهم خدمة للأرض و رغبة في استعادة صيت و شهرة المحمدية في إنتاج الحمضيات ، أما عن تجربته في النشاط الفلاحي المتوارث أبا عن جد .
شاب يركب قوارب الموت من أجل العودة و بيده غصن البرتقال
يقول بوخاري محمد بوزيد أن المعاناة مع شح المياه تتكرر في كل موسم فلاحي زيادة على غياب المتابعة و المرافقة من طرف الجهات الوصية على القطاع في حال حلت الأمراض و الأوبئة بأشجار الحمضيات .
أكد الفلاح الشاب بوخاري محمد أن تقنية السقي بالتقطير أنقذت محصوله هذا الموسم و مكنته من إنتاج 5 أصناف جديدة -هي في الحقيقة أصناف كانت موجودة قبل عقود من الزمن و اختفت بفعل الجفاف الذي ضرب المنطقة بسبب توحل سد فرقوق،و عدم قدرته على تخزين كميات زائدة من المياه ترمى تلقائيا في البحر ، دون أن يخفي المتحدث عزم فلاحي المنطقة على استرجاع أمجادهم بدليل تحقيقهم لنتائج يضرب لها المثل في رفع التحدي .
من بينهم أحد شباب المنطقة الذي ركب المغامرة متوجها نحو الضفة الأخرى في قوارب الموت « الهجرة غير الشرعية « ليعود إلى المحمدية و في يده أغصان لأصناف جديدة من البرتقال أنتج منها صنفا جديدا من البرتقال من حيث الشكل و قابليته لمقاومة أسباب التلف السريع ، في تفسير للعزيمة المتوفرة لدى شباب المنطقة من أجل تطوير خبرتهم في مجال زراعة الحمضيات .
و من أجل تشجيع هذا الصنف من الشباب ، التمس المنتجون لفاكهة البرتقال بالمحمدية من السلطات الولائية تذليل العقبات التي تعيق عزيمتهم ، أولها شح مياه السقي و التعجيل باستكمال مشروع تهيئة محيط الهبرة هذا المشروع الحلم ، إضافة إلى معالجة باقي المشاكل المتعلقة بالعقار الفلاحي الذي استفاد منه أجانب عن المنطقة و عن قطاع الفلاحة و زراعة الحمضيات بدليل وجود أزيد من 2000 هكتار من الأراضي الفائضة ذات التربة المالحة و القابلة للاستصلاح .
زيادة عن تسوية المشاكل الناجمة عن شراء هؤلاء المنتجين لأراض فلاحية بعقود عرفية صار ملاكها الأوائل يطالبون باسترجاعها حين انتعشت زراعة الحمضيات بها ، إلى جانب مشاكل أخرى تتعلق بضعف الخدمات المرافقة للإنتاج على غرار وسائل التخزين و وحدات التصنيع إلى التسويق الذي يتم بطرق تقليدية طغت عليها المضاربة حتى أثر ذلك على تذبذب أسعار البرتقال المرتفعة في الأسواق .
وضع العلامة التجارية لحمضيات المحمدية و مشاريع في الأفق
و كخطوة لحماية منتوج البرتقال و فتح آفاق تسويقه خارج الوطن مع تأمين تغطية الحاجيات المحلية ، عملت المصالح الفلاحية لمعسكر بالتنسيق مع معاهد الفلاحة بالولاية أواخر السنة الماضية على مبادرة لتثمين المنتوج المحلي من الحمضيات ، يقول مدير الغرفة الفلاحية بوعلام دنة ، أن برتقال المحمدية سيحظى أخيرا بعلامته التجارية و ذلك في وقت تم فيه الانتهاء من إجراءات إعداد ملف توسيم علامة زيتون «سيق».
و من المتوقع حسب المسؤول المتحدث أن تحصل حمضيات المحمدية على علامتها التجارية في ظرف 10 أشهر ، عسى أن تحتفل المحمدية بعيد البرتقال في الموسم المقبل بإنتاج وفير له علامته التجارية ، و تحتفل أيضا باستلام مشروع محيط الهبرة ، و محطة كبرى لتصفية المياه القذرة بتقنيات عالية بطاقة 6 ملايين م3 سنويا لسقي ما يفوق 800 هكتار من الأراضي الفلاحية و بساتين البرتقال إضافة إلى مشروع متوقع لسلت سد فرقوق وعدت به الوزارة الوصية على الموارد المائية لمجرد استلام أول باخرة مجهزة لسلت الأوحال – جزائرية الصنع.